المنشور

قانون العمل الجديد… أسوأ قانون تشهده البحرين (4) – المحامي علي محسن الورقاء

المقال بجزئيه الأول والثاني


http://www.altaqadomi.com/ar-BH/ViewArticle/20/4597/Selected_articles.aspx


الجزء الثالث


http://www.altaqadomi.com/ar-BH/ViewArticle/20/4617/Selected_articles.aspx


 

في تعليقنا على نصوص قانون العمل الجديد الصادر بالمرسوم بقانون رقم (36) لسنة 2012 أشرنا في الحلقات الثلاث السابقة إلى وجوب أن تتوفر في القائمين على إعداد مسودة القوانين أو تعديلها ثلاث مميزات هي: معرفة القاعدة القانونية؛ الخبرة في مجال العمل المرتبط بالقانون المراد تعديله أو إصداره؛ ومعاصرة الواقع بالتوطن أو الإقامة الطويلة.

وقد وقفنا على بعض نصوص قانون العمل المذكور وأثبتنا من خلالها سوء صياغة تلك النصوص بما يوحي أن القائمين على إعداد مسودته يفتقرون إلى إحدى المميزات السالف ذكرها، كما رأينا كيف أن تلك النصوص هي في غير صالح الأُجَراء، وكأن المشرِّع قد أخذ موقفاً سلبياً نحو العمال على ضوء ما انتهينا إليه.

وحيث كنا ولانزال ننعت قانون العمل الجديد بأنه «أسوأ قانون تشهده البحرين»، استوجب التنويه إلى أن هذا النعت لم يكن بسبب ما علق بنصوصه من سوء صياغة وركاكة في التعبير، أو لسوء تنظيم وغير ذلك وحسب، أو لأنه تضمن نصوصاً ليست في صالح الأجراء؛ إنما سوأته العظمى تكمن في تراجعه إلى الأسوأ بحيث وجدناه قد سلب من العمال الكثير من الحقوق والمنافع والمميزات المقررة لهم في القوانين التي سبقته، أو زاد عليهم ثقلاً لم يكونوا يحملونه من قبل، في حين كان يفترض أن يأتي هذا القانون بالأفضل للأجراء، من حيث أنه يفترض كلما رقت الحضارة وتقدمت ثقافة المجتمع كلما سمت قوانين العمل بما تكفل للعمال حماية أكثر ورعاية أسمى ومصالح أوفى، لا أن تسلب منهم ما كان مقرراً لهم سلفاً، أو أن تُضيف ثقلاً عليهم لم يكونوا يحملونه من قبل، على نحو ما أثبتناه في الحلقات السابقة وما سنثبته تباعاً في الحلقات التالية. ولهذا جاز لنا أن ننعته بأنه «أسوأ قانون تشهد البحرين».

وفي هذه الحلقة (الرابعة) سنقف على جانب آخر من نصوص القانون لنثبت مجدداً صحة مآخذنا على هذا القانون وعلى القائمين على إعداد مسودته، وذلك فيما يلي:

أولاً: تنص المادة رقم (40) من قانون العمل القديم لسنة 1976 «تُحرر جميع العقود باللغة العربية، وكذلك المراسلات والتعليمات والنشرات واللوائح التي يصدرها صاحب العمل لعماله».

وكان المشرِّع يهدف من وراء هذا النص حماية العمال العرب، وعلى وجه الخصوص العمال الوطنيين، خشية أن يوجه إليهم أرباب العمل إخطارات أو إنذارات أو تنبيهات بلغة أجنبية يصعب عليهم فهم مضمونها فتكون رغم ذلك حجة عليهم. ومن ثم كان يعتبر أي إخطار أو تنبيه محرر بلغة أجنبية لا يحظى بالحجية كورقة قانونية في مواجهة من أُرسل إليه من العمال ما لم يكن مشفوعاً بترجمة له باللغة العربية، وذلك استناداً للحكم الوارد في النص السابق. بيد أن قانون العمل الجديد حذف هذا النص من نصوصه، مما ترتب عليه أن أصبح صاحب العمل غير ملزم بتحرير مراسلاته وتعليماته ونشراته ولوائحه وإنذاراته التي يصدرها أو يوجهها للعمال باللغة العربية كما كان ملزماً بمقتضى قانون العمل السابق، دون أن نعرف الغاية من ذلك، اللهم إلاّ إذا رأى المشرِّعون الجدد أن البحرين أصبحت خارج المنظومة العربية، أو أنهم رأوا أن المستندات المحرّرة بلغة أجنبية وغير المترجمة مقبولة كدليل إثبات في مواجهة العمال خلافاً لقواعد الإثبات المقررة قانوناً. وفي غير ذلك يصبح حذف النص المشار إليه من قانون العمل الجديد مخالفاً لقواعد الإثبات بما يفضي إلى رفع الحماية عن العمال في هذا الجانب دون مسوغ، وفي ذلك إجحاف بحقهم.

ثانياً: تنص الفقرة الثانية من المادة رقم (11) من قانون العمل الجديد بالآتي: «يصدر الوزير، بعد أخذ رأي الوزارات المعنية وغرفة تجارة وصناعة البحرين والاتحاد العام لنقابات عمال البحرين قراراً بتحديد اشتراطات ومواصفات المساكن وتحديد أصناف وكميات الطعام التي تقدم للعامل في كل وجبة…». «والوزير» المشار إليه في النص هو الوزير المختص بشئون العمل في القطاع الأهلي، أي وزير العمل، بحسب التعريفات الواردة في الفصل الأول من قانون العمل الجديد.

وبالعودة إلى النص أعلاه نجد أن قانون العمل الجديد قد أناط لوزير العمل تحديد اشتراطات ومواصفات مساكن العمال، وتحديد أصناف وكميات الطعام التي تقدم للعمال بعد التشاور مع الجهات المذكورة في النص. بيد أنه من المقرر أن تحديد اشتراطات ومواصفات مساكن العمال وتحديد أصناف وكميات الطعام هي من المسائل الصحية التي تختص بها وزارة الصحة العامة وحدها، وإن أي قرار بشأنها يجب أن يصدر من وزير الصحة وليس من وزير العمل، لذلك سبق وأن أصدر وزير الصحة القرار الوزاري رقم (8) لسنة 1978 بشأن تحديد الاشتراطات والمواصفات الصحية لمساكن العمال والذي لايزال معمولاً به حتى الآن.

وإذا كان هناك ثمة من يعتقد أن كل ما يتعلق بأمور العمال يقع تحت رقابة وإشراف وزارة العمل فهو خاطئ، ونؤكد له خطأ هذا الاعتقاد بدليل أنه في مجال الصحة لا يجوز للمفتش العمالي التابع لوزارة العمل التفتيش على كل ما يتصل بالأمور الصحية (ومنها مساكن العمال) إلاّ بصحبة مفتش من وزارة الصحة العامة، وذلك طبقاً لنص المادة رقم (22) من القرار الوزاري رقم (28) لسنة 1976 في شأن تنظيم أعمال التفتيش، التي تنص على أن «يتم ضبط المخالفات وتحرير المحاضر في مجالي الصحة والسلامة المهنية عن طريق مفتش العمل… وعلى مفتش العمل مصاحبة مسئول السلامة المهنية ومسئول الصحة المهنية بوزارة الصحة في هذا النوع من التفتيش كل بحسب اختصاصه».

فإذا كان الأمر ذلك، وجب قانوناً تحديد اشتراطات ومواصفات مساكن العمال، وتحديد أصناف وكميات الطعام التي تقدّم للعمال بموجب قرار يصدره وزير الصحة – وإنْ لزم الأمر أن يكون ذلك بالاتفاق مع وزير العمل – لا بقرار يصدره وزير العمل، وعلى ألاّ تُحشر غرفة تجارة وصناعة البحرين ومعها الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين في هذا الشأن باعتبارهما ليسا جهة اختصاص وغير مؤهلين لذلك.

وعليه فإن الفقرة الثانية من المادة رقم (11) من قانون العمل الجديد محل البحث هي إحدى الصور المقلوبة في هذا القانون، ولا نماري من يعتقد أن انقلاب هذه الصورة يعود إلى أن المشرعين الجدد يفتقرون إلى الميزة الثانية التي أشرنا إليها في بداية الكلام (الخبرة في مجال العمل)، ولذلك غاب عليهم معرفة الوزارة أو الوزير المختص في هذا الشأن.

ولنا لقاءات أخرى في الحلقات القادمة لنكتشف من خلالها المزيد من الإجحاف والحيف الواقعين على العمال من قبل قانون العمل الجديد واعوجاج نصوصه شكلاً وصياغةً، ولنثبت مجدداً أن هذا القانون هو أسوأ قانون عصري تشهد مملكة البحرين، على أننا سنخصص الحلقة القادمة في شأن الأحكام الخاصة بالنساء العاملات وما طرأ على حقوقهن من تغيير في هذا القانون في غير صالحهن.

علي محسن الورقاء
صحيفة الوسط البحرينية