المنشور

لكي لا تضيع فرصة أخرى

عندما يكثر الحديث عن مصطلح «الحوار»، فإن المفهوم ذاته يتعرض للتشويش. فالحوار قد يكون تطارح آراء بين طرفين أو أكثر في أي موضوع، والحوار قد يكون مفاوضات بين طرفين أو أكثر للمساومة، بين أن تأخذ شيئاً مقابل أن تعطي شيئاً آخر. الحوار من هذا النوع عادة يتطلب وجود من يسهل استكشاف أرضية مشتركة، والتوصل إلى اتفاق لتسوية مشكلة عالقة.

إنني من المؤيدين لدخول المعارضة في الحوار المقترح حالياً، وفي كل الاحوال فإن الالتقاء والتحدث بين شركاء الوطن ينفع في تقريب العقول والقلوب.

ولكننا أيضاً بحاجة إلى فهم طبيعة هذا الحوار، وهل الهدف منه الوصول إلى تسوية بين الماسكين بزمام الأمور ومن لديه قضية مطالب مشروعة، أم هو حوار يهدف فقط لتشجيع التعارف بين فئات مجتمعية قد لا تملك بيدها قراراً حاسماً بشأن مجريات الوضع السياسي، وهي لذلك لا تستطيع أن تعطي أو تأخذ لأنها في الأساس ليست هي التي تملك القدرة على ذلك.

لا بأس لو أن السلطة تعلن أنها خوَّلت صلاحياتها لأي طرف مشارك بصورة مباشرة، أو أنها ستشارك بطريقتها بصورة جادة، وأن ما يتم التوصل إليه يجب أن يحظى بشرعية نابعة من المجتمع بشكل لا يقبل الجدال، وأنه سيصبح ملزماً على من يمسك بيده زمام الأمور حتى لو غاب عن جلسات الحوار. وينبغي القول إنه سيكون من غير الملائم أن تطرح جماعة نفسها وكأنها «سد اعتراضي» يقف ضد أي اتفاق لا يرضي الطرف الذي لا يحضر جلسات الحوار.

إن ما نودُّ رؤيته في المحصلة هو عملية تفاوضية معقولة ومقبولة من قبل المنطق البشري المعمول به دولياً، وأن تنتج هذه العملية اتفاقاً لحل النزاع بشأن القضايا المهمة التي تسببت في أصل النزاع. كما نأمل أن تنتج لنا هذه العملية توافقاً بين المواقف المتعارضة، وأن يحصل هذا التوافق على شرعية ملزمة… وهذه الشرعية تعني موافقة المجتمع على نتائج ما يتم التوصل إليه، وذلك عبر وسيلة واضحة يقتنع الجميع بسلامتها، وإلا فإننا قد نضيِّع فرصة أخرى للخروج من الأزمة السياسية المستمرة.

إننا نأمل في استمرار الحوار دائماً وأن ننفتح على المستقبل بصورة مختلفة عمَّا نشهده حالياً من انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، ومماحكات من كل جانب، واتهامات لا أول لها ولا آخر. كما نأمل أن تفتح الحوارات المجال لتصحيح المسار السياسي للدولة، بحيث يشعر الجميع بأنهم متساوون أمام قانون عادل نابع من الإرادة الشعبية ويلتزم بجميع متطلبات حقوق الإنسان.

الدولة قالت إن الحل يجب أن يكون بحرينياً، ونحن نؤيِّد هذا الطرح، وتحقيق هذه الرؤية على أرض الواقع سيحمي البحرين وسيادتها وسيعزز إمكانية التعافي والخروج من الآلام التي نمر بها حالياً.


منصور الجمري
صحيفة الوسط البحرينية