لا
يحضرني الآن أين قرأت عن نتائج استطلاع قامت به إحدى الوسائل الإعلامية،
لعلها إذاعة أو صحيفة، محوره: لأيهما الأولوية عند المواطن العربي: أللخبز
أم للحرية؟، وشمل الاستطلاع مجتمعات عربية متفاوتة من حيث المستوى المعيشي،
فتفاوتت الردود بين أفراد المجتمعات التي تعاني أكثر من غيرها الضوائق
الحياتية، وبين افراد المجتمعات التي تنعم بمستوى معيشي معقول .
يحضرني الآن أين قرأت عن نتائج استطلاع قامت به إحدى الوسائل الإعلامية،
لعلها إذاعة أو صحيفة، محوره: لأيهما الأولوية عند المواطن العربي: أللخبز
أم للحرية؟، وشمل الاستطلاع مجتمعات عربية متفاوتة من حيث المستوى المعيشي،
فتفاوتت الردود بين أفراد المجتمعات التي تعاني أكثر من غيرها الضوائق
الحياتية، وبين افراد المجتمعات التي تنعم بمستوى معيشي معقول .
ففيما
مال أفراد الفئة الأولى إلى تأكيد أهمية لقمة العيش، باعتبارها الحاجة
الأكثر إلحاحاً، أظهر أفراد الفئة الثانية ميلاً أكبر إلى المطالبة بالحرية
والمشاركة السياسية، مع أن الجميع اتفقوا على أهمية الأمرين معاً: الرغيف
والحرية، بل إن بعضهم ذهب إلى القول إنهما متلازمان، فلا معنى للحرية مع
الفقر، ولا معنى للغنى من دون حرية .
مال أفراد الفئة الأولى إلى تأكيد أهمية لقمة العيش، باعتبارها الحاجة
الأكثر إلحاحاً، أظهر أفراد الفئة الثانية ميلاً أكبر إلى المطالبة بالحرية
والمشاركة السياسية، مع أن الجميع اتفقوا على أهمية الأمرين معاً: الرغيف
والحرية، بل إن بعضهم ذهب إلى القول إنهما متلازمان، فلا معنى للحرية مع
الفقر، ولا معنى للغنى من دون حرية .
ما
جرى ويجري في بعض بلداننا العربية يدفع بنقاشٍ مثل هذا إلى الصدارة،
فالمواطن العربي الذي رُوّض طويلاً على الصبر، لا يخرج إلى الشارع محتجاً
إلا تحت ضغط الحاجة القاهرة، حين تعييه السُبل عن تأمين لقمة عيشه، ويشعر
بأن الأبواب كافة قد سُدت في وجهه ويبلغ مبلغ اليأس في إمكان إصلاح الحال،
فلا يجد بداً من أن يخرج إلى الشارع شاهراً قبضته، صارخاً بأعلى صوته،
مطالباً برغيف الخبز له ولأطفاله . فما الذي حمل مواطناً بسيطاً مثل الشهيد
التونسي محمد البوعزيزي على أن يُحرق نفسه احتجاجاً على الجوع والبطالة،
سوى ذلك، وهو مشهد تكرر مراراً في غير عاصمة أو مدينة عربية، فجذوة الرفض
حتى وإن توارى لهبها، تبدو عصية على الانطفاء، لأن ما في هذا العالم الجائر
من مظالم كفيل بإشعال أوارها من جديد، وربما بقوة غير مسبوقة، والاستخفاف
بمصالح الناس، وأرزاقها، والإمعان في الاستحواذ على الثروات، وحرمان
مستحقيها منها، لا يمكن أن ينجم عنه الاستقرار والرخاء اللذان لا يمكن
تأمينهما إلا عبر تكريس ثقافة وسلوك المساءلة التي يلزمها الحرية التي
تصونها، فيضمن من يقوم بالمساءلة أنه سيعود إلى بيته سالماً ينام قرير
العين .
جرى ويجري في بعض بلداننا العربية يدفع بنقاشٍ مثل هذا إلى الصدارة،
فالمواطن العربي الذي رُوّض طويلاً على الصبر، لا يخرج إلى الشارع محتجاً
إلا تحت ضغط الحاجة القاهرة، حين تعييه السُبل عن تأمين لقمة عيشه، ويشعر
بأن الأبواب كافة قد سُدت في وجهه ويبلغ مبلغ اليأس في إمكان إصلاح الحال،
فلا يجد بداً من أن يخرج إلى الشارع شاهراً قبضته، صارخاً بأعلى صوته،
مطالباً برغيف الخبز له ولأطفاله . فما الذي حمل مواطناً بسيطاً مثل الشهيد
التونسي محمد البوعزيزي على أن يُحرق نفسه احتجاجاً على الجوع والبطالة،
سوى ذلك، وهو مشهد تكرر مراراً في غير عاصمة أو مدينة عربية، فجذوة الرفض
حتى وإن توارى لهبها، تبدو عصية على الانطفاء، لأن ما في هذا العالم الجائر
من مظالم كفيل بإشعال أوارها من جديد، وربما بقوة غير مسبوقة، والاستخفاف
بمصالح الناس، وأرزاقها، والإمعان في الاستحواذ على الثروات، وحرمان
مستحقيها منها، لا يمكن أن ينجم عنه الاستقرار والرخاء اللذان لا يمكن
تأمينهما إلا عبر تكريس ثقافة وسلوك المساءلة التي يلزمها الحرية التي
تصونها، فيضمن من يقوم بالمساءلة أنه سيعود إلى بيته سالماً ينام قرير
العين .
وفي
عالم اليوم فإن المساءلة المقصودة لا تتأمن إلا من خلال سلطات رقابية
مسموعة الكلمة، مثل البرلمانات ذات الصلاحية، ومؤسسات المجتمع المدني
الفاعلة والصحافة المستقلة، وكما لا يمكن النظر إلى الفقر إلا بوصفه مضاداً
للديمقراطية، فإنه لا يمكن لهامش من الحريات العامة، على أهمية ذلك، أن
يغني عن الديمقراطية الاجتماعية، أي ديمقراطية العدالة في توزيع الثروات .
عالم اليوم فإن المساءلة المقصودة لا تتأمن إلا من خلال سلطات رقابية
مسموعة الكلمة، مثل البرلمانات ذات الصلاحية، ومؤسسات المجتمع المدني
الفاعلة والصحافة المستقلة، وكما لا يمكن النظر إلى الفقر إلا بوصفه مضاداً
للديمقراطية، فإنه لا يمكن لهامش من الحريات العامة، على أهمية ذلك، أن
يغني عن الديمقراطية الاجتماعية، أي ديمقراطية العدالة في توزيع الثروات .
إن
البصيرة السديدة للأمور تقتضي النظر إلى هذه التحركات بوصفها علامة صحيّة،
ودليلاً على أن قلب المجتمع ينبض، فالناس بمطالبها وشعاراتها ترسل إشارات
التنبيه إلى الخطر التي يجب التقاطها والإصغاء إليها، والسعي للوصول إلى
توافقات حولها، بما يضمن السلم الأهلي في المجتمعات، ويرشد الأداء السياسي
للقوى المجتمعية المختلفة، والأداء الإداري لأجهزة الدولة ذاتها التي تمت
تنشئتها على روح العداء والمجابهة، لا على روح الشراكة مع المجتمع، منظوراً
إليه من خلال القوى التي تمثله، وتعبر عن تطلعاته من أحزاب ونقابات وهيئات
حقوقية وثقافية وأهلية مختلفة .
البصيرة السديدة للأمور تقتضي النظر إلى هذه التحركات بوصفها علامة صحيّة،
ودليلاً على أن قلب المجتمع ينبض، فالناس بمطالبها وشعاراتها ترسل إشارات
التنبيه إلى الخطر التي يجب التقاطها والإصغاء إليها، والسعي للوصول إلى
توافقات حولها، بما يضمن السلم الأهلي في المجتمعات، ويرشد الأداء السياسي
للقوى المجتمعية المختلفة، والأداء الإداري لأجهزة الدولة ذاتها التي تمت
تنشئتها على روح العداء والمجابهة، لا على روح الشراكة مع المجتمع، منظوراً
إليه من خلال القوى التي تمثله، وتعبر عن تطلعاته من أحزاب ونقابات وهيئات
حقوقية وثقافية وأهلية مختلفة .
والسبيل
إلى ذلك واضح: الإصغاء إلى أصوات الناس الموجوعة وهي لا تطالب بأكثر من
لقمة عيش كريمة، تأمينها ليس مستحيلاً، لو أعيد النظر في الطريقة التي توزع
بها الثروات وتدار بها أمور الأوطان .
إلى ذلك واضح: الإصغاء إلى أصوات الناس الموجوعة وهي لا تطالب بأكثر من
لقمة عيش كريمة، تأمينها ليس مستحيلاً، لو أعيد النظر في الطريقة التي توزع
بها الثروات وتدار بها أمور الأوطان .