المنشور

الواقعية السياسية هي المخرج الوحيد للأزمة ! عيسى سـيار

على رغم تأثيرات الربيع العربي الأكيدة في اندلاع حراك فبراير، إلا أنه يخطئ من يقول بأن ما حصل في 14 فبراير/ شباط 2011 في البحرين هو وليد اللحظة أو الصدفة، وإنما هو نتاج أو تداعيات لمشروع إصلاح سياسي تم تدشينه من قبل عاهل البلاد العام 2000، والذي هو ربما مقبول شعبياً آنذاك في إطاره العام وأقصد هنا ميثاق العمل الوطني، ولكن أثارت تطبيقاته ومخرجاته ومازالت الكثير من الاختلافات والخلافات بين مكونات الشعب البحريني، بشأن ما إذا كان هذا المشروع الإصلاحي في مستوى نضالات وتضحيات وطموحات الشعب البحريني عبر المنعطفات التاريخية، هذا الشعب الذي كتب تاريخه النضالي بحروف من نور.
 
قد يرى البعض أن ما حصل في فبراير وما أعقبه من أحداث هو أمر مؤسف وحراك ضد الوطن! بينما يرى فريق آخر بأن الحركة الاحتجاجية هي فعل حركي يعبر عن مطالب وطموحات شعبية مستحقة. وهنا لن ندخل في هذا النوع من الاختلافات والمماحكات السياسية ولكن علينا أن نقول جميعاً شكراً لتلك الحركة الاحتجاجية التي جعلت المجتمع البحريني بكل أطيافه ومكوناته ينخرط في العملية السياسية ويتعرف على حقوقه السياسية وواجباته الوطنية. وحتى الشارع السني الذي كان مغيّباً أو غائباً عن الساحة السياسية لأكثر من ثلاثة عقود، أصبحت له مطالب ويعيش حالياً في تجاذبات وتقاطعات سياسية غير مسبوقة في تاريخه، وهذا في تقديري دليل صحة وعافية للمجتمع.
 
إن الخلافات بين الفرقاء السياسيين في البحرين يمكنني توصيفها على أنها مخاض سياسي اجتماعي يمر به أي مجتمع عند أي منعطف أو استحقاق تاريخي. وبمقاييس علم الاجتماع السياسي، فإن التغييرات أو التحولات السياسية أو الاجتماعية أمور يجب أن لا نخشاها، فإذا الشعب أو جزء من الشعب انتفض أو طالب فهذا دليل على أن هناك خللاً ما أو ظلماً ما في مكان يتوجب إصلاحه، والمهم أن نقرر كمجتمع ما هو حجم الإصلاح المطلوب؟ ومتى نصلحه؟ وكيف نصلحه؟ وإذا كنا نفهم بأن العملية الديمقراطية على أنها لعبة ولها قواعدها فأعتقد أن من أهم قواعدها هو فن الممكن، أي الواقعية السياسية، مع أهمية النظر إلى بعد مهم جداً يجب أن يضعه الفرقاء السياسيون نصب أعينهم، وهو أن الوطن والمواطن يجب أن يكون هو الرابح من وراء هذه اللعبة وليست المصالح المذهبية أو الطائفية أو الفئوية الضيقة لهذه الفئة أو تلك.
 
إذن ومن هذا المنطلق، فإن البحرين قادرة على الخروج من هذا النفق المظلم إذا ما توفرت إرادة التغيير والثقة بالآخر والنوايا الحسنة بين الفرقاء السياسيين. ولا أعتقد بأن يقبل أي وطني شريف في هذا الوطن أن هذا الحراك أو المخاض الذي عصف بالمجتمع البحريني لأكثر من عام يذهب أدراج الرياح دون أن يكون هناك تغيير حقيقي وجوهري في الدستور البحريني، وكذلك في ثقافة الشراكة السياسية الفعلية بين الحاكم والشعب، وذلك لتأمين الاستقرار المجتمعي واستدامة العملية الديمقراطية. أي أن الشعب البحريني يجب أن لا يخرج بخفي حنين.
 
وعلينا أن نعلم جميعاً أن الإصلاح السياسي والتنمية السياسية المستدامة لا يمكن تحقيقها إلا من خلال التوافق الوطني والواقعية السياسية، حيث إن وضع البحرين السياسي والاجتماعي يتسم بالكثير من التعقيد مقارنة بأوضاع بعض الدول العربية التي اجتاحتها رياح الربيع العربي، وتكمن الواقعية في فتح حوار صريح وشفاف بين الفرقاء السياسيين يتناول كل الأمور الخلافية وذلك في إطار ومناخ ناضج سياسياً يقوم على ما يلي:
1. الواقعية السياسية (البراغماتية) وعلى قاعدة «ما لا يؤخذ كله لا يترك جله»، أي أن الحوار العقيم والتشدد غير المبرر والمناكفة السياسية وإقصاء الآخر كلها أمور لا تساعد المجتمع البحريني إطلاقاً على الخروج من النفق المظلم. فالمطلوب حوار سياسي واقعي مع فهم كامل لقواعد اللعبة السياسية. ويجب أن يخرج منه الوطن ولا غير الوطن رابحاً كما أسلفنا القول.
 
2. التوافق على إحداث التعديلات الدستورية المطلوبة والتي تمنح الشعب مزيداً من السلطات والصلاحيات في الرقابة والتشريع وتشكيل الحكومة، وغيرها وهذا ليس محل خلاف في تقديري بين قوى المعارضة والتيار السياسي السني، وإنّما الاختلاف بين الفريقين يكمن في التفاصيل والتطبيق والفترة الزمنية. وهذه المسائل لا يمكن علاجها عن بعد أو بالريموت كنترول أو الشروط المسبقة، وإنما من خلال فتح حوار صريح وشفاف بين التنظيمات السياسية أولاً. وعندما تتوافق عليها ترفعها للقيادة السياسية والتي في تقديري ستتجاوب معها إذا كانت صادرة عن مختلف القوى الوطنية في البحرين.
 
3. أن يكون النظام السياسي أكثر تفهماً لاستحقاقات المرحلة المقبلة من العملية السياسية، وأن يستفيد من الأخطاء الناتجة عن البطء في تطبيق الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ذلك البطء الذي اعترفت به القيادة السياسية هو وغيره من أسباب، كانتشار الفساد والتعيينات في المناصب القيادية حسب الولاءات للشخوص وليس للوطن، والتدخل في الانتخابات وخصوصاً في الدوائر السنية، وعدم وجود معالجة جذرية للمشكلة الإسكانية… إلخ، كل ذلك أوصل المجتمع البحريني إلى الأزمة التي يعيشها الآن.
 
إن الاتصالات الأخيرة التي تمت بين الديوان الملكي والقوى السياسية، هو أمر مرحب به، ولكنه لا يرقى إلى المستوى المطلوب، فالمطلوب هو حوار حقيقي شفاف وواقعي وفي أقرب الآجال. وحل الأزمة التي تعيشها البحرين ليس مستحيلاً إذا توافرت الإرادة السياسية والثقة بين الفرقاء السياسيين. صحيح أن هناك تجمعات وشخصيات يعرفها القاصي والداني تعمل ليل نهار وتسابق الزمن من أجل بقاء الوضع في البحرين على ما هو عليه، لأنها هي الفئة الوحيدة المستفيدة من استمرار الأزمة، وكذلك بالطبع من يقف وراءها ويدعمها ويموّلها من المتنفذين.
 ولكن يمكنني القول بأن أغلبية الشعب البحريني بمكونيه السني والشيعي يرغب بل أصبح يطالب بأن يصل الفرقاء السياسيين إلى حل توافقي يرفع من قدر وشأن وكرامة الشعب البحريني، فالمواطن البحريني ليس أقل منزلة من جيرانه أو غيرهم، أما خفافيش الظلام من الوصوليين فستعصف بهم قريباً رياح الربيع العربي العاتية… فمن يرفع الشراع؟
 
الكاتب: عيسى سيار

صحيفة الوسط البحرينية – 29 فبراير 2012م