المنشور

الأمين العام لـ «المنبــر الديمقراطـــي» في لقاء مع «الوسط»: يؤكد أن «التقدمــــي» مستهـدفٌ من عدة جهات… وقوى في مواقع النفوذ داخل وخارج السلطة لا تريد حلاً…


اتهم الأمين العام لجمعية «المنبر الديمقراطي التقدمي» عبدالنبي سلمان، من أسماهم بـ«القوى في مواقع النفوذ والتأثير داخل وخارج السلطة»، بالحيلولة دون إيجاد حلول سياسية لما تمر به البلاد، مبدياً في الوقت نفسه رفضه لما وصفها بـ«مشروعات العلاقات العامة» التي تعتمد على لغة شعاراتية، وعرض للنوايا، ومغازلة الرأي العام الخارجي في إطار البحث عن حل سياسي.
 
وفي مقابلة أجرتها معه «الوسط»، أكد سلمان أن جمعية المنبر الديمقراطي مستهدفة من قبل عدة جهات، إلا أن كوادر التقدمي وقيادته تعي جيداً ما يدور من حولها، على حد قوله، مؤكداً أن علاقة جمعيته بالقوى السياسية لم ولن تنقطع.
 
وفيما يأتي نص المقابلة:
 
بعد مرور أكثر من 18 شهراً على اندلاع الأحداث في البحرين، لا زال جزء من الشارع البحريني يرى أن المعارضة هي من تتسبب في تأزيم الأوضاع التي تشهدها البلاد، فما ردك على ذلك؟
 
– حتى نفهم كيف تسنى لشريحة مهمة من الشارع البحريني أن تستوعب الأوضاع بهذه الصورة المقلوبة أو لنقل المبالغ في ارتداداتها، علينا أن نتأمل قليلاً في مسببات ذلك، وخصوصاً الأجواء التي أحاطت بالحراك الشعبي، وطبيعة القوى المساهمة فيه، وكذلك الاصطفافات التي أحدثتها وطأة الأزمة على الجميع من دون استثناء.
 
ولكن قبل ذلك علينا أن نفهم أن إطلاق يد قوات الأمن بصورة مبالغ فيها، وما رافق ذلك من الخسائر والمكابدات الاجتماعية التي للأسف لم تتوقف حتى اللحظة، وما قامت به بعض وسائل الإعلام في قلب الكثير من الحقائق، وتصوير الحراك المطلبي المشروع على أنه مجرد مؤامرة خارجية أو تدخل خارجي واستقواء بالخارج، وهذا أمر لازالت فصوله تتوالى حتى اللحظة في تزوير سافر للحقائق والتاريخ ومحاولة القفز أو الهروب بعيداً.
 
وطبيعي أن نفهم أن حراكاً بهذا الحجم لا بد وأن رافقته أخطاء كما رافقته نجاحات أيضاً، ونحن في المنبر التقدمي عايشنا الأوضاع السياسية عن قرب مع بقية القوى السياسية المعارضة، وكانت لنا صولات وجولات مع قوى ما يعرف بالموالاة أو القريبة من مواقع القرار، وحاولنا بكل طاقاتنا، ولا زلنا، التأثير بشكل إيجابي لخلق حالة من التوافق الوطني، واستثمرنا وجودنا المسئول والمطلوب في خضم هذا الحراك الجماهيري للمساعدة مع بقية المخلصين في حوارات واجتماعات امتدت لساعات وأيام.
 
وكنا في كل حراكنا نتلمس حجم المسئولية الملقاة على عاتقنا ربما بدرجة أكبر، نظراً لطبيعة تكويننا كحزب وتوجه سياسي، علاوة على دورنا التاريخي في الحركة الوطنية.
 
لكن علينا أن نقول بوضوح إنه كانت هناك قوى في مواقع النفوذ والتأثير داخل وخارج السلطة لا تريد حلاً، إذ لا تلتقي مصالحها مع التوجهات التي من شأنها أن تساعد البلد والناس على العبور نحو المستقبل بأمان، لبناء دولة ذات أفق وطني ونهج راسخ، وهي ذات القوى التي أعاقت أي نوع من الحوار، واشتغلت على تهويل الأوضاع، وأوصلت الوطن والناس لحالة من التشظي والانقسام والخوف من الآخر من دون مبررات موضوعية. وساعدها في ذلك الإعلام الرسمي وشبه الرسمي الذي لم ولن يُنسى له أبداً دوره التاريخي المسيء في ضرب اللحمة الوطنية.
 
ومع هكذا وضع، لا غرابة أن نجد أن هناك من يريد أن يصدِّق كل القصص والفبركات التي فندتها الحقائق على الأرض، كما فندها تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، وفندتها جلسات المحاكمات وأقوال الشهود ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، ولم يصدقها العالم.
 
ورغم ذلك لا زال هناك من ينفخ في تلك الحالة التي تبعث باستمرار لتغذي عوامل الخصومة والتناحر الاجتماعي، وهنا تكمن مسئولية الدولة التي نجد أنه أصبح لزاماً عليها أن توقف كل ذلك، لمصلحة ومستقبل البحرين.
 
فلا يمكن للقوى السياسية الفاعلة في المعارضة والمجتمع أن تعمل وتفعِّل دورها في ظل استمرار حالة التشفي والخصومة والإقصاء والفصل والتخوين. كما أن الدول لا يشيِّدها مزاج الانتقام، بل الاعتراف بالمشكلة أولاً ومن ثم العمل على مواجهة المصاعب وتفهم طبيعة الصراع وأسبابه، وبالتالي وضع الحلول لذلك قبل أن تستفحل الأمور إلى ما هو أكبر.
 
وهل ترى أن ذلك أدى إلى انعكاس على حدة الفرز الطائفي في البحرين؟
 
– هناك عدة اعتبارات يمكن من خلالها فهم الوضع الطائفي وأسباب تفاقم الحالة الطائفية. ونعتقد أن الحالة الطائفية الراهنة في البحرين ليست وليدة الأزمة، وتداخلت فيها عوامل عدة منها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فلقد ثبت أن اللعب بالورقة الطائفية هو الخيار المتاح لدى من يعملون على حرف بوصلة النضال الوطني والمطالب المشروعة لشعبنا، ومن لا يستطيعون التعايش حتى مع أدنى التوجهات الديمقراطية.
 
على أن التماسك الداخلي للمجتمع البحريني ظل على الدوام عقبة أمام هؤلاء، إلا أنه بالمقابل بقي في عقل ونظر ونهج القوى الوطنية البعيدة عن الطرح الطائفي التي حمت البحرين عبر برامجها ونهجها طيلة العقود الماضية من حالة التنافر الطائفي، رغم محاولات الاستعمار المستمرة والقوى المتعاونة معه والمستفيدة منه.
 
ومع هكذا أوضاع نحن نعايش عملية صراع اجتماعي حقيقي يراد له أن يكون عنوة بين طوائف ومكونات مجتمعنا. وبكل أسف أضحى وضعنا الداخلي محتقناً، وفي إطار وضع إقليمي يدفع باتجاه مزيد من الفرز الطائفي.
 
وفي مثل هذا الوضع يتم عادة توظيف عوامل مثل المذهبية والطائفية، ويسخّر الإعلام والمال السياسي من دون خجل وبقوة، لتحقيق أجنداته المعلنة وغير المعلنة، والتي تلتقي بالضرورة مع أهداف سياسية لدول وفئات وطوائف لا تستطيع إلا أن تعيش على هكذا حالة من التناحر والتمزق،  تحقيقاً لأجنداتها تلك.
 
وبالنسبة لنا في البحرين يبقى التماسك الاجتماعي لمجتمعنا البحريني حالة ملحة وأولوية يجب أن تشتغل عليها القوى الوطنية المخلصة، وأن تلتفت لها الدولة بإخلاص ومسئولية. فوحدتنا الوطنية هي ضمانة الاستقرار الاجتماعي والسياسي للحاضر والمستقبل. ونرى أنها يجب أن ترتبط بتوافقات سياسية واجتماعية ملزمة للجميع، وعلى الأرض، من أجل خلق حالة التوازن الاجتماعي المنشود الذي يجب أن يدفع باتجاه تعزيز عوامل الثقة بين الدولة والمجتمع، وبين مكونات المجتمع مع بعضها.
 
ويجب أن لا يستنكف أحد أبداً من حالة التنوع الاجتماعي والإثني أو العرقي التي ميزت مجتمعنا البحريني ضمن إطار روح وجوهر القانون المنظم لذلك بالطبع. فالتنوع الذي يحظى به مجتمعنا البحريني هو تنوع محمود بلا شك، طالما حكمته ضوابط معلومة، ومتفق عليها مجتمعياً.
 
وأعتقد أن الوقت لم يفت بعد لتتدارك الدولة وبعض قوى المجتمع أخطاءهم للخروج بالمجتمع من حالة الاحتقان الطائفي هذه إلى رحابة الوئام الاجتماعي.
 
ولكن يجب بداية لجم الإعلام الرسمي والأهلي والتوقف عن النفخ في تلك الحالة الطائفية، والتي تتناقض مع طموحات شعبنا في الاستقرار والانسجام الاجتماعي، كما تتناقض مع جملة الشعارات المعلنة رسمياً وشعبياً، على أن تلعب الدولة الدور الأكبر في هذا المجال.
 
أما الاستمرار في الاستسلام لخطاب الطائفيين من دعاة ومأزومين وكتبة وأنصاف مثقفين ممن يعتاشون كالفطر السام على الانغماس في الطائفية، وجر مجتمعنا عنوة إليها، فنحن نقول بوضوح إن هؤلاء لا يستطيعون أن يسهموا في بناء بلد حضاري يرتقي بكل أهل البحرين المتسامحين الطيبين.
 
لكن أين هو إسهام قوى المعارضة الوطنية اتجاه هذا الوضع الطائفي؟
 
– في ظل تعاظم الوضع الطائفي القائم لا تمتلك القوى الوطنية والديمقراطية سوى أدوات محدودة بكل أسف، نظراً لمحاصرتها وضربها وتعمد تحجيم دورها، ومنذ سنوات.
 
وهذا ما يسمح للحالة الطائفية بالتمدد بكل أسف، فنحن ندين باستمرار عمليات الشحن الطائفي المقيتة، ونرفض الفرز الطائفي الممنهج، وكافة مظاهر التمييز، ومحاربة الناس في أرزاقهم أو فصلهم على الهوية، ووقف أو حرمان أبناء وبنات البحرين من البعثات والتوظيف والترقي والتعيينات في مختلف الأجهزة الرسمية، والكثير من مؤسسات القطاع الخاص. ونجد أن لكل ذلك انعكاسات سلبية خطيرة بالنسبة للوضع الطائفي، وبالتالي اللجوء للتمترس في حدود الطوائف.
 
وهذه الحالة مرشحة لأن تتداعى بصورة أكبر في المستقبل بالنسبة للوضعين الاجتماعي والاقتصادي، وعلى مسار التنمية وحالة الاستقرار السياسي بشكل عام، إن تركت هكذا تتمدد دون تدخل الدولة السريع وتدخل جمعيات ورجالات وشخصيات البلد.
 
وبالنسبة لنا في «التقدمي» والتيار الوطني الديمقراطي نحاول جاهدين عبر ما نطرحه من مبادرات، ونوظف ما نملك من إمكانيات متواضعة، سواء عن طريق بياناتنا وندواتنا وفعالياتنا المشتركة أو على مستوى الجمعية الواحدة، وفي لقاءاتنا مع المسئولين أن نحذر من مخاطر هكذا نهج، علاوة على ما تشيعه كوادرنا ومنتسبونا وأصدقاؤنا من حالة مطلوبة من الوعي المجتمعي بتلك المخاطر.
 
وهنا يجب أن أذكِّر بأن أبسط الأدوات المتاحة لقوى المعارضة مثل النشرات الإعلامية التي من خلالها نخاطب الجمهور، قد أوقفت عنوة قبل أحداث فبراير/ شباط 2011 وحتى الآن، فكيف إذن للمعارضة أن تعمل على تصحيح هكذا انحرافات، وذلك في ظل سطوة وإصرار الإعلام الرسمي وشبه الرسمي على زيادة الشق بين أبناء الوطن الواحد، ومن دون أدنى مسئولية؟
 
كيف تسير الأمور على الجانب السياسي، وهل من أفق لحلحلة الأوضاع في البحرين؟
 
– الوضع السياسي الراهن لا يشي بالكثير في ظل المعطيات المتاحة، ولا توجد حسب علمنا أي بوادر للحل السياسي في الوقت الراهن. ونعلم أن هناك محاولات خجولة بل ومترددة من هنا وهناك يقوم بها وسطاء، وهي لا تعدو كونها محاولات لاستشفاف الأوضاع ليس إلا. كما أنها لا تأخذ طابع الجدية في الوقت الراهن. ونحن في المنبر الديمقراطي التقدمي يهمنا أن نسهم من موقعنا بدور أكثر إيجابية للدفع بعملية الإصلاح السياسي الشامل والحقيقي، ونعتقد جازمين برغبة كل المخلصين في ذلك، شريطة أن تطرح الدولة مبادرة للحل السياسي الشامل، فهي التي يجب أن تتحمل المسئولية الأكبر. وعبر تواصلنا الذي بدأناه مع الجميع في المعارضة والدولة وحتى جمعيات «الموالاة» إن صح التعبير، نسعى لخلق حالة إيجابية تدفع بحل سياسي وطني توافقي.
 
ونعتقد أن ذلك أمراً ممكناً، شريطة أن لا تتجه الدولة مجدداً لمحاولة اللجوء لحوار الطوائف كما كان عليه الوضع سابقاً، والذي لم ولن ينتج شيئاً، فقد جربته البحرين كثيراً إلا أنه أنتج علقماً، علينا الآن أن نتذوق مرارته على شكل تراجعات سياسية وأمنية واجتماعية واقتصادية مريعة لا نود أن يعود إليها مجتمعنا مرة أخرى، ونعتقد أن الحل المطلوب يجب أن يكون حلاً سياسياً وطنياً وحقيقياً بامتياز، بحيث يأتي عبر مبادرة واضحة المعالم والأهداف وذات سقف زمني معلوم وملزم، بحيث تخرج البحرين وشعبها مجدداً إلى بر الأمان.
 
وفي هذا المجال على الدولة أن لا تتردد في المبادرة إلى تعزيز وإشاعة عوامل الثقة عبر خلق حالة من الحراك الإيجابي، تتمثل في سرعة إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين والنشطاء الحقوقيين وإنهاء المحاكمات وسرعة استكمال ملف عودة المفصولين من أطباء وممرضين ومعلمين وعمال وطلبة جامعات وغيرهم، والتطبيق الأمين والصادق لتوصيات اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق، والبدء في التنفيذ العملي لتوصيات جنيف، ورد الاعتبار لكل من انتهكت حقوقهم أو عذبوا أو استشهدوا أو أصيبوا أو تضررت أسرهم وممتلكاتهم، بمعنى طرح مشروع متكامل للإنصاف والعدالة الانتقالية.
 
وهناك تجارب ناجحة في المغرب وايرلندا وجنوب إفريقيا، يمكن الاستعانة بها في هذا الإطار، مع ضرورة إلغاء كافة مظاهر التمييز القائمة التي ظهرت وستظهر للعيان نتائجها الوخيمة على مختلف مناحي الحياة، والشروع في بناء مؤسسات الدولة وهياكلها على أسس وطنية صرفة.
 
وأكاد أجزم أنه في حال أقدمت الدولة على تلك المبادرات بمسئولية، فإن الباب سيفتح واسعاً للدخول في مبادرة للحل السياسي، وأكاد أقول أيضاً إن قوى المعارضة السياسية ستكون على استعداد أكبر للحوار الجاد والحقيقي، وتمتلك من بعد النظر والموضوعية والمرونة المسئولة ما يؤهلها لإنجاح الحوار المنتظر.
 
وقد أوضحنا ذلك وبكثير من التفاصيل خلال لقائنا الأخير مع وزير العدل، وقلنا أننا لا نعول أبداً على الحلول المبتسرة أو تطييب الخواطر ومشروعات العلاقات العامة أو حتى تلك المفروضة من الخارج.
 
فالحلول المطلوبة يجب أن يتوافق حولها شعب البحرين بكل مكوناته، ولابد منها حتى نستعيد بلدنا ونعيد لشعبنا لحمته ولقواه السياسية دورها في تنظيم الجماهير وقيادتها، وبالتالي الإسهام في صياغة القرار الوطني، والأهم أن تستعيد الدولة هيبتها عبر التطبيق العادل والمسئول للقانون، الذي يجب أن لا يغفل عامل المساءلة والمحاسبة لكل من اقترفوا جرائم بحق شعبنا، وهذا الأمر بات أمراً يطالب فيه حتى حلفاء البحرين السياسيون أسوة بقوى المعارضة السياسية في البحرين، وهو أمر لا يمكن تأجيله فهو يدخل ضمن مشروع استعادة الثقة بين الدولة والشعب.
 
ماذا تعني بـ«مشروعات العلاقات العامة»؟
 
– أقصد أن الحل الوطني المنشود والشامل يجب أن لا يستند على لغة شعاراتية وعرض للنوايا ومغازلة الرأي العام الخارجي، بقدر كونه مشروعاً حقيقياً قابلاً للتطبيق على الأرض، بحيث يكون ملزماً، وله سقف وآليات تنفيذ ومتابعة، فقد سئمنا من تلك الشعارات التي لا تنتج شيئاً، ونحتاج أن نتلمس الجدية في الطرح والتنفيذ وأدوات المساءلة، فمشروعات العلاقات العامة ربما تمطط الزمن، لكنها لا تنتج حلولاً حقيقية يتأملها الناس.
 
وطبعاً لكل ذلك التمطيط وتلك المراوحة أثمانها وكلفها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي لم تعد بلادنا قادرة على دفعها. وفي متناول مؤسسة الحكم مبادرة ولي العهد التي حظيت بحالة إجماع من قبل جميع الأطراف منذ مطلع مارس/آذار 2011.
 
ما هي تفاصيل لقائكم الأخير بوزير العدل؟
 
– الوزير التقى عدداً من الجمعيات التي لم تعلن أسماؤها، كما التقى لاحقاً بجمعيات المعارضة، وهو في حقيقة الأمر لا يطرح مشروعاً للحوار بقدر ما يحاول أن يستشف الرؤى للتوصل إلى كيفية الدفع باتجاه تحقيق مدخل للحل المنتظر.
 
وقد تحدثنا معه بشفافية ووضوح، وأكدنا على ضرورة وجود مشروع واضح المعالم تطرحه الدولة، له سقف زمني وأهداف مرسومة تساعد في الخروج من الوضع الراهن.
 
وقلنا بصريح العبارة أن الاعتماد على الحل الأمني أثبت فشلاً ذريعاً، وأن الاستمرار في الاعتماد عليه يدلل على حالة من العجز لا نريد للدولة أن تبديها في مواجهة ما يعترض الوطن من مصاعب جمة.
 
كما قلنا أن مبادرة سمو ولي العهد يمكن أن تكون مدخلاً وأرضية مناسبة، وإننا لا نريد لهذه الحوارات أن تضيع على الوطن المزيد من الوقت دون التوصل إلى أهداف وحلول ناجعة نجد أنها في متناول الدولة إن أرادت، كما أننا لا نريدها -أي تلك الحوارات- أن تفهم على أنها توطئة زائفة لمواجهة الاستحقاقات المطلوبة من الدولة اتجاه المناشدات الدولية بالشروع في الحل. وقد وعدنا بالتواصل في الحوار بشأن كل ذلك.
 
التصريحات الرسمية بشأن الحوار، كانت مشروطة بوقف العنف من أجل بدء الحوار، فهل تعتقد أن ذلك محاولة لوضع العجلة أمام الحصان، إن صح التعبير؟
 
– الوضع في البلد بشكل عام يحتاج إلى نوع من التهدئة وتهيئة أجواء حوار، وأن يتم وقف العنف على القرى والأهالي واعتقال الأطفال والنساء، وعدم تكرار ما حدث للطفل حسام الحداد، وخصوصاً بالتزامن مع أجواء شهر رمضان المبارك وعيد الفطر المبارك، فمثل هذه الأمور لا تساعد على التهدئة، والحكومة مطالبة بخلق جو حقيقي للحوار، وبالتالي لا يمكن وقف العنف مع استمرار هذا النهج.
 
ولكن هناك من يتهم المعارضة بعدم أخذ دورها في إيقاف هذا العنف؟
 
– هذا هروب من مواجهة الحقائق على الأرض، وإذا كانت هناك أخطاء لدى الشارع، فهذا لا يعني أن توصم المعارضة بأنها عنيفة، ونحن أبدينا موقفنا برفض استخدام «المولوتوف» وقطع الشوارع، لأن كل هذه الأمور لا تساعد على أن تكون هذه المطالب في الاتجاه الصحيح، ولكن لا يمكن مقارنة عنف الشارع بما يجري على الأرض من عنف رسمي ممنهج.
 
وأين يكمن دور التيار الوطني الديمقراطي من كل ما يدور؟
 
– دور التيار الوطني الديمقراطي يجب أن يبقى محورياً في بناء البحرين الجديدة، فهذا التيار الواسع، وبرغم كل محاولات التهميش والإقصاء التي تعرض إليها عبر تاريخه الزاخر بالتضحيات الجسيمة، ظل هذا التيار وسيبقى مكوناً أساسياً في نضالات شعب البحرين، فالتيار الوطني الديمقراطي بمكوناته الأساسية ومؤسسات مجتمعنا المدني العديدة والفاعلة وبشخصياته الوطنية ورموزه وقياداته هو تيار مكين وراسخ وفاعل في تربة وبناء البحرين الحديثة، وبالتالي لا يمكن لأحد إلغاؤه من المعادلة السياسية، بل ومن غير المجدي الاستمرار في ذلك أو الاستمرار في تعزيز حالة الخصومة والتجاهل اتجاهه من أي طرف.
 
وبالفعل نحن في المنبر الديمقراطي التقدمي مع شركائنا من جمعيات سياسية وشخصيات وطنية ومؤسسات مدنية بتنا نستشعر بصورة متزايدة ضرورة هذا التيار ودوره أكثر من أي وقت مضى، وخصوصاً مع تعاظم حالة الفرز الطائفي والانقسام التي يمر بها مجتمعنا، علاوة على أن هذا التيار يكتنز بالكثير من الخبرات والكفاءات والقيادات والكوادر التي أسهمت وتسهم في بناء البحرين. فقد خرّجت الحركة الوطنية عبر تاريخها المديد أجيالاً من الكوادر الوطنية التي لعبت أدواراً في عملية البناء الحضاري للبحرين وبشهادة الجميع.
 
وهل أثر انقسام الشارع البحريني بشأن موقفه من الأحداث على جمعية المنبر التقدمي بشكل أو بآخر؟
 
– لنتفق أن حالة الانقسام الطائفي والمذهبي هذه، ضربت كل مكتسبات الوطن ولم تستثنِ أحداً، وهذا السؤال يستحضر إسقاطات الهجمة الشرسة التي يتعرض لها «التقدمي» ومن عدة جهات لها مصلحة في أن ترى المنبر التقدمي منقسماً، وأن يكون دوره النضالي معطلاً.
 
ونستشعر أن «التقدمي» بات مستهدفاً بالفعل، والهجمة علينا تأخذ أبعاداً متعددة، وتستخدم لأجلها أدوات بعضها مكشوف وواضح وبعضها مستحدث، لكن كوادر التقدمي وقيادته تعي جيداً ما يدور من حولها. ولذلك فنحن نتعاطى مع ما حدث ويحدث من متغيرات بوعي سياسي وتجربة تؤهلنا للخروج من الوضع الحالي. وهذا يتطلب الكثير من الصبر والكثير من العقلانية، شريطة التمسك بالثوابت والمبادىء التي ميزتنا طيلة تاريخنا الحافل، ورسمها برنامجنا السياسي ووثائقنا الهامة الأخرى.
 
فنحن تنظيم سياسي عريق ليس فقط في عدد أعضائه ومنتسبيه وأصدقائه، وهم كثر، وإنما عريق بطرحه وبتجربته النضالية، ولا يمكن أن نسمح تحت أي ظرف بالتفريط بهذا التاريخ وهذه الأمانة أو مجرد الانحراف عن نهجنا الوطني المنحاز لقضايا الناس والكادحين والشغيلة تحت أي دعاوى متهافتة أو مغرضة، فنحن مؤتمنون على كل ذلك، وهو جزء مهم ومؤثر من أمانة أكبر هي الوطن وقضايا شعبنا.
 
ومن يقرأ التاريخ السياسي الحقيقي للبحرين يمكنه أن يلحظ حجم الهجمات الشرسة التي تكالبت بخسة على تاريخ ونضالات جبهة التحرير الوطني تحديداً، والتيار الوطني بشكل عام، لكنه سيلحظ أننا كنا على الدوام حائط الصد الأول للدفاع عن شعبنا وسنبقى كذلك على الدوام، ونحن كطائر الفينيق ننهض لنستمر بقوة في طليعة القوى المعارضة للدفاع عن شعبنا، ولسنا معنيين بكل تلك الترهات والتنظيرات الخاوية والمتهافتة التي نعرف جيداً مصادرها ومواقعها ومرامي أصحابها.
 
والمنبر التقدمي حزب سياسي يضم كل هذا التنوع المحمود الذي يمثل في جوهره طبيعة وتكوين مجتمعنا البحريني ربما أكثر من أي حزب آخر. كما يضم فئات وشرائح اجتماعية متنوعة سواء من أعضائه وكوادره أو حتى من مناصريه الذين يتوزعون على كامل الرقعة الجغرافية للبحرين.
 
وهناك أجيال وأعمار متفاوتة بين كوادره ومناصريه وكل هؤلاء يهمهم بإخلاص الحفاظ على تاريخ ودور المنبر التقدمي الذي هو امتداد أصيل لتيار جبهة التحرير الوطني البحرانية التي لها من الحضور والسمعة النضالية الرفيعة، ما يؤهلها للخروج بقوة، والاطلاع بمهماتها الجليلة للدفاع عن كل أبناء شعبنا.
 
وطبيعي لتيار وحزب سياسي بكل هذا التنوع أن تكون هناك تباينات في اتجاه الموقف السياسي في بعض القضايا، وهذا أمر طبيعي جداً، وصحي جداً أيضاً، ونتعامل معه بسعة أفق، ونوظف لأجل ذلك رصيدنا من التجارب والممارسة لكي نستمر في أداء رسالتنا النضالية والتنويرية في المجتمع، وعلى قاعدة النقد والنقد الذاتي نتعاطى مع أوضاعنا الداخلية لنرتقي بأدائنا ودورنا في هذه المرحلة الصعبة على الجميع.
 
ولا يمكن لحملات إعلامية أو أقلام مضللة أو متاجرة أو متربصة أن تضرب هذا التاريخ والنضال الصبور، مهما اشتغلت ماكينة الإعلام المغرض أو استمرت عملية التخوين. فكل هذا الإرث والحاضر الزاخر بالنضال في سبيل الحرية والعدالة الاجتماعية والسعي لتحقيق الديمقراطية التي يستحقها شعبنا بكل جدارة لا يمكن لأي كان أن يلغيه أو يتجاوزه أو يشوهه أو كما يتصور البعض أن يجعله تابعاً لأحد.
 
فقرارنا السياسي مستقل، تحكمنا الواقعية السياسية والثوابت والمبادىء التي تربت عليها أجيال عديدة في تيارنا المناضل.
 
ونحن نعرف جيداً حجم وطبيعة الهجمة الشرسة التي نتعرض لها، فهي ليست إرهاصاً عارضاً كما يتخيل البعض، ونعرف مرامي وتوجهات من يقومون على توجيهها والنفخ فيها بدون توقف، لكننا سنظل سائرين على ذات الدرب الوعر المليء بالأشواك، والمليء بالمخاطر والذي أسس له مناضلون ومناضلات هم قامات وطنية وعلامات تضيء دربنا النضالي.
 
وما هو تفسيرك لما أسميته بـ” الهجمة الشرسة ” التي تشن ضد المنبر الديمقراطي التقدمي؟
 
– هناك حملات تشن بكل صلافة وخبث ضد جمعيتنا، وهي ليست مجرد حملة بل حملات متعددة الأغراض والهوى. وبعض تلك الحملات تشن أحياناً تحت يافطات الحرص على وحدة المنبر التقدمي ومعه التيار الوطني الديمقراطي. ولا نستغرب مع هكذا وضع مقلوب أن يسهم أشخاص بعيدون كل البعد عن التيار الوطني واليسار بشكل عام بتلك الحملات، لكنها مشيئة من يوجهونهم وتلاقي مصالح لا غير.
 
وفي كل الحالات نرى أن محاولات التسقيط والتشهير تلك باتت تفضح وتكشف نوايا وأدوار من يقومون عليها. فهناك مواقع نفوذ وجهات وأفراد وإعلام مسعور وموجه يراهن على إحداث الفرقة والشقاق داخل صفوف وكوادر التقدمي كجزء ودور، بل أقول مشروع مطلوب لابد منه بالنسبة لكل هؤلاء المشتغلين على هذا الدور المفضوح.
 
وهي بالنسبة لهم مهمة أساسية في إضعاف وهدم قوى المعارضة وشرذمتها، وبحكم تاريخنا وتجاربنا فقد ظل هذا التيار مستهدفاً على الدوام، لكنه دائماً ما يخرج للسطح أكثر قوة وتجدداً، وهذه ضريبة الثبات على المواقف التي تربينا عليها في وسط هذا التيار المناضل.
 
كما لا يجب أن ننسى أن هناك خوفاً ورعباً حقيقياً لدى بعض قوى النفوذ والطائفية من أي تقارب ممكن بين صفوف التيار الوطني الديمقراطي بكل مكوناته وشخصياته الذي نرى في قيامه رهاناً وهدفاً أسمى لكل البحرين. لذلك نراهم يستنفرون أقلامهم وأموالهم وإعلامهم وأبواقهم من أجل الإمعان في تسقيط قيادات وكوادر ودور التيار الوطني الديمقراطي والقوى التقدمية.
 
ولكن هناك حديثاً عن استقالات وانسحابات داخل المنبر الديمقراطي التقدمي؟
 
– أقولها بكل صدق، إذا كان للأزمة الأخيرة التي تمر بها البلاد من حسنات أو ميزات فربما تكون إحدى تلك الحسنات أنها كشفت بل عرت الكثير من الأمور والمواقف والتناقضات في مجتمعنا الصغير، والتي ربما كان الاستمرار في التعايش معها تعطيلاً للدور التاريخي لمسيرة شعبنا باتجاه الحرية والديمقراطية وتحقيق العدالة للجميع.
 
فخلال العام والنصف الماضية من عمر الزمن، انكشفت حقيقة وبؤس الكثير من الأقلام والتوجهات التي تحاول أن تستهدف المنبر التقدمي وكوادره ودوره الوطني أساساً، كما تحاول أن تزيف الحقائق التي ميزت جوهر ورسالة نضال شعب البحرين وقواه الوطنية طيلة العقود الماضية، وقد تابعنا جميعاً تهافتها الرخيص، وانتهازيتها المقيتة، وطائفيتها المفضوحة. وهي ممعنة في الخوض حتى الركب في محنتها تلك، لذلك لا نستغرب أن يصوروا الأوضاع لدينا في المنبر التقدمي على أنها تنازل عن الثوابت، وانحدار للمستنقع الطائفي، والتبعية وغيرها من المسميات التي نشفق بالفعل على مروجيها.
 
والحقيقة أنه لم تحدث لدينا استقالات منذ المؤتمر العام السادس، هناك خمسة أعضاء من رفاقنا قرروا الانسحاب من اللجنة المركزية ولهم مبررات وأسباب ربما نختلف معها لكننا بالتأكيد نحترمها ونتفهمها. لكنهم في المقابل أبدوا استعدادهم للعمل في صفوف التقدمي ومن أي موقع. غير أن ما صورته وتصوره بعض وسائل الإعلام من زيف بأن هناك انشقاقات وانسحابات بالجملة لا يمت للحقيقة بصلة، وليس لدينا ما نخفيه في هذا الشأن. لذا حاولوا أن يستجمعوا كل قواهم لتصوير الأمر وكأنه انشقاقات بالجملة، واستجمعوا أسماءً ابتعدت أو استقالت وربما تعبت حتى منذ أكثر من عام لعدة أسباب بعضها شخصي وبعضها الآخر له أسبابه ومبرراته، ولأننا حريصون فعلاً على كل هؤلاء الرفاق والكوادر، فقد كانت المهمة الأولى للمكتب السياسي الجديد هي تشكيل لجنة من خيرة كوادرنا للتحاور مع من ابتعدوا أو استقالوا ومحاولة استرجاعهم للجنة المركزية أو للعمل في صفوف «التقدمي»، ونحن نثق في كوادرنا المخلصة والحريصة على وحدة ودور التقدمي في الحياة السياسية.
 
الشارع السياسي يريد أن يعرف طبيعة علاقة المنبر التقدمي بقوى المعارضة (الوفاق وأخواتها)، خصوصاً بعد التباعد الذي لف العلاقة بين الطرفين في الفترة الأخيرة؟
 
– نحن تيار وطني معارض وأصيل في تاريخ وحاضر الحركة السياسية في البحرين، ولا يمكن لأية قوة إلغاؤنا مهما تكالبت علينا دعوات التسقيط، ونحن نعلم أننا ندفع ضريبة استقلالية قرارنا ومواقفنا. وعلى هذا الأساس فعلاقتنا بالقوى السياسية لم ولن تنقطع، ونحن نتشاور وننسق باستمرار فيما بيننا، وتجمعنا الكثير من المشتركات التي لا يمكن اجتزاؤها أو الانتقاص منها. ومن الخطأ حصر قوى المعارضة السياسية في إطار خماسي أو سداسي أو أكثر أو أقل. فالتيارات المعارضة تتباين وتختلف وتأتلف وتتحالف وربما تتنافر أيضاً. إنها إذن لعبة الإعلام الرخيص وأدوات التحريض السياسي والمطابخ، وما أكثرها هذه الأيام، والتي تشتغل بدون كلل على الإساءة لتاريخنا المضيء إرضاءً لنوازعها المريضة.
 
نحن تيار سياسي يلتزم بشرف النضال من أجل مصالح شعبنا والدفاع عنها، وننحاز لقضايا شعبنا على الدوام فذلك سر استمراريتنا، وفي ظل حالة الانقسام الطائفي والفرز والتدافع الحاصل في المواقف نعتقد أن هناك من تستهويه الإساءة لتاريخنا النضالي الحافل بالتضحيات.
 
نعم لدينا الشجاعة لأن نراجع مواقفنا ضمن التزامنا بخطنا السياسي، فنحن الحزب السياسي الوحيد حتى الآن الذي امتلك القدرة وشجاعة الموقف لعمل مراجعة نقدية لممارستنا السياسية خلال الفترة الماضية، وننطلق من ثوابت ومبادىء لا يمكننا أن نغادرها لأنها من صميم وجوهر رسالتنا النضالية، وقد صادق مؤتمرنا العام السادس بالإجماع على وثيقة المراجعة النقدية وهي وثيقة هامة جداً وملزمة للجميع.
 
ونعتقد أن الحالة السياسية والاجتماعية التي عاشتها ولا زالت تعيشها البلاد حتى اللحظة قد أفرزت واقعاً ووضعاً ومواقفاً واصطفافات ما كان ممكناً أن تفرز قبل هذا الوقت، وقبل أن يُبتلى الوطن بهذا الكم من الضغائن والأحقاد والكراهية التي أرهقت هذا الوطن وأضاعت عليه الكثير من الفرص المواتية، كل ذلك من أجل الإبقاء على منظومة المصالح البالية التي أُسست لها جهات وقنوات نفوذ وفساد وإعلام وصحف وفئات لها مصالح مباشرة وغير مباشرة في استمرار حالة التردي والتراجع التي تعيشها البلاد منذ عقود.
 
وطبيعي أن تُلقي تلك الاصطفافات وذلك الفرز بثقله على مجتمعنا الصغير ويتأثر تبعاً لها الجميع دون استثناء، لكننا بكل تأكيد نثق أولاً في قدرة شعبنا على تخطي هذه المرحلة العصيبة بنجاح، كما نثق في المستقبل وفي قدرة كوادر التقدمي جميعهم على تجاوز الوضع الحالي، والحفاظ على وحدتنا الداخلية ومواقفنا وثوابتنا السياسية كتيار معارض ليست محل نقاش أو مساومة.
 
تعرضتم إلى هجوم، مفاده أن الوفاق تتحكم في قراراتكم، ما سبب هذا الهجوم؟
 
– تربطنا بالوفاق الكثير من المشتركات كقوى معارضة سياسية، وهذا أمر واضح للعيان، وأعتقد أن هناك أسباباً خفية وراء من يتهمنا بالتبعية للوفاق أو أية جمعية أخرى، لأنه لا يمكن أن تكون هناك جمعية بحجم وتاريخ المنبر الديمقراطي، وجمعية بحجم وإمكانات الوفاق أن يربطهما علاقة التابع بالمتبوع. وفي الواقع فإن ما يربطنا مع القوى السياسية في الشارع، هو الخط الوطني الواضح باتجاه تصحيح مطالب شعبنا، ولا يمكن أن نقبل تحت أي ظرف أن نكون توابع لأي كان، سواء كانت جمعية سياسية أو الدولة.
 
ففي الجمعية نحافظ على استقلالية قرارنا الداخلي ووحدتنا الداخلية وبرنامجنا السياسي، وتحكمنا أطر مؤسساتية في الجمعية، ولا يمكن لفرد مهما كانت إمكانياته أو قدراته أن يصادر قرار هياكل الجمعية تحت أي ظرف.
 
على صعيد الوضع العمالي، هناك عناصر محسوبة على «التقدمي» لديهم توجهات مغايرة من الحركة النقابية، وبعضهم دعم تشكيل الاتحاد الحر للنقابات، هل تعتقد أن هذا الأمر صحي؟
 
– أولاً نحن نأخذ هذه المسألة بكل جدية ومسئولية، ولا يمكن أن نسمح أو نقبل تحت أي ظرف بتفتيت وحدة الحركة النقابية في بلد بحجم البحرين، وتأسيساً على فهمنا ومعرفتنا لما يتهدد الوحدة العمالية والنقابية من دعوات ومشروعات، وحتى مفهوم التعددية الذي يروج له الآن فقد أثبتت التجارب وفي أكثر من بلد عربي وأجنبي مواطن الفشل والتمزيق التي سببها على الأوضاع العمالية والنقابية، وذلك ما يعطينا دروساً وعبراً على سطوة وجشع رأس المال وأهدافه المرسومة لضرب وحدة الحركة النقابية وتمزيقها.
 
وبرنامجنا السياسي اتجاه هذه المسألة واضح ومحل إجماع، علاوة على مواقف التقدمي الضمنية والمعلنة عبر مواقف وبيانات واضحة وصريحة كانت ولا زالت تدعو لوحدة الحركة العمالية والنقابية وسنستمر في هذا المواقف بكل تأكيد، حيث إننا بحسب فكرنا ونهجنا السياسي ننظر للحركة العمالية والنقابية باعتبارها رافعة حقيقية لتعزيز الوحدة الوطنية ولتعظيم المكاسب العمالية والنقابية.
 
ونحن نعرف ربما أكثر من غيرنا أن وحدة الحركة العمالية كانت السلاح الأمضى للحفاظ على نسيجنا الاجتماعي وحراك شعبنا المطلبي نحو الوحدة والتحول الديمقراطي انطلاقاً من الدور التاريخي الذي لعبته الحركة العمالية والنقابية، علاوة على تعزيز المكاسب العمالية ومنذ مطلع الخمسينيات، ونعرف جيداً أن هناك أطرافاً نافذة تتحين الفرص لضرب وحدة الحركة العمالية ومنذ عقود، لذلك هي تحاول باستماتة استغلال الشقاق الطائفي الحاصل بكل أسف في المجتمع لتنفيذ أجندتها تلك في ضرب الوحدة العمالية، وبالنسبة لها لا يوجد أفضل من الظرف الحالي، ليس حباً أو مباركة في تعزيز التعددية النقابية كما هو معلن، وإنما لإضعاف الحركة النقابية وكسر شوكتها.
 
وانطلاقاً من هذا الفهم، يؤكد رفاقنا العمال باستمرار مع كل من يلتقونهم، ويتشاورون معهم على ضرورة الوعي لمخططات ضرب الوحدة العمالية، وتلافي أخطاء ارتكبت في المؤتمر العام الأخير للإتحاد العام لنقابات عمال البحرين، والتي نتيجة لها تم استبعاد نقابات مؤثرة تتجاوز في حضورها وعددها أكثر من ثلث الحركة النقابية.
 
ويبدو أن ذلك أصبح يلاقي تفهماً واضحاً وحريصاً على وحدة الحركة العمالية، ونتمنى أن تسود الحكمة والتعاطي المسئول مع ما يعترض الحركة العمالية من تعقيدات ومصاعب، وهي على أبواب المؤتمر العام القادم للاتحاد. وعلى الجميع أن يرتقي لمستوى التحديات، والذكي من يتعلم من أخطائه، ومع هكذا وضع على الجميع أن يتحلى بالموضوعية والحكمة وبعد النظر وتفعيل أدوات الضبط والالتزام، من أجل صون وحدة حركتنا النقابية والعمالية بعيداً عن ما يعترضها من عواصف ودعوات تمزيق نثق أن مصيرها إلى زوال، فهي ليست من صميم وتقاليد حركتنا العمالية المناضلة.
 
ما هي الأخطاء التي أرتكبت أثناء المؤتمر العام الأخير لاتحاد النقابات؟
 
– كان يفترض أن يكون هناك بعد نظر فيما يتعلق بالأطراف المسيطرة على الساحة النقابية في البحرين، وتمثيل جميع القوى العمالية في الاتحاد، من بينها على سبيل المثال نقابة «ألبا».