المنشور

الطائفيون وجماعات الكراهية في مجتمعاتنا العربية

الحديث عن الطائفية وعن من يتولى بث خطاباتها داخل مجتمعاتنا العربية هي
خطابات تستفيد منها مجموعات انتهازية تستفيد من اضطراب الأجواء وذلك من
أجل تحسين أوضاعها الاقتصادية والشخصية على حساب أوجاع الآخرين وبؤسهم عبر
رميهم أسفل الدرجات، بينما تستفيد تلك الفئة من المكاسب التي تحصدها في
الوظيفة والسكن والمزايا الأخرى، علاوة على خطاباتها التي تبث الفرقة
والكراهية داخل المجتمع الواحد.

وهناك أشكال عدة للتعصب وقد أدت هذه
العصبيات إلى حروب على مر التاريخ، وتمكنت الشعوب المتقدمة من التخلص من
هذه العصبيات، فقد عانى الأميركيون من التمييز العنصري ضد المواطنين
الأفارقة وسكان أميركا الشمالية الأصليين (الهنود الحمر)، والتي تسببت في
حالة عدم الاستقرار الاجتماعي وسفك الدماء. كما واجهت أوروبا العصبية
النازية التي سببت الحروب.

إن العمل بسياسة «فرّق تسد» ليست علاجاً
سحرياً باقياً للأبد في المجتمعات التي تشهد احتجاجات شبه يومية في
شوارعها، لكون الحال العام غير مستقر، وأضيفت معه مشاكل جديدة إلى أكوام من
المشاكل القديمة التي لا تريد أن ترغب بحلها حكومات المنطقة، اعتقاداً
منها أنها قامت بالإصلاح وأن كل شيء على ما يرام. وهي عبارةٌ يكرّرها أكثر
من نظام عربي لا يريد أن يغيّر ويتبنى سياسات تواكب متطلبات وحاجات المرحلة
الحالية التي قد تحقّق ما يصبو إليه الشاب العربي من طموح لا يقل عن طموح
الشاب في المجتمعات الغربية التي تحظى بأنظمة ديمقراطية متكاملة.

وبحسب
المراقبين، فإن دغدغة الطائفية في قطاعات الرأي العام التي تعيش حياة هشة
وغير مستقرة في المجتمعات العربية التي تعيش يومياً احتجاجات سياسية، تكاد
أن تنهار بين حصار النظم الحاكمة التي تخشى انفجارها فتفرض عليها حكماً
مطلقاً يشلها عن التفكير والحركة والإرهاب والذي لا يكف عن استفزازها
ويضعها موضع الشك. كما نلمسه في وسائل إعلام وصحف الأنظمة الشمولية أياً
كانت حزبية أو قبلية ذات الصوت الواحد والإعلام الواحد.

إن غياب أفق
الحلول السياسية والوطنية ما هي إلا تربة خصبة لنمو المشاعر السلبية عند
الأفراد والجماعات التي تبدأ معها فكرة التخلص من الآخر والسطو على حقوقه
وموارده من خلال عدة وسائل ومنها خطابات الكراهية. فندرة الموارد وتصاعد
الضغوط وغياب الأمل بالوصول إلى نهاية النفق بالطرق الطبيعية، كل ذلك يؤدي
إلي خلق المنازعات في المجتمعات. وبقدر ما يصبح القتال أسلوب الإنتاج
الرئيسي للثروة والسلطة والجاه، تبرز الحاجة إلى بناء العصبية، أي روح
الطائفية، التي تتغذى من الجوانب الدينية أو القبلية أو الثقافية، وتصبح
بمثابة الشرارة التي تولد فتيل أزمة بين الإفراد داخل المجتمع الواحد.

ومنذ
مطلع 2011 وحتى اليوم، فإن النّظم السياسية في المنطقة العربية مازالت
للأسف ترى في النزاعات الطائفية خلاصاً من المطالب الشعبية التي لا تريد
تحقيق أيٍّ منها، لأن تحقيق ذلك معناه اهتزاز المصالح والنفوذ. ولذا فإن
حرمان الشعب من حقوقه السياسية والمدنية، واستدراجه في خطابات طائفية
تنشرها جماعات الكراهية والانتهازية، هو أفضل لها لاستمرار الامتيازات،
لأنه لا توجد دولة مواطنة حقيقية متساوية أو دولة تتجاوز مفهوم السيد
والعبيد، إلى مفهوم أكثر تفعيلاً وهي دولة وطنية ومدنية لا غير.

لقد
برهنت النزاعات الطائفية وخطابات الكراهية أنها لن تكون الحل الأمثل للصراع
بين الديكتاتورية والديمقراطية، ولكنها قد تكون كذلك لفترة زمنية معينة قد
تنتهي بكارثة للأنظمة التي تقصي الطرف الآخر في المجتمع وتهمّش الفئات
الأخرى من الطبقات الكادحة والشباب وصولاً إلى النساء.

إن استخدام
النزاع الطائفي وبث الفرقة ما هو إلا أسلوبٌ للتهرب من حل المشاكل العالقة
داخل المجتمعات، وللتشويش على قضايا داخلية يراد تجاهلها. وبالتالي لن
تتحرر النخب الحاكمة إلا من خلال الاعتراف بحقوق هذه المجتمعات وإلا فإن
التاريخ مليء بتجارب أمم وشعوب سبقت منطقتنا العربية في نضالها من أجل بناء
دولة مؤسسات ديمقراطية.

ريم خليفة


صحيفة الوسط البحرينية