المنشور

محطات مضيئة في تاريخ الحركة الوطنية البحرينية



المقدمة:- 
من الضروري العودة إلى تاريخ الحركة الوطنية البحرينية الممتد لاستخلاص الدروس والتجارب من هذا التاريخ، وكذلك للبرهنة على أن النضال في سبيل الديمقراطية والاستقلال الوطني وحقوق الشعب لم يبدأ الآن فقط، وان المطالب التي يرفعها الشعب تعود إلى عقود طويلة مضت، وأن السلطات الاستعمارية والمحلية هي من أعاق تحقيق هذه المطالب، وأنه لو تم الاصغاء لمطالب الشعب لكانت البحرين على صورة أخرى غير تلك التي هي عليه الآن. 
  
والحديث أو الكتابة عن تاريخ الحركة الوطنية البحرينية يتطلب من الكاتب أو الباحث أو الناشط في الحراك السياسي، العودة للعديد من المراجع والكتابات التي كتبت عن ذلك التاريخ الممتد منذ بدايات عشرينيات القرن الماضي، بعض المعلومات ستجدها في تلك الكتابات أو الإصدارات من قبل تنظيمات الحركة الوطنية البحرينية المختلفة منذ عقود من السنين، ولكن العديد من البيانات والمنشورات والإصدارات في تلك الحقب الماضية قد تمت مصادرتها سواء من قبل الإستعمار البريطاني أو من قبل الأجهزة الأمنية للنظام في البحرين، فالارشيف يوجد في دهاليز وزارة الداخلية، والعديد من الوثائق والأدبيات أيضاً توجد في الارشيف البريطاني، أعرف العديد من الشخصيات الوطنية التي ذهبت إلى لندن، وأطلعت على الارشيف البريطاني، تلك الوثائق والمراسلات ما بين ممثلين السفارة البريطانية ووزارة الخارجية البريطانية، عن الحراك السياسي وعن الأحزاب والتنظيمات السياسية في البحرين منذ الخمسينات من القرن الماضي، وربما قبل ذلك التاريخ، كما سجل بعض من الاحداث السياسية في مذكرات بلجريف المستشار البريطاني منذ عام 1926 – 1957، وهو بمثابة الحاكم الفعلي في البحرين انذاك. 
  
وهدف هذه الورقة هو تسليط  الضوء على بعض المحطات المضيئة في تاريخ الحركة الوطنية، ويمكن للباحث والمهتم الإستفادة من الكتاب الرائع للقائد الوطني المعروف عبدالرحمن الباكر “من البحرين إلى المنفى” كتاب قرأته أول مرة قبل ثلاثة وثلاثون عاماً وعدت قرأته في السنوات اللاحقة أكثر من مرة، وايضاً يمكن الإستفادة من المجلد الذي كتبته الإستاذة فوزية مطر عن زوجها المناضل الوطني المعروف أحمد الشملان بعنوان “أحمد الشملان سيرة مناضل وتاريخ وطن”،وكتاب النائب السابق الأستاذ علي ربيعة ( العريضة الشعبية في المسار الوطني والنضالي) وكتابه الآخر ( الحياة الديمقراطية في البحرين السبعينات التجربة الموؤدة ) وهناك كتب وكتابات للعديد من الشخصيات البحرينية بالإمكان الإستفادة منها كمعلومات إضافية عن تاريخ الحركة الوطنية البحرينية، وكذلك وثائق التنظيمات الوطنية البحرينية بمختلف اتجاهاتها. 




أولاً:- إنتفاضة الغواصين 1922 – 1923




بدأ تذمر الغواصين على أوضاعهم المزرية في بداية العشرينيات من القرن الماضي، حيث كانوا يعاملون من قبل ارباب العمل “النواخذة” مثلما يعامل المزارعون في “نظام السخرة” على طريقة نظام العبودية أو النظام الإقطاعي، يعمل الفلاحون في الأرض مقابل لقمة العيش بدون أجر لساعات طويلة، وان وجد أجراً يكون جداً زهيداً، انتفض المزارعون على نظام السخرة في عام 1922، برفض دفع الضريبة للشيخ المالك للأرض. 
انتفاضة الغواصين كانت في عام 1922 – 1923، حيث طالب الغواصون بتحسين أوضاعهم المالية والمعيشية، ورفضوا دفع الديون “القروض” التي عليهم “للنواخذة” وهي أول حركة احتجاجية “انتفاضة” ضد الظلم والقهر والاستغلال بمعنى استغلال الإنسان لأخيه الأنسان. 
  


ثانياً:- حركة الاحتجاج المطالبية بانتخاب مجلس الشورى عام 1923

  
طالبت حركة الاحتجاج بقيادة الشيخ عبدالوهاب الزياني وأحمد بن لاحج باجراء الإصلاحات في البحرين وانتخاب مجلس الشورى، و رفض التدخل البريطاني في شئون البلاد الداخلية، وتشكيل محكمة تنظر في الدعاوى المتعلقة بالغوص، وكان الميجر ديلي  في ذلك الوقت هو الذي يحكم البحرين وجميع السلطات في يده، التشريعية والقضائية والتنفيذية، رفض الميجر ديلي، إجراء أي اصلاح في البحرين، حتى بعد تأسيس البلدية في 1919، وتم اعتقال قادة الاحتجاج أو العريضة ونفيهم إلى بومباي في الهند بتاريخ 10/11/1923، في عهد الحاكم آنذاك الشيخ عيسى بن علي. 


ثالثاً:- حركة الإصلاحات السياسية عام 1939، والتضامن العمالي معها 

  
بعد اكتشاف البترول في عام 1932 برز في البحرين ولأول مرة مصطلح الطبقة العاملة، الطبقة الكادحة، الطبقة المنتجة التي كانت تعمل في”شركة بابكو” بمنطقة عوالي ، التقى ابناء البحرين من كل الطوائف والأعراق، واندمجوا في نسيج وطني واجتماعي ومهني واحد، وحدَّهم العمل والصراع الطبقي أمام جشع المستعمرين والمستغلين، وطالبوا بتشكيل نقابة عمالية وإصلاحات سياسية في البحرين، وتم توزيع البيانات المنددة بسياسة شركة بابكو والمستعمر البريطاني، من قبل رابطة وطنية معارضة، وعلى أثر تلك الاحتجاجات العمالية والوطنية، تم اعتقال ونفي أحمد الشيراوي وسعد الشملان إلى الهند من قبل المستعمر البريطاني، وإنهاء حركة الاحتجاج الاصلاحية الثانية. 
  
في عام 1948 بعد قيام الكيان الصهيوني في أرض فلسطين خرجت الجماهير البحرينية الغاضبة منددة بقيام الكيان الصهيوني وبالاستعمار البريطاني الذي ساهم في قيام الكيان من خلال وعد بلفور المشهور الصادر في 2 نوفمبر من عام 1917م، حيث خرجت الجماهير البحرينية في تظاهرات عديدة واحرقوا بعض المنشآت التابعة لشركة بابكو والبيوت الخاصة بالانجليز، معبرين عن وقوفهم مع الشعب الفلسطيني الشقيق بعد ان اغتصبت أرضه وقتلت وشردت العديد من العوائل الفلسطينية، ولا زالت المأساة مستمرة. 
  


رابعاً:- هيئة الاتحاد الوطني في أعوام 1954 – 1956:

  
في عام 1953، حدثت الفتنة الطائفية في عاشوراء عندما اعتدى بعض الأشخاص المندسين على موكب أحد المآتم في المنامة، وكادت تشتعل فتنة طائفية في البحرين، يقال ان وراء هذه الفتنة واحد من أفراد اسرة “آل خليفة” الحاكمة، وكان ينفذ مبدأ المستعمر البريطاني “فرق تسد” لادخال المواطنين في صراع طائفي يستفيد منه المستعمر البريطاني وأعوانه، لكن عقلاء البحرين استطاعوا دحر الفتنة وتوحيد الشعب عندما اجتمعوا في مأتم بن خميس في السنابس بتاريخ 13 أكتوبر من عام 1954 ليعلنوا عن تشكيل هيئة الاتحاد الوطني، تشكلت من 120 شخصية بحرينية، وتم الاتفاق على قيادة من ثمانية أشخاص وبالتساوي، 4 + 4 من حيث التوزيع المذهبي، وتحولت هيئة الاتحاد الوطني، إلى حزب سياسي كان له مقراً في وسط المنامة، وباعتراف من سلطات الاستعمار البريطاني والنظام الحاكم، وتطور نشاط هيئة الاتحاد الوطني واستطاعت قيادة الجماهير في العديد من التظاهرات والاعتصام والتجمعات في المنامة والمحرق، ورفعت المطالب الوطنية المشروعة وأهمها: 
  
1- تأسيس مجلس تشريعي. 
2- وضع قانون عام للبلاد جنائي ومدني. 
3-السماح بتأليف نقابة للعمال. 
4- تأسيس محكمة عليا للنقص والإبرام. 
  
كانت تلك مطالب إصلاحية، وكانت القيادة تمثل طبقة التجار والأعيان وبعض من رجال الدين المعروفين آنذاك، بالمفهوم السياسي أو الطبقي، تمثل البرجوازية الوطنية، وكانت بعض القيادات تؤمن بالفكر الناصري، وهذا راجع لتأثير ثورة يوليو عام 1952 في مصر بقيادة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر على العديد من الشعوب العربية والإفريقية ،وشعبنا من بينها. 
  
استغلت سلطات الاحتلال البريطاني والرجعية الحاكمة، العدوان الثلاثي على مصر، وخروج التظاهرات الجماهيرية الحاشدة ضد العدوان الثلاثي، سارع المستعمر البريطاني وأعوانه بالاجهاض على هيئة الاتحاد الوطني، باعتقال قادتها المعروفين، عبدالرحمن الباكر، عبدعلي العليوات، عبدالعزيز الشملان، إبراهيم فخرو وإبراهيم موسى، حيث اصدرت حكماً جائراً بحقهم، تم نفي الثلاثة الاوائل إلى جزيرة سانت هيلانة في المحيط الهندي، وحكم على إبراهيم فخرو وإبراهيم موسى عشر سنوات سجناً، واعتقل وفصل ولوحق العديد من كوادر الهيئة. 
  
 ان تجربة هيئة الاتحاد الوطني، تجربة غنية و نوعية لابد من دراستها والاستفادة من ما حققت ولا سيما على صعيد الوحدة الوطنية التي جسدها شعبنا قولاً وفعلاً، مما أغاظ المستعمر البريطاني وأعوانه المحليين، أضاف إلى ذلك الانجازات التي تحققت بفضل الهيئة، تشكيل الاتحاد العام للعمال، وتأسيس صندوق التعويضات لأصحاب سيارات الأجرة، وفتح مقر خاص بالهيئة، وتشكيل الكشافة. 




خامساً:- مرحلة تأسيس الاحزاب السياسية السرية في البحرين:-




بعد ان تم الاجهاض على هيئة الاتحاد الوطني في عام 1956، جاءت مرحلة تأسيس الأحزاب السياسية السرية في البحرين،التي تختلف عن هيئة الاتحاد الوطني من حيث التكوين والمنظومة الفكرية والسياسية التي تسترشد بها في عملها الحزبي والسياسي والجماهيري، وأول الأحزاب السياسية السرية التي تأسست في البحرين، جبهة التحرير الوطني البحرانية في الخامس عشر من شباط (فبراير) من عام 1955، حيث كان مؤسسوها من  العمال والمثقفين الشباب المؤمنين بالأفكار الماركسية، أفكار الطبقة العاملة، أفكار الحرية والتقدم والعدالة الاجتماعية، وكانت أول حزب تقدمي في البحرين والخليج العربي، انبثق في خضم النضال الوطني الذي قادته هيئة الاتحاد الوطني وشارك العديد من أعضاءه في المسيرات والتظاهرات والاعتصامات التي كانت تنظمها الهيئة. 
  
-         طرحت جبهة التحرير الوطني البحرانية، أول وثيقة سياسية، أو بالأحرى أول برنامج سياسي، تحت هذا العنوان برنامج “الحرية والاستقلال الوطني والديمقراطية والسلم والتقدم الاجتماعي”. 
-         تعرضت جبهة التحرير الوطني البحرانية منذ عام 1957 حتى تسعينات القرن الماضي لحملات اعتقالات واسعة في صفوف أعضاءها وأنصارها، لم تنال من عزيمتها وإصرارها على تحقيق مطالب الشعب في الحرية والاستقلال الوطني والديمقراطية والتقدم الاجتماعي، ومن ابرز المعتقلين الذين قضوا في السجن سنوات حكمه، المناضل والموسيقار الراحل مجيد مرهون حيث قضى حكم المؤبد وهو السجين السياسي الوحيد في تاريخ البحرين الحديث الذي أكمل سنوات حكمه في السجن، منذ عام 1968 حتى 1991. 
-         ثاني حزب سياسي تأسس في البحرين، حزب البعث العربي الاشتراكي فرع البحرين، في عام 1958، من الطلبة البحرينين الذين كانوا يدرسون في الخارج في الجامعة الأمريكية في بيروت، هذا الحزب معروف بامتداده القومي، وبرنامجه السياسي لا يختلف عن برنامج الحزب الأم  على طريقة الأحزاب االقومية العربية. 
  
-         ثالث تنظيم سياسي تأسس في البحرين، هو حركة القوميين العرب فرع البحرين في عام 1958 أو 1959، وأيضاً من قبل طلبة بحرينيين كانوا يدرسون في الجامعة الأمريكية في بيروت، وكانت القيادة الفعلية له في الكويت من قبل الشخصية الكويتية البارزة الدكتور أحمد الخطيب وغيره من القادة القوميين العرب في الكويت، أيضاً برنامجه السياسي لا يختلف عن الحركة الأم. 




سادساً:- إنتفاضة مارس 1965 المجيدة:-




-         جاءت انتفاضة مارس عام 1965 المجيدة، على أثر فصل 1500 عامل من شركة بابكو على شكل دفعات متفرقة، حتى وصل العدد إلى هذا الرقم، هذه الانتفاضة كانت تختلف عن التظاهرات والاعتصامات التي قادتها هيئة الاتحاد الوطني في أعوام 54 – 1956، والشيء الآخر قيادة الانتفاضة، كانت تقودها أحزاب سياسية سرية ولأول مرة بعد تأسيسها، تتوحد في الميدان، الشيوعي والقومي و البعثي جنباً إلى جنب في المسيرات والتظاهرات والإضرابات، وأصدرت البيانات المشتركة التي صدرت خلال الانتفاضة، كما برزت الطبقة العاملة في الانتفاضة، بالإضافة للمشاركة الفعالة للمرأة والطلبة فيها، واختلطت دماء الشهداء من أبناء الشعب في المحرق والمنامة والنويدرات، لا فرق بين طائفة أو عرق أو انتماء، استطاعت السلطة الحاكمة والمستعمر البريطاني انهاء الانتفاضة، واعتقال العديد من قادتها وكوادرها وتشرد العديد منهم في المنافي. 
  

<!–[if !supportLists]–>

-          حركة القوميين العرب، بانتهاء الانتفاضة، أصبحت أكثر من حركة وجهة صغيرة، ولم يعد لها تواصل مثل السابق، وجاءت حرب حزيران عام 1967، وهزيمة الجيوش العربية واحتلال العديد من الأراضي العربية في مصر وسوريا والضفة الغربية وغزة من قبل الاحتلال الصهيوني، وانهزم المشروع القومي، برز اليسار في البلدان العربية، وحدثت تحولات كبيرة في حركة القوميين العرب نحو اليسار، وفي البحرين وجدت العديد من الجبهات القومية والحركات اليسارية الصغيرة المبعثرة،  حيث اندمج البعض منها في تنظيم الجبهة الشعبية، وانتهى دور البعض الآخر أو التحاق بجبهة التحرير الوطني البحرانية. 
  

سابعاً:- عام 1970 زيارة المبعوث الدولي  (الإيطالي) شاردي – البحرين:-

  
 في 30 مارس من عام 1970، وصلت البحرين لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة، برئاسة الايطالي السيد رونسبيرجيو شاردي، ليتعرف على رأي الشعب البحريني بعد مطالبة شاه إيران ضم البحرين لإيران بعد انسحاب المستعمر البريطاني من البحرين، فبعد لقاء المبعوث الدولي مع ممثلي الأندية والمآتم، قال كلمته وهي بأن البحرين دولة عربية مستقلة وأن شعبها يرفض المطالب الإيرانية، ولكن الأهم في الموضوع الرسالة التي سلمتها قيادة جبهة التحرير الوطني البحرانية، لمبعوث الأمم المتحدة في محل إقامته في فندق الخليج، ولخصت “جتوب” مواقفها في النقاط التالية:-  
  
1.   رفض الاستعمار البريطاني والحكم الرجعي وإدانة الادعاء الإيراني.  
  
2.   إلغاء المعاهدات الاسترقاقية.  
  
3.   المطالبة بحق تقرير المصير بحيث يكفل الاستقلال الحقيقي.  
  
4.   إبعاد القواعد العسكرية وأجهزة الدمار والحرب.  
  
5.   إطلاق الحريات العامة والديمقراطية.  
  
6.   إزالة حالة الطوارئ لكي يتمكن الشعب من ممارسة جميع حقوقه السياسية في جو ديمقراطي لا يستند إلى اللون أو العنصر أو الطائفة.  
  
7.   إطلاق سراح المعتقلين والسجناء السياسيين.  
  
8.   السماح للمنفيين بالرجوع إلى أرض الوطن.  
  
كانت “جتوب” واضحة في طرح مواقفها الوطنية في مرحلة النضال الوطني ضد الاستعمار البريطاني والرجعية الحاكمة، والادعاءات الإيرانية بضم البحرين لإيران. 
  

 ثامناً:- الانتفاضة العمالية عام 1972

  
 بعد نيل البحرين استقلالها السياسي في 14 أغسطس من عام 1971، قادت اللجنة التأسيسية لاتحاد عمال البحرين واصحاب المهن الحرة والمشكلة من كوادر نقابية من جبهة التحرير الوطني البحرانية والجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي، العديد من المظاهرات والاعتصامات والاضرابات المطالبة بتحسين ظروف العمال المعيشية وتشكيل النقابات العمالية المدافعة عن حقوقهم المشروعة، توجت نضالاتها بالانتفاضة العمالية في مارس من عام 1972، التي استطاع فيها قادة الانتفاضة من العمال – التفاوض مع السلطة من خلال ممثليها مع وزير العمل ووزراء آخرين. 

تاسعاً:- المجلس التأسيسي ودستور عام 1973:-

  
بعد الإعلان عن الدعوة لانتخاب المجلس التأسيسي في عام 1972، لوضع دستور للبلاد، قاطعت أهم تنظيمات الحركة الوطنية البحرينية، وتحديداً جبهة التحرير الوطني البحرانية، والجبهة الشعبية، الانتخابات نظراً لأن نصف أعضاء المجلس جاء بالتعيين، إضافة لذلك لم يطلق سراح المعتقلين الوطنيين من السجن، وشارك في المجلس التأسيسي بعض الشخصيات الوطنية وممثلون عن القوى الدينية الشيعية. 

عاشراً:- انتخابات المجلس الوطني عام 1973:-

  
جرت أول انتخابات نيابية في تاريخ البحرين في السابع من ديسمبر من عام 1973، حقق اليساريون وحلفائهم من الشخصيات الوطنية الديمقراطية، انتصاراً كبيراً فيها ، حيث استطاعت كتلة الشعب التي أسستها جبهة التحرير الوطني البحرانية، من ايصال ثمانية نواب من أصل إثني عشر مرشح للكتلة للمجلس، وكان لهم دوربارز ومشهود في الدفاع عن حقوق ومطالب شعبنا، وطرح العديد من القضايا الهامة في المجلس، من الاعتراف بالأول من مايو عيداً رسمياً للعمال تعطل فيه الدوائر والوزارات الحكومية والخاصة، والسماح بتشكيل النقابات العمالية، وبالفعل تشكلت بعض النقابات في مواقع متعددة، الغاء الوجود العسكري الامريكي من قاعدة الجفير، وغيرها، بعد ان طرحت الحكومة مشروع قانون أمن الدولة السيء الصيت وحاولت جاهدة تمريره، ولم تستطيع ذلك بالرغم من استمالة البعض من النواب في البدء، الا ان النواب باغلبية مطلقة رفضوا ذلك المشروع السيء، وعلى أثر ذلك، وبضغوط خارجية تم حل مجلس النواب في 26 أغسطس من عام 1975، لتعيش البلاد حقبة سوداء من تاريخها، أمتدت لأكثر من ربع قرن. 
  
  

حادي عشر: حل المجلس الوطني:- 

  
بعد حل المجلس الوطني عام 1975، وتطبيق قانون أمن الدولة السيء الصيت، عملت المعارضة الوطنية بشكل مشترك من خلال إصدار العديد من البيانات المشتركة في الخارج بين جبهة التحرير والجبهة الشعبية وحزب البعث. 
  
خاضت الحركة الوطنية البحرينية نضالاً مستمراً من أجل إعادة الحياة النيابية واطلاق سراح المعتقلين والسجناء السياسيين وعودة المنفيين، وقدمت قافلة من الشهداء والمعتقليين والمطاردين والمفصولين من العمل. 
  
وفي بداية الثمانينات من القرن الماضي اصدرت الأرضية السياسية المشتركة بين جبهة التحرير الوطني البحرانية والجبهة الشعبية في البحرين. 
  
في بداية التسعينات من القرن الماضي شكلت جبهة التحرير والجبهة الشعبية في البحرين، لجنة التنسيق بينها وصدرت نشرة “الأمل” المشتركة. 

 ثاني عشر:- انتفاضة التسعينات ومرحلة الميثاق

  
 -         بداية التسعينات وتحديداً في عام 1992، صدرت العريضة النخبوية المطالبة بإعادة الحياة النيابية باطلاق سراح المعتقلين والسجناء السياسيين وعودة المنفيين، ومشاركة المرأة في الحياة السياسية وغيرها من المطالب. 
  
-         جاءت بعدها العريضة الشعبية في عام 1994، التي وقع عليها أكثر من 25 الف مواطن، وبعدها جاءت احداث التسعينات والتي سقط فيها العديد من الشهداء وزج بالمئات في المعتقلات والسجون. 
  
جاء الانفراج السياسي في فبراير 2001م ،بعد ان طرح الامير آنذاك الملك حمد مشروعه الاصلاحي عبر( ميثاق العمل الوطني ) وبدأت مرحلة جديدة في البحرين ،باطلاق سراح المعتقلين  والسجناء السياسيين وعودة المنفيين من الخارج، وبعد التصويت على ميثاق العمل الوطني من قبل الشعب في 14فبراير2001م ،تم الغاء قانون أمن الدولة في 18 فبراير2001 م، كانت خطوات ايجابية لتعزيز الثقة بين الحكم والمعارضة وفتح صفحة جديدة من أجل الانتقال من الحالة الأمنية والقمعية التي عاشها شعبنا على مدار ربع قرن في ظل قانون أمن الدولة ، نحو تأسيس صحيح لقيام الدولة  (الديمقراطية الفتية) وهذا يتطلب أحداث التحولات الديمقراطية في المجتمع ، من خلال اجراء الاصلاح الحقيقي وعملية التغيير، بازالة المعوقات ونعني هنا القوانين والتشريعات المعيقة للتحول الديمقراطي والاصلاح ، لايمكن قيام الديمقراطية وبناء دولة القانون والمؤسسات في ظل وجود القوانين والتشريعات المعادية لعملية التغيير والديمقراطية من حقبة قانون أمن الدولة . 

دستور 2002 – احداث 14 فبراير 2011  

بصدور دستور 2002م بإرادة ملكية منفردة حدث شرخ كبير في العملية الإصلاحية التي لم يمض عليها أكثر من عام ، ودخلت البلاد في أزمة سياسية حادة ولا أريد الدخول في التفاصيل فالجميع في البحرين يعرفها، حتى تفجرت أحداث الرابع عشر من شباط  (فبراير ) 2011م، لتشكل منعطفاً سياسياً اَخراً يختلف عن كل الاحتجاجات والانتقاضات التي شهدتها البحرين خلال قرن، من حيث أعداد المشاركين فيها، والشعارات التي رفعت، والمطالب التي طرحتها القوى السياسية المعارضة، وأعداد الشهداء الذين  سقطوا في السجون أو الشوارع  فاق عددهم عدد ضحايا  كل الإنتفاضات السابقة مجتمعة، المئات والألآف من المعتقلين والمطاردين والمفصولين والموقوفين والممنوعين من السفر والمتغربين، المحاكم العسكرية التي جرت ضد المئات من المواطنين وعلى كل المستويات لم تحدث من قبل، روح الانتقام والتشفي  والكراهية والحقد التي بدأت إبان فترة  حالة السلامة الوطنية ( قانون الطوارئ) ، بكلمات المكارثية بماركة بحرينية ، استفاد النظام في البحرين من الانقسام المجتمعي وهو الذي ساهم فيه من خلال الماكينة الاعلامية التي سخرت لهذا الهدف ، لازالت هذه الشروخ في الوحدة الوطنية والأزمة السياسية تتفاقم نحو الاسوأ . 
  
الحوار الوطني الجارى منذ شهر وأسبوعين ، حتى الآن حوار غير جاد ولم يبدأ الفعل الحقيقي في جلسات الحوار ، التجاذبات داخل الحوار سلبية للغاية، ويبدو بان الحكم لم يبدأ جدية في حل الأزمة السياسية، ولكن يظل أن الشعب البحريني لن يتنازل عن مطالبه المشروعة وسيواصل الكفاح من أجل انتزاعها وتقديم التضحيات من أجلها، وان الحل لبلوغ الاستقرار وتحقيق التنمية هو في الاستجابة لهذه المطالب انسجاماً مع روح العصر والمستجدات الدولية والاقليمية.