المنشور

الإفلات من الحوار البحريني… كالإفلات من العقاب

المتابع لمجريات الساحة البحرينية الداخلية يلاحظ حالة التذبذب التي تعيشها الجهات الرسمية، في مقابل حالة التخوف والقلق التي تحيط بالفئات التي ساهمت في شطر المجتمع تحت حجج واعتبارات واهية وغير مسئولة، ولاسيما تلك التي تعتقد أن تفكيك النسيج المجتمعي سينفع في منع حركة الإصلاح.

هناك فئة تصنف بـ «المنتفعة» لصالح مصالحها والفوائد التي تجني من وراء هذا الانشطار، وهي تقوم أيضاً بدور المحامي للوضع القائم على توهمات لا يصدقها أي مراقب محايد.

إن المشكلة السياسية في البحرين لها جذور تاريخية تعود إلى سنوات طويلة، ولا يمكن لمن يدعي خلاف ذلك أن يشطب مراحل التاريخ الموثقة بالنضالات وبالانتهاكات.

ليس من الصحيح أن تسيطر العقلية الأمنية على الشأن العام إلى الدرجة التي يتم فيها تقسيم المجتمع. ونحن نرى أن حال البحرين لا يسر من يحبها، وأصبحت تجذب الأخبار السيئة؛ لأن هناك من يواصل الأعمال غير المتلائمة مع توقعات المجتمع الدولي فيما يتعلق بحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والشفافية.

لقد أعلن وزير العدل عن نية الحكومة البدء بحوار، وسارعت القوى السياسية البحرينية للترحيب بذلك، ولكن بعد ذلك بدأت عملية التهرب للإفلات من الحوار.

إن الإفلات من الحوار ما هو إلا امتداد لممارسات الإفلات من العقاب التي عانت منها البحرين على مدى سنوات، وتفاقمت في الأحداث الأخيرة التي شهدتها منذ (14 فبراير/ شباط 2011) وحتى الوقت الحالي.

لقد كان تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق المعروف بـ «تقرير بسيوني» واضحاً في جانب المحاسبة لمن ارتكب جرائم بحق الإنسان البحريني، وعلى رغم الوعود الرسمية بالمحاسبة، إلا أن المراقب للشأن البحريني يستطيع أن يستشف سيادة سياسة الإفلات من العقاب.

وعلى الرغم من التعهد الرسمي بمحاسبة المسئولين عن الانتهاكات ضد المحتجين وإنشاء مكتب خاص ليقوم بذلك، غير أن هذا المكتب يفتقر إلى الاستقلالية والحيادية – بحسب نشطاء حقوق الإنسان – كما لوحظ عدم الجدية في التعاطي مع قضايا التعذيب، ويتم توظيف هذه القضايا للاستهلاك الإعلامي، وهذه الممارسات يجب أن تتوقف، ويجب فتح صفحة جديدة على غرار ما حدث في المغرب مثلاً قبل سنوات؛ لأن ملف الانتهاكات هو من أعقد الملفات في البحرين، ولا يمكن التعامل معه بالصورة الحالية، وهو الأمر الذي يبعث على الخيبة وفقدان الثقة – بحسب المهتمين بالشأن البحريني – في جدية ما يطرح عن السعي لتصحيح مسار الأمور؛ إذ إن سياسة الإفلات من العقاب ساهمت في استمرار الانتهاكات.

إن أهمية الحوار تكمن في حقيقة وجدية هذا الحوار بين جميع الأطراف على حدٍ سواء، ومحاولة إفلات الجانب الرسمي من الحوار لا يبشّر خيراً بالنسبة للراغبين بحل المشكلة.

إن عقلية الحوار تتطلب تضحية من جميع الأطراف للخروج من حال المشكلة السياسية، أما عدم الاعتراف بالمشكلة معناه عدم الاعتراف بمكونات المجتمع، وإنكار حقيقة أن المجتمع مازال يطالب بما هو محرومٌ منه منذ زمن طويل.

إن البحرين في أمسّ الحاجة لتعزيز مفاهيم جديدة تخرجها من أزمة قد تتفاقم وتتعقد خيوطها.

وإن ما تنفقه الدولة على مدى عام من أموال طائلة على الخبراء الدوليين لمساعدتها في الإصلاح سيذهب هباءً ما لم تظهر إرادة سياسية حقيقية لاتخاذ قرارات صعبة، خصوصاً فيما يتعلق بمحاسبة المسئولين عن الانتهاكات، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي ومعالجة التمييز… كل ذلك يحتاج إلى إرادة سياسية قبل فوات الأوان.

ريم خليفة
صحيفة الوسط البحرينية