المنشور

التيار الديمقراطي … متى ينهض بدوره؟


إنتفاضة مارس 1965 المجيدة

في الشهر الماضي احتفلت القوى الوطنية الديمقراطية في البحرين بالذكرى 48 لإنتفاضة مارس 1965 المجيدة، التي توحدت فيها القوى التقدمية والقومية لأول مرة ضد الإستعمار البريطاني والرجعية، وهي الإنتفاضة التي اندلعت في مدن وقرى البحرين بسبب فصل شركة بابكو أكثر من 1500 عامل  على دفعات ، وشاركت فيها قطاعات واسعة من شعبنا: العمال والمثقفون والطلبة والمرأة، وسالت فيها الدماء الزكية في المحرق والمنامة والنويدرات، دماء وحدت بين أبناء الشعب من مختلف الفئات والطوائف، حيث لم جمع الكفاح ضد المستعمر أبناء شعبنا دون تفريق على أساس العرق أو المذهب أو الإنتماء، فكان شهداء شعبنا الأبرار في تلك الإنتفاضة الخالدة، عبدالله بونودة، عبدالله الغانم، فيصل القصاب، جاسم خليل، عبدالنبي سرحان، عبدالله سرحان، يمثلون كل الشعب في وحدة وطنية صلبة.

إن أهم ما علمتنا إياه هذه الانتفاضة المجيدة وما نحتاجه اليوم بشكل خاص هو ضرورة توحيد التيار الوطني الديمقراطي المعارض، بصفته القوة الوحيدة القادرة والمؤهلة على استنهاض الطاقات والإمكانيات الوطنية الكامنة لدى اعضاءه والشخصيات الوطنية مبعثرة الجهود، مما يتطلب اعطاء أهمية خاصة لتجميع تلك الطاقات والقدرات والاستفادة منها في العمل الوطني، أما المراوحة في المكان دون إتخاذ خطوات جريئة وشجاعة والتخلص من ذلك الوهم الذي لازال يعيق قيام التيار الديمقراطي ويعرقل الاعلان عنه “وهم التحالف الضرورة مع تيار الاسلام السياسي المعارض”.

وقد ضيعت فرص كثيرة لانجاز هذه المهمة، على الرغم من الرؤى والمرئيات التي قدمت من قبل أطراف التيار الديمقراطي في السنوات الأربع الأخيرة قبل أحداث 14 فبراير 2011، وما بعدها، ومن العديد من المقالات المطالبة بقيام التيار الديمقراطي، ومن اللقاءات والاجتماعات الثلاثية وغيرها، لأنها لم تسفر عن شيء يذكر على الواقع الملموس، ولا زال العديد من المراقبين في البحرين يتساؤلون: لماذا لا يتشكل التيار الديمقراطي، وهو التيار المعبر عن مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية والعرقية والمذهبية، التيار الجامع والعابر للطوائف والقبائل والاعراق في تكوينه وفي ارتباطه التاريخي كامتداد للحركة الوطنية البحرينية منذ منتصف الخمسينات من القرن الماضي.

قيام التيار الديمقراطي في البحرين

قيام التيار الديمقراطي في البحرين والاعلان عنه، يعني بروز الطريق الثالث بعيداً عن الاصطفافات الطائفية والمذهبية التي مزقت الوطن وزادت الشرخ بعد أحداث 14 فبراير 2011، حيث ساهمت الدولة بكل مؤسساتها وأجهزتها الاعلامية والأمنية وغيرها، ومعها القوى الطائفية في تفكيك وتمزيق النسيج الاجتماعي لشعب البحرين ولا زالت تعمل في هذا المسار، بالرغم من مضي نحو شهرين على جلسات الحوار الوطني الذي بدأ في 10 فبراير 2013، حيث ليس من الواضح  ماذا سيخرج منه ولكن الذين مزقوا وفتتوا الوطن والشعب إلى قسمين، مستمرين في لعبتهم القذرة خوفاً على خسارة غنائمهم ومصالحم التي كسبت من الأزمة السياسية الحالية.

 منذ أكثر من نصف قرن شعب البحرين قدم تضحيات كبيرة من الشهداء والمعتقلين والمنفيين والمفصولين والمطاردين من أجل قيام الديمقراطية الحقيقية في البلاد، الديمقراطية التي تسود فيها المساواة والعدالة الاجتماعية وتحترم فيها حقوق الانسان والقانون، وأن يكون الجميع أمام القانون سواسية، والتوقف عن سياسة التمييز والتغيير الديمغرافي من خلال سياسة التجنيس السياسي التي تشكل خطورة على حاضر ومستقبل البحرين.

 إن قيام التيار الديمقراطي يعطي دفعة قوية للعمل الوطني، وللمعارضة بشكل عام، وليس المطلوب منه مناكفة أطراف المعارضة الأخرى اوالدخول معها في صراع هنا وهناك، حيث توجد العديد من القواسم المشتركة التي يستطيع من خلالها التيار الديمقراطي بصفته المستقلة التنسيق والتعاون معها ومع اي قوة  سياسية أو شخصيات وطنية في البلاد تعمل من أجل التحولات الديمقراطية وتعزيز الحريات العامة والشخصية في البحرين.

عرقلة قيام التيار الديمقراطي

بالرغم من وجود بعض الأطراف في المعارضة لا ترحب بقيام التيارالديمقراطي وتعمل بشكل أو باَخر على عرقلة الاعلان عنه، لحسابات خاصة، فهي تعرف جيداً ماذا تعني استقلالية القرار والرأي للقوى الديمقراطية بغض النظر عن حجمها الجماهيري في الشارع، وضعفها الراهن العائد لعدة أسباب ذاتية وموضوعية، حيث عملت الدولة في العقود الماضية وتحديداً في حقبة قانون الدولة السيء الصيت على توجيه الضربات القاسية والموجعة لقوى اليسار والديمقراطية في البحرين من تصفيات جسدية لبعض من أعضاءه، واعتقالهم لفترات طويلة، ومطاردتهم وفصلهم من العمل أو حرمانهم من الدراسة، فيما أضطر آخرون  من قادة هذا التيار وكوادره للعيش أكثر من ثلاثة عقود في المنافي، وكان لانهيار منظومة الدول الاشتراكية والاتحاد السوفياتي والتراجعات الخطيرة التي حدثت في بداية التسعينيات من القرن الماضي، اثره السلبي على القوى اليسارية والديمقراطية في البحرين والبلدان العربية، خاصة وأن ذلك ترافق مع صعود تيارات الاسلام السياسي في البلدان العربية والدعم المالي والمعنوي  الذي حصلت عليه من العديد من أنظمة الحكم مما ساهم في تقويته وازدياد نفوذه في المجتمع، قبل أن ينقلب على الأنظمة التي رعته.

فكرة الدولة المدنية الحديثة الديمقراطية

عندما يبشر التيار الديمقراطي بفكرة قيام الدولة المدنية الحديثة والديمقراطية، فانه يطرحها على أسس متينة وراسخة من خلال تداول السلطة وقيام المؤسسات الدستورية المستقلة ووجود الأحزاب السياسية المدنية ومنظمات وهيئات المجتمع المدني القوية القادرة على التصدي للقوى الرجعية والتخلف والردة في البلاد، وهذا يتطلب وجود قوى ديمقراطية قوية وموحدة في المجتمع فهي صاحبة المصلحة الأولى في الدفاع عن أسس ومبادىء الدولة المدنية الحديثة التي تؤمن بالتعددية السياسية والفكرية وتطلق العنان لحرية الراي والتعبير، بما في ذلك في وسائل الإعلام بكل تنوعاته، وتتعزز فيها الحريات العامة والشخصية، وتنتفي فيها مفاهيم الإقصاء وإلغاء الرأي الآخر، ومن اجل مجتمع يتسع لجميع أبناءه ويضمن حقهم في الحرية التامة في التفكير والإبداع، ويحمي التنوع والتعددية في الثقافات والأفكار وأنماط العيش، ولا يحجر على الأفكار والقناعات للأفراد والجماعات المدنية ولا تتأسس فيه محاكم التفتيش لتحاكم الرأي والفكر والثقافة.

وحسبنا هنا أن نشير إلى ما أكدت عليه وثيقة المراجعة النقدية للمنبر التقدمي التي أقرها المؤتمر العام السادس ل”التقدمي” حين قالت بهذا الخصوص:”إن نقطة الضعف الجوهرية التي يُعاني منها الحراك السياسي في البحرين خلال السنوات الماضية، والتي تجسدت بصورة بالغة في التحرك الأخير، هي غياب أو ضعف الدور المستقل للتيار الوطني الديمقراطي، بسب فشله في بلورة صيغة للعمل المشترك بين مكوناته المختلفة تميزها عن الأطروحات والمواقف الأخرى في المجتمع، وفق برنامج معبر عن القضايا المشتركة للشعب يعمل على دمج الهويات الفرعية في هوية وطنية جامعة، كرافعة للعمل في سبيل الديمقراطية وآفاق الحداثة والتقدم، ومحاربة الفساد المالي والإداري والعبث بالمال العام، ومن أجل حياة حرة وكريمة لكافة مواطني هذا البلد”.

وأكدت الوثيقة على “أن غياب هذه الصيغة التنسيقية للتيار الديمقراطي كان له أكبر الأثر في عدم وضوح الدور المستقل لهذا التيار، مما انعكس بدوره على موقف المنبر التقدمي نفسه، حيث لم يتبين المجتمع بصورة كافية الفروق الضرورية بين هذا التيار والتيارات الإسلامية المعارضة، في الخطاب وفي الأداء السياسي، رغم التجربة المُرة للانتخابات النيابية الأخيرة.”

كما دعت الوثيقة “كافة مكونات التيار الديمقراطي لمراجعة نقدية وشفافة في هذا الاتجاه، من أجل بلورة رؤية مستقلة لها في إطار المعارضة، تشكل بديلاً جامعاً لكل الرافضين للخيارات الطائفية وحملات التحشيد المذهبي وبث أجواء الكراهية، ولن يتم تحقيق ذلك إلا بالعودة لتراث وتقاليد الحركة الوطنية التي نجحت في حشد وتعبئة الشعب بكافة مكوناته في النضال الوطني والديمقراطي، والبدء الفوري بوضع الخطوات العملية الكافلة لوحدة هذا التيار، واستعادة دوره الطليعي في أوساط الجماهير البحرينية”.

فهل تستلهم قوى التيار الديمقراطي، هذه الروح وتعمل على أن ينهض التيار الديمقراطي موحداً في البحرين، أم يظل  واضعاً رأسه في الرمال مثل النعامة.