المنشور

حينما يفقد البعض صوابه


يبدو أن البعض ممن كان يروج ويبرر ويدعو لمواجهة حركة المطالبات الشعبية السلمية في البحرين بمزيدٍ من العنف وفرض الحل الأمني قد فقد صوابه تماماً، بعد أن أجمعت دول العالم خلال مناقشة تقرير البحرين في الدورة الثانية للاستعراض الدوري الشامل أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يوم الاثنين الماضي بجنيف، على أهمية اتباع نهج الحوار بين الحكومة والمعارضة، والإفراج عن المعتقلين السياسيين باعتبارهم سجناء رأي، والتحقيق المستقل في جميع ادعاءات التعذيب واستخدام القوة المفرطة وتقديم المتورطين في عمليات التعذيب إلى المحاكمة والعمل الجاد على تنفيذ توصيات تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق المعروفة بـ «لجنة بسيوني».
 
مصدرٌ في مجلس حقوق الإنسان أدلى أمس بتصريحٍ لـ «الاسوشيتدبرس» ذكر فيه أن حكومة البحرين تعهّدت بالنظر في 167 توصية حقوقية قدّمتها دول العالم في المجلس.
ومن بين هذه التوصيات الإفراج فوراً ودون قيد أو شرط عن جميع الأشخاص المحكوم عليهم بسبب ممارستهم لحقوقهم الأساسية في حرية التعبير والتجمع، وخصوصاً خلال الاحتجاجات السلمية المطالبة بالديمقراطية التي بدأت في فبراير/ شباط 2011، والتحقيق في حالات الوفاة التي حدثت أثناء الحجز، ومحاكمة جميع المسئولين عن التعذيب وسوء المعاملة وعمليات القتل غير القانونية والاعتقالات التعسفية على نطاق واسع، والتصديق على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب.
 
ومع ذلك، بدلاً من أن يعيد هذا البعض النظر في قناعاته وأفكاره التي جرّت البحرين إلى المزيد من الاحتقان، ويفيق من أوهامه، نراه هذه المرة يوزع الاتهامات يمنةً ويسرةً، فتارةً يصف جميع الدول التي انتقدت ملف حقوق الإنسان في البحرين بـ «الببغاوات» التي مازالت تردد مقولات قديمة ومكررة، وتارةً أخرى يصف جميع أعضاء الوفد البحريني الأهلي للمؤتمر بـ «الخونة» لبلادهم، ممن يسعون إلى الإساءة لسمعة البحرين في الخارج وأمام دول العالم.
 
من الواضح تماماً لماذا فقـَد هذا البعض صوابه تماماً الآن، بعد أن أدان العالم أجمع الممارسات الخاطئة التي اتخذت إبان الأزمة وما لحقها من استخدام العنف المفرط، واعتقالات بالجملة ومحاكمات عسكرية وهدم المساجد ودور العبادة، وفصل الآلاف من وظائفهم وجامعاتهم، وتقديم العشرات من الكوادر الطبية والتمريضية للمحاكمة.
 
لقد أطلق هذا البعض فيما مضى على المؤسسات والمنظمات الحقوقية والإنسانية، والتي جاءت كثمرةٍ لتطور الفكر الإنساني ونضال البشرية من أجل مجتمعاتٍ أكثر عدالةً تحترم حقوق الإنسان، وحرية الرأي والتعبير، كـ «هيومن رايتس ووتش»، و «الامنستي انترناشيونال» و «أطباء بلا حدود»، و «مراسلون بلا حدود»، وصف الدكاكين الحقوقية، لمجرد أنها دافعت عن مبادئ إنسانية أساسية تم اختراقها وتجاوزها في بلادنا. ويبدو أن الدور قد حان الآن للتشكيك في المنظمات التابعة للأمم المتحدة، والدول التي اتخذت مواقف إنسانية مما يدور في البحرين، ولن أستغرب إن قام البعض في الأيام المقبلة بالتشكيك في نزاهة الأمم المتحدة نفسها، وبدل الانتباه إلى ما تم ارتكابه من أخطاء وانتهاكات لحقوق الانسان، يتم الترويج لنظرية أن كل العالم يتآمر الآن على البحرين.
 
 

صحيفة الوسط البحرينية – 25 مايو 2012م