تم اكتشاف العالم الجديد على يد كولومبس في ذات العام الذي سقطت فيه الأندلس في يد الإسبان، حيث جرى ترحيل العرب وكذلك اليهود منها، وأجبر من قرر منهم البقاء على التنصير القسري. حين احتفل الغرب بمرور خمسمائة عام على اكتشاف أمريكا، لم يقل أحد يومها أن ذلك تم مباشرة بعد سقوط الحكم العربي في الأندلس، وجرى النظر إلى الحدثين كما لو كانا حدثين منفصلين، مع أنهما تما عملياً على الأرض ذاتها.
فالإسبان الذين أنهوا بالقوة سلطة العرب هم الذين شنوا الحملة البحرية التي أدت في ما بعد إلى اكتشاف أمريكا. يُقال أن كولومبس كتب إلى كرسي الملك في إسبانيا: «لقد أنجز جلالتكم الحرب على المتمردين بعد أن طرد المسلمين وكل اليهود.. وأرسلني إلى مناطق الهند البعيدة لأهدي أهلها إلى إيماننا المقدس».
ترى «إيله سوحاط» أن الحرب الإسبانية المسيحية ضد المسلمين وضد اليهود كانت مرتبطة سياسياً واقتصادياً وأيديولوجياً بذات المؤسسة التي سمحت برحلة سفن كولومبس الشراعية التي اصطدمت بجزر الكاريبي، بل أن إسبانيا، لتمويل هذه الرحلة، استثمرت ثروة طائلة، كان بينها الأموال التي صودرت من العرب واليهود بعد طردهم. وبشيء يشبه ما يفعله الصهاينة اليوم في فلسطين، فإن السياسة الإسبانية في الأندلس تضمنت توطين مسيحيين في مناطق أخذت لتوها من المسلمين، وبوسعنا نذكر ذلك الوصف المرعب الذي قدمه الباكستاني طارق علي في روايته «تحت ظلال الرمان» وهو ينقل لنا عنف وبشاعة التصفية الدموية للعرب في الأندلس في لحظات سقوطها الأخيرة.
هذا السياسات هيأت في ما بعد الأرضية التي انطلق منها الإسبان لمباشرة فتح ما وراء المحيط من أراضٍ، وإلى هناك حملوا الروح ذاتها التي تعاطوا بها مع العرب لحظة إسقاط الأندلس، فقد نظروا إلى السكان الأصليين في العالم المكتشف بوصفهم سحرة، يتعين إبادتهم وصولاً إلى تحقيق التطهر الأوروبي الذي يضمن نقاء الدم، موظفين في ذلك الطقوس والشعائر الدينية ومستظلين بسلطة الكنيسة.
سيقف محمود درويش أمام تلك البشاعة مخاطباً الغزاة البيض على لسان الهنود الحمر لحظة الإبادة: «ألا تحفظون قليلاً من الشّعر كي توقفوا المذبحة؟ ألم تولدوا من نساء؟ ألم ترضعوا مثلنا حليب الحنين إلى أمّهات؟ ألم ترتدوا مثلنا أجنحة لتلتحقوا بالسّنونو وكنّا نبشّركم بالرّبيع، فلا تشهروا الأسلحة»!
3 مايو 2012