المنشور

عن التيار الوطني الديمقراطي

ليست هناك خدمة أسمى تقدم للشعب، الذي أصيبت وحدته الوطنية في الصميم، من اقتراب قواه السياسية من الواقعية في التعاطي مع الأزمة وسبل معالجتها بما يضمن تحقيق المطالب الاصلاحية ويحمي الوطن من مخاطر الانقسام والانغماس في العنف وسفك الدماء. واستمراراً في مقارباتنا للوضع الراهن بروح التفاؤل نبحث عن كل طرح ايجابي يسهم في تهدئة الأوضاع ويضع الحراك السياسي في أطره الوطنية والدستورية، ويعيد قراءة الأحداث التي تعصف بالوطن وتزجّه في مسار دموي تصاعدي لا يبرره أي إدعاء بالديمقراطية وحقوق الإنسان. وإذا كانت عقلنة الخطاب السياسي باعتبارها ضرورة لوقف التدهور غير المسبوق في العلاقات المجتمعية والسياسية مسئولية كل الأطراف الفاعلة في الساحة، فإن تطويق المنحى الطائفي والديني يبقى من مسئولية التيار الوطني الديمقراطي وكل الوطنيين المؤمنين حقا بالدولة المدنية وحقوق الإنسان. هذه القوى بالذات تتحمل مسئولية انقاذ التجربة الديمقراطية وتصحيح اتجاه العمل السياسي وخطاباته وصياغة أهدافه المرحلية والإستراتتيجية . وهي مُطالبة أيضا بلملمةِ صفوفها والعمل على بلورة خط ثالث يعتمد مرجعيته الوطنية والتقدمية خارج الإطار الطائفي بل وفي مواجهته بعد ما أثير حول «ديمقراطية الطوائف التوافقية» الذي يلتقي مع حديث آخرين في الضفة الطائفية الأخرى يرى المجتمع فئتين بينهما السلطة. في التقرير السياسي لجمعية العمل الوطني الديمقراطي بعض المقاربات التي تتوافق مع ما نطرح ونأمل. فقد ورد في التقرير «أن شعب البحرين لن يتمكن من تحقيق أهدافه وتطلعاته والوصول إلى حقوقه المشروعة إلا إذا نجح في ترسيخ الوحدة الوطنية، من خلال توحيد المطالب أوالاتفاق على عدد من هذه المطالب مرحلياً وتمكن من تعزيز الثقة بين أطياف ومكونات الشعب، ونبذ التطرف والعنف والتعصب وخطاب الكراهية والتسقيط والتخوين والإقتناع بحتمية العيش المشترك بين مكونات المجتمع». ويقر التقرير بوجود قوى معارضة في الطرف الآخر و» أن الوضع السائد في صفوفها لا يعبر عن وجود تيار واحد موحد تابع أوموال للسلطة «وقد جمعت بينها» مخاوف من بعض الشعارات التي تم رفعها أثناء حركة الاحتجاجات في مرحلة الدوار وتصاعد نبرة الصوت المتطرف وتواري الصوت الإصلاحي والخوف من عودة المطالبة بتبعية البحرين لإيران» . ويوصي التقرير بالتجاوب إيجابياً مع «أي طيف سياسي أوصوت وطني خارج إطار المعارضة السياسية الراهنة وذلك للبحث عن المشتركات والتوافقات فيما يتعلق بالمطالب..» وفي تنصل ملفت من طرح الإسقاط والثورة الذي طغى على الحراك القائم وأصواته في الخارج يؤكد التقرير على أن وعد» تعمل على التواصل الدائم مع مؤسسات الحكم والأجهزة التنفيذية للدولة على قاعدة الحوار والتشاور انطلاقاً من دورها كجمعية معارضة تعمل وفق قانون الجمعيات السياسية التي تسعى مع غيرها لتطويره …» وهي إذ « تعمل من أجل الإصلاح السياسي والإقتصادي والإجتماعي فإن من واجباتها الوطنية انتقاد السياسات الخاطئة التي تمارسها مختلف أجهزة الدولة وتقديم البديل الذي تؤمن به، ولا تتردد عن تأييد السياسات الصحيحة والدفاع عنها ، وذلك إنطلاقا من أن هدف «وعد» الإصلاح الشامل وتطوير واقع النظام وتبني أي خطوة إصلاحية أوممارسات إيجابية تبدر من السلطة وأجهزتها» نحن إذن، كما نفهم من التقرير، لسنا في ثورة ضد النظام ولا نطالب بإسقاطه بل تصحيح مساراته وتطويره بإعتبارنا دعاة إصلاح، وباعتبار أن ليست كل ممارسات السلطة سلبية. نحن جزء من النظام السياسي ومن موقع المعارضة نمارس نشاطنا وفق القانون الذي نسعى لتطويره، ونحن نؤمن بالتوافق الوطني حول المطالب والشعارات، ونبذ العنف والتطرف بعد أن تصاعدت نبرة الصوت المتطرف وتوارى الصوت الإصلاحي. ونحن مع علاقات «أكثرعمقاً» مع قوى التيار الوطني الديمقراطي والشخصيات الوطنية المستقلة المستعدة للإنخراط في برنامج عمل وطني ديمقراطي يتعاطى مع مهمات المرحلة الحساسة التي تمر بها البحرين ويقدم بدائل صحيحة ومضادة لبرامج التقسيم والتأزيم. وتجد وعد «أن الضرورة الراهنة تتطلب إبراز التيار الديمقراطي الوطني كمهمة ملحة» في الوقت الذي نرى في التقريرتأكيداً على أن « وعد ستظل مطالبة بمراجعة وتقييم علاقاتها وعملها ضمن تنسيق الجمعيات الخمس، بما يعزز موقعها في الشارع السياسي بشكل عام ويحافظ على مكانتها وقيمتها الوطنية». لنا أن نتفاءل من أن القوى الوطنية قادرة، إن هي أرادت ذلك، على استخلاص دروس التجربة المُرة وأن حواراتها الداخلية ستساعدها على إدراك حجم المخاطر والأضرار التي تعرض لها التيار الوطني الديمقراطي، والمسارات المدمّرة للتطرف وسوء قراءة الواقع واللوثة الطائفية وازدواجية الطرح بين ما هو يتفق مع النهج الفكري داخل المكوّن السياسي وبين ما يرضي عاطفة الشارع. إن الحديث عن «ديمقراطية الطوائف التوافقية»، إن صح ما أورده الإعلام، رسالة الى أطراف التيار الديمقراطي والشخصيات الوطنية وكل المعنيين بوحدة الشعب بأن القوى الطائفية أياً كان لباسها ليست حاملا للفكر الديمقراطي وإن تغنت به ليل نهار، والتجربة الحية في الجوار وبعض بلاد «الربيع العربي» تؤكد أن الديمقراطية بالنسبة لهؤلاء وسيلة لسلطة المذهب والطائفة وتقاسمها بين الطوائف وليس سلطة الشعب وتداولها دون اعتبار للطائفة والمعتقد الديني. التوافق الذي يطالب به الكثيرون هوحول المطالب وسبل الخروج من الأزمة وآلية تنفيذ ما يمكن أن يخرج به أي حوار قادم، وليس على تقنين التوزيع الطائفي للمجتمع استلهاما للنموذج اللبناني أوالعراقي. لم يفت الوقت بعد كي يسترد التيار الوطني الديمقراطي ثقته في نفسه وفكره ويعزز استقلاله السياسي من منطلق وحدة التيار ووحدة الشعب والتمسك بالمشروع الإصلاحي والنضال من خلاله في سبيل تعميق الديمقراطية نحو الدولة المدنية الجامعة واللافظة للطائفية أياً يكن وجهها ومرجعيتها، وإيجاد معادل ديمقراطي يضمن هذا السير نحو ديمقراطية لا ترسخ تقسيم الشعب إلى مكونات طائفية بل تعزز وحدته وتلبي طموحاته في المشاركة السياسية الحقيقية على أساس البرامج السياسية والاجتماعية وليس الإنتماء الطائفي وما يروج له عن أكثرية وأقلية.