المنشور

الربيع العربي يدخل عامه الثالث: مسار المرحلة المقبلة للسياسة العربية والاستقرار الإقليمي – بقلم اميل نخله/وكالة إنتر بريس سيرفس


واشنطن , يناير (آي بي إس) – ربما ينبغي على الديمقراطيات العربية الجديدة والمجتمع الدولي التفكير ملياً في الدروس الهامة التي حملها الربيع العربي علي مدي العامين الماضيي، الآن ويستهل عامه الثالث.‬


فالتمعن في هذه الدروس والتعلم من التاريخ، حتى التاريخ الآني، قد يساعدنا علي فهم مسار المرحلة المقبلة للسياسة العربية والاستقرار الإقليمي. وقد يسلط الضوء أيضاً على بعض القضايا الرئيسية التي أثيرت في “الاتجاهات العالمية 2030″، وهو التقرير الصادر مؤخرا عن مجلس الاستخبارات الوطني الأمريكي‪.‬


ويتجسد ذلك في عدة دروس مستفادة كما يلي:


الدرس الأول: قد تستغرق الاضطرابات الداخلية والصراع على الحكم، الناجمين عن إسقاط الطغاة، من سنتين إلى ثلاث سنوات كي تهدأ حدتها. لذلك، يتوجب على واشنطن والعواصم الغربية الأخرى النأي بأنفسها عن هذه المناقشات والسماح لمراكز السلطة الوطنية الجديدة -الإسلاميين والعلمانيين– برسم مسار معقول دون “نصائح” من الخارج‪.‬


فمن المتوقع أن تزداد حدة المناقشات الداخلية لملء “فجوة الحوكمة”، لكنها ستكون سلمية الى حد كبير. فالنشوة التي تلت السقوط الحاد لمبارك، أشهر ثالث دكتاتور حكم مصر لمدة طويلة منذ رمسيس الثاني، قادت إلى نفاد الصبر والإحباط إزاء بطء وتيرة التحولات الديمقراطية‪.‬


وعلي سبيل المثال، ينبغي أن تتيح الخلافات الساخنة في مصر بشأن مسودة الدستور الذي اعتمد مؤخراً، الفرصة للتوصل إلى حلول توافقية من خلال صناديق الاقتراع، وليس الطلقات. وبينما تظل الولايات المتحدة خارج المشاحنات الداخلية، إلا أنها لا تزال لاعباً رئيسياً في المنطقة لسنوات قادمة -على المستوى الاقتصادي والعسكري والسياسي‪.‬


الدرس الثاني: يحتاج فهم مجتمعات الشرق الأوسط الإسلامية المتنوعة والمعقدة أن يكتسب محللو السياسات والعاملون في الاستخبارات من خارج المنطقة، خبرة عميقة في الديناميات الثقافية والتاريخية والسياسية، والدينية للمجتمعات العربية‪.‬ فالإعتماد فقط على البيانات الكمية والنماذج التحليلية الغربية غالباً ما يؤدي لتحليلات غير كافية. وعدم القدرة على توقع الربيع العربي قبل عامين هو مثال على ذلك‪.‬


ونظرا لأن العديد من المحللين السياسيين في الغرب لم ينجحوا في تعريف أو تحديد مطالب مثل الكرامة والعدالة، والاحترام، التي عبر عنها الملايين من الشباب العربي في بداية احتجاجاتهم ضد الحكام المستبدين في مصر، وتونس، واليمن، وليبيا، فقد إعتبروها للأسف على أنها لا تتجاوز كونها غلو “الشارع العربي”.


هذه المطالب نفسها ما زالت محور المظاهرات الحاشدة في البحرين وأماكن أخرى‪.‬


الدرس الثالث: يؤدي ظهور السياسة الإسلامية في مصر وتونس وليبيا واليمن وغيرها، لتأجيج الحوار الهام حول ما إذا كانت الأحزاب السياسية الإسلامية تتجه نحو الاعتدال وما إذا كانت الواقعية السياسية سوف تتغلب على الفكر الديني في نهاية المطاف. فالليبراليين والعلمانيين العرب والمدافعين عن الحقوق المدنية يشعرون بقلق، له ما يبرره، حول المسار المستقبلي للإسلام السياسي والحوكمة في مصر وغيرها. ‬


ويبدو أن وثيقة الدستور المصري الجديد هي تجسيد للحجج من الجانبين: العلماني والديني. فهي تقر سيادة القانون الإسلامي أو الشريعة في الحوكمة، لكنها تعترف أيضا بالحريات الفردية الأساسية والحق في التعبير والتجمع‪.‬


والسؤال الأساسي هنا هو ما إذا كان ينبغي أن تكون الشريعة الإسلامية هي المصدر أو مصدر للتشريع في مصر الجديدة، وما إذا كانت ممارسة حرية التعبير والتجمع سوف تخضع لتفسيرات متشددة للشريعة الإسلامية؟.


وبالطبع، يدعم المدافعون عن حقوق الإنسان تخليص هذه الحريات من سيطرة الدولة‪.‬ ومع ذلك فقد فقدت جماعة الإخوان المسلمين الكثير من شرعيتها بوصفها الحزب الحاكم لأنها لم تمنح الأقليات العرقية والدينية المساواة في الحصول على الفرص الاقتصادية والسياسية.


كما يجب على جماعة الإخوان المسلمين أيضاً أن تعترف بأن الشريعة لا يمكن أن تكون الإيديولوجية السائدة في مصر‪.‬


فمنذ أكثر من قرن غرس المفكرون المشهورون في تاريخ مصر مثل جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، ورشيد رضا التقاليد العريقة للفكر الليبرالي الإصلاحي. ولايمكن للإخوان المسلمين ورئيسهم محمد مرسي أن يأملوا في القبول باعتبارهم الحكومة الشرعية لمصر إذا ما قاموا بخنق هذا التقليد الإصلاحي عميق الجذور‪.‬


الدرس الرابع: اذا كانت واشنطن لا تزال تغض النظر عن انتهاكات حقوق الإنسان في الدول العربية، بما فيها الدول التي تعتبر من الحلفاء المقربين للولايات المتحدة، فسوف تواصل تلك الدول قمعها الاستبدادي دون رادع. وبناء على ذلك، ينبغي أن نتوقع أن يتحول الغضب الشعبي ضد نفاق الولايات المتحدة وكيلها بمكيالين إلى تصرفات ضد المصالح والرعايا الأمريكيين في المنطقة‪.‬


وبينما يحتدم العنف في سوريا، ويركز العالم على تناقص أيام الاسد في الحكم، تتواصل إنتهاكات حقوق الإنسان في بلدان أخرى. وحتى الآن، أدى الربيع العربي إلى مقدم حكومات منتخبة ديمقراطيا في أربع دول عربية‪.‬ الربيع العربي هو نشاط متطور يتطلب من المجتمع الدولي أن يظل يقظا إزاء ممارسات النظام غير المشروعة الموجهة ضد المتظاهرين السلميين‪.‬


يشعر الكثيرون في الغرب بالقلق حول مستقبل نظام ما بعد الأسد في سوريا والمجازر المتزايدة في تلك البلاد، لكن على العالم أن لا يغفل عن محنة المجتمعات الشيعية في البحرين، والمملكة العربية السعودية، وغيرها من دول الخليج العربي‪ .‬


فالمدافعين عن حقوق الإنسان في جميع أنحاء المنطقة يتهمون الولايات المتحدة بالنفاق والكيل بمكيالين بسبب ردود فعل واشنطن تجاه ما يحدث في البحرين‪.‬


الدرس الخامس: نظرا لأن خلق فرص العمل وروح المبادرة سيكون حاسماً في نجاح التحول الديمقراطي، ينبغي على الحكومات العربية إعتماد سياسات اقتصادية خلاقة لتعزيز النمو الاقتصادي. وفشلها في القيام بذلك سوف يعيق قدرتها على بناء الاقتصادات الحديثة‪.‬


ويجب تمرير حزم التحفيز شديدة التركيز والاستثمارات الجديدة، والضرائب، والقوانين التجارية وذلك بهدف الحد من دور الحكومة في الاقتصاد وتوسيع حق أصحاب المشاريع الفردية والأعمال التجارية الصغيرة ، رجالا ونساء، في القيام بالمشاريع الاقتصادية بحرية‪.‬


ولاشك في أن القطاع الخاص هو المحرك الذي يدفع الحيوية الاقتصادية ويخلق فرص العمل. وإذا استطاعت الحكومات الجديدة تسخير قوى الشعب من خلال تقليل اللوائح وتشريع القوانين الصديقة للسوق، ستصبح الحيوية الاقتصادية عندئذ ممكنة. فالسكان العاملين هم العمود الفقري للمجتمع الديمقراطي‪.‬


وبينما تتواصل الإضطرابات العربية، نستخلص من هذه الدروس الخمسة نتيجتان هامتان: الأولى، أنه يجري استبدال النموذج الاستبدادي ببطء ببناء سياسي جديد بقيادة من سلطة الشعب‪.‬


والنتيجة الثانية، أنه في حين تظل الولايات المتحدة وقوى عالمية أخرى منخرطة في الشأن العربي، وطالما هناك حاجة لها للمساعدة في التخلص من الطغاة، فإن شعوب المنطقة هي التي ستحدد مستقبل بلادها ونوع الحكم الذي يرضيها.‬ *‬إميل نخله، المدير السابق لبرنامج التحليل الاستراتيجي للإسلام السياسي. ومؤلف كتاب “ارتباط ضروري: إعادة اختراع علاقات أميركا مع العالم الإسلامي”. “A Necessary Engagement: Reinventing America’s Relations with the Muslim World”.(آي بي إس / 2013)