المنشور

“أكمة” البنك الدولي وما وراءها


لم تستطع محاولات الإعلام المرئي والسمعي والمقروء لتلميع صورة المرشح الذي دفع به الرئيس الأمريكي باراك أوباما لتولي منصب رئيس البنك الدولي خلفاً للأمريكي روبرت زوليك المنتهية ولايته الممتدة لخمس سنوات، وهو الأمريكي من أصل كوري جنوبي جيم يونغ كيم، لم تستطع حجب الفضيحة التي رافقت طريقة تنصيبه رئيساً جديداً للبنك الدولي. حتى محطة هيئة الإذاعة البريطانية “بي.بي.سي” الناطقة الإنجليزية بدت أمس (الثلاثاء 17 نيسان/أبريل 2012) منحازة بصورة فجة وهي تحاول على مضض استعجال تعليقات المرشحة النيجيرية نجوزي أوكونجو إويالا وهي تنتقد الطريقة التي تم بها “تعويم” المرشح الأمريكي.
 
واقع الحال أن الولايات المتحدة لازالت تعمل، مهما تغيرت الظروف ومهما تغير العالم، ورغم تعاقب إداراتها على حكم البيت الأبيض، بعقلية أن النظام الاقتصادي العالمي الذي أنشأته بعد الحرب العالمية الثانية بالتعاون مع الحلفاء الأوروبيين الغربيين في تلك الحرب، هو ومؤسساته غنيمة تم تقاسمها مرة وإلى الأبد، فرئاسة البنك الدولي من نصيب الولايات المتحدة ورئاسة صندوق النقد الدولي من نصيب أوروبا الغربية.
 
الدول النامية لم تعد هي نفسها الدول النامية الخارجة في فترة (الاستقلالات الوطنية منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية تقريباً) والمستنزفة اقتصادياً من مستعمريها الغربيين. الدول النامية فرزت اليوم من بينها شرائح مميزة في نموها وتنمية طاقاتها الإنتاجية والبشرية..الدول النامية التي كان حضورها سلبياً في المؤسسات والمؤتمرات والتجمعات الدولية، أصبحت اليوم صاحبة الصوت المقرر في منظمة التجارة العالمية وفي مفاوضات التغيرات المناخية. لا بل إنها لم تتوان عن التقدم بمرشح لشغل منصب رئاسة البنك الدولي، حيث دعم معظم ممثلي الدول النامية المرشحة النيجيرية نجوزي أوكونجو إويآلا التي تشغل منصب وزيرة المالية في بلادها، وذلك شعوراً منها (الدول النامية) بتصاعد نفوذها الاقتصادي والسياسي في العالم. وقد حازت المرشحة النيجيرية على تأييد معظم الخبراء والمحللين الاقتصاديين في العالم.
 
كذلك الحال بالنسبة للمرشح الكولومبي جوزيه انطونيو أوكامبو البروفيسور الاقتصادي الذي شغل عدة مناصب في الأمم المتحدة وفي الحكومة الكولومبية، ومنها مساعد الأمين العام للشئون الاقتصادية والاجتماعية والسكرتير التنفيذي للجنة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية والكاريبي ووزير المالية والائتمان العام ووزير الزراعة وتنمية المناطق الريفية في بلاده كولومبيا. وكانت البرازيل قد طرحت أوكامبو مرشحاً للدول النامية لترأس البنك الدولي، إلا أن الرجل اعتذر للبرازيل عن الترشح بسبب محدودية الدعم الذي ناله وطلب تحويل دعمه لصالح المرشحة النيجيرية. وقال إن انسحابه مرده إلى أن الاختيار ليس مبنياً على أساس مهني وإنما سياسي.
 
في حين أن مرشح الولايات المتحدة لهذا المنصب قد جوبه بعاصفة من الانتقادات في الأوساط الاقتصادية والإعلامية العالمية حتى من داخل الولايات المتحدة نفسها. فالرجل لم يشارك قط ولو لمرة واحدة في منتدى عالمي، وهو الانتقاد الذي رد عليه المدافعون عن ترشيحه بانشغالاته، ناهيك عن عدم تناسب اختصاصه كطبيب مختص في الوبائيات لاسيما مرض نقص المناعة، مع متطلبات الاختصاص الاقتصادية والمالية للوظيفة التي سيشغلها، وكذلك الظروف الاقتصادية العالمية المعقدة المحيطة بمستقبل النماذج التنموية التقليدية والمستجدة باعتبارها تحديات تتطلب رؤى عالمية جديدة تتجاوز الرؤية الأمريكية الأحادية في طريقة إدارة البنك على مدى أكثر من ستين عاماً. وقد انتقدت مجموعة من أساتذة الاقتصاد وخبراء التنمية الأمريكيين بقيادة وليام ايسترلي (William Easterly) من جامعة نيويورك ولانت بريتشت (Lant Pritchett) من كلية هارفارد كيندي، انتقدوا اختيار كيم جيم لأنه حسب قولهم ليس لديه سوى حيز ضيق للغاية من الخبرات بالنسبة لإدارة أهم مؤسسة تنموية في العالم.
 
مجلة الايكونومست البريطانية التي أعلنت عن دعمها للمرشحة النيجيرية نجوزي اوكونجو إويآلا، علقت على اختيار جيم كيم لرئاسة البنك الدولي بالقول إن اختياره يطرح تساؤلات عديدة بشأن البنك وبشأن السيد كيم نفسه.
 
وبسبب الكتمان وعدم الشفافية في طريقة اختيار المرشح لهذا المنصب خلف الأبـواب المغلقـة، فقد أبدت منظمـات غير حكومية معروفـة ومرتبطـة ببرامج التنميـة الاقتصادية والاجتماعيـة في البلدان النامية مثل “اوكسفام” و”أنقذوا الأطفال” (Save Children)، انزعاجها وانتقادها للطريقة غير اللائقة التي اختير بها المرشح الأمريكي، خصوصاً بعد تملصه من الظهور في لقاء متلفز للمرشحين كان قد رتبه خزان الأفكار (Think Tank) “Centre for Global Development” الذي يتخذ من واشنطن مقراً له.
 
أما كيف اختار المجلس التنفيذي للبنك المؤلف من 25 ممثلاً لـ 187 دولة عضو في البنك مرشح الرئيس باراك أوباما لمنصب رئيس البنك الدولي فإن ما تسرب من وراء الكواليس من أنباء وتداوله بعض الميديا الغربية، يفيد بأن بعض الدول التي هددت برفض المرشح الأمريكي قد تمت مقايضتها ببعض “الجوائز” المهمة في المناصب العليا للبنك، ينطبق هذا على دول مجموعة “بريك” (البرازيل وروسيا والهند والصين)!
 
18 مايو 2012