المنشور

مصر برأس واحد أم برأسين؟


بات في حكم المؤكد، مالم تحدث مفاجأة، أن المنافسة في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة في مصر ستنحصر بين مرشحين يمثلان توجهين مختلفين، وعلينا الانتظار لمعرفة ما إذا كانت مصر ستُحكم برأسين أم برأس واحد.

 لقد خرج من السباق، على خلاف التوقعات كل من عمرو موسى الأمين العام السابق للجامعة العربية وعبدالمنعم أبوالفتوح المرشح الاسلامي المستقل، ليتأهل للدورة الثانية مرشح الاخوان المسلمين محمد مرسي وأحمد شفيق آخر رئيس للوزراء في عهد مبارك، وتشير التوقعات إلى أن المرشح الناصري حمدين صباحي سيحل ثالثاً.

 بعيد ثورة 25 يناير عكف الإسلاميون، وقوتهم المنظمة الأبرز: الإخوان المسلمون على طمأنة المجتمع المصري، وخاصة قواه الليبرالية المدنية والأقباط والنساء والأوساط الثقافية والأكاديمية، على أنهم زاهدون في منصب رئيس الجمهورية، وأن حزب الحرية والعدالة سيقف على مسافة متساوية من كل المرشحين للرئاسة، ولكن تحت تأثير نشوة اكتساحهم للانتخابات البرلمانية سرعان ما تراجعوا عن هذا التعهد، بشكل نال من صُدقية الجماعة أمام المجتمع.

 العارفون بتركيبة الجماعة وما هي عليه من براغماتية سياسية يؤكدون أن لا مفاجأة في ذلك، فالإخوان أنفسهم كانوا قد أعلنوا بُعيد سقوط مبارك وعشية انتخابات مجلس الشعب أنهم لن يتقدموا بما يزيد عن 30% من أعضاء البرلمان، ليفسحوا المجال للقوى الأخرى كي تكون شريكة لهم في السلطة التشريعية، ثم نقضوا إعلانهم، وتقدموا بالعدد الذي يضمن لهم الأغلبية في مجلسي الشعب والشورى. ما صحَّ على هذه الانتخابات صح على طريقة تشكيل الهيئة المناط بها كتابة الدستور المصري الجديد، حيث هيمن على الهيئة وهمشوا القوى الأخرى، مع أن الأمر يتصل بصورة الوثيقة الدستورية التي ستحدد صورة مصر المقبلة، والتي لا يجوز أن تنفرد قوة واحدة برسمها، خاصة حين يدور الحديث عن بلد بعراقة وثقل وعمق مصر، وقوة تقاليدها السياسية، ووجود أدمغة لامعة بين أبنائها في مجالات التشريع والرؤية السياسية.

في حال أفلح الأخوان في إيصال مرشح عنهم إلى الرئاسة فإنهم سيمُسكون بكامل مفاصل الدولة المصرية في هذا المنعطف التاريخي، وهذا الخيار حتى لو جاء عبر صناديق الاقتراع، يحمل مؤشرات مقلقة لقوى عديدة تحمل الكثير من الهواجس تجاه الإخوان وتجاه برنامجهم السياسي والاجتماعي، لكنه سيحقق الانسجام بين مراكز صنع القرار، لأنها ستنطلق من ميل سياسي واحد، وسيضع على عاتق القوى الإسلامية مهمة البرهنة على قدرتها في إدارة المرحلة الانتقالية في البلد، والعبور بها نحو المستقبل مع الحفاظ على الوحدة الوطنية والتعددية الاجتماعية والسياسية وتلك مهمة شاقة. لكن مصر قد تواجه سيناريو آخر إذا جاء أحمد شفيق رئيساً وهو الآتي من قلب المؤسسة العسكرية، شأنه في ذلك شأن كل الرؤساء الذين تعاقبوا على مصر منذ ثورة 23 يوليو 1952، كونه القائد السابق للقوات الجوية، وبالنظر إلى تراث مؤسسة الرئاسة في مصر الحديثة ودورها المركزي في الإدارة، سيتعين على الأغلبية البرلمانية الإسلامية أن تعمل مع رئيس يحمل برنامجاً من قماشة سياسية مختلفة، مع ما يحمله ذلك من احتمالات الاختلاف وحتى التناقض في ترتيب سلم الأولويات على كل صعيد.