المنشور

الحل الداخلي لا الخارجي



رغم كل الملابسات التي باتت تحيط
بالأزمة السياسية في بلادنا والمستمرة منذ أكثر من عامين، والتي أدخلت أطرافاً
دولية وإقليمية في التأثير فيها، علينا أن نعيد الآزمة إلى جذورها، كونها، في
الأساس، أزمة بحرينية داخلية، على البحرينيين أنفسهم، من مواقعهم المختلفة، أن
يعملوا على حلها، بمقاربة جوهرها المتصل بالإصلاح السياسي والدستوري الجدي،
والتوزيع العادل للثروة، وتوجيه مقدرات البلد نحو التنمية المستدامة، التي تضمن
تطور البلد وتحقيق العدالة الاجتماعية لأبناء الشعب، وما يستلزمه ذلك من وجود سلطة
تشريعية ذات صلاحيات حقيقية قادرة على مراقبة ومحاسبة السلطة التنفيذية على أدائها،
وحماية المال العام من العبث به، ووضع حدود فاصلة، قاطعة، بين هذا المال العام
والمال الخاص، وهي شروط لا مجال للهروب منها، في عالم اليوم، لأي بلد يرنو إلى
الاستقرار والأمن. 


وأذكر أن أحد من عملوا على مدار عدة شهور في البحرين ضمن
فريق تقصي الحقائق التابع للجنة البرفيسور بسيوني، هو الدكتور محمد هلال الأستاذ
في جامعة هارفرد، قال مرةً أن  لدى البحرين
من الكفاءات والكوادر البشرية القادرة على أن تضع حلولاً لتداعيات الأزمة التي تمر
بها البلاد، أكثر مما يمكن أن يفعله الخبراء الأجانب، وجاء هذا الحديث في سياق عرض
لفكرة فحواها أنه من الخطأ تحويل الأمر إلى مجرد شأن تقني، يمكن لشركة أجنبية او
خبراء أجانب أن يُقدموا بشأنه المشورة، حتى لو كانت هذه المشورة مفيدة، والصحيح هو
أن يُوضع الأمر في سياقه العام، السياسي والاجتماعي، الذي لا يمكن لغير البحرينيين
أن يكونوا مُلمين به، وقادرين على حله. 


وبنى الرجل استنتاجه هذا من خلاصة اللقاءات المتعددة التي
أجراها هو وأفراد الفريق مع ممثلي الفعاليات السياسية والاجتماعية في البلد
والأفراد الذين التقت بهم اللجنة لسماع شكاواهم أو آرائهم في ما جرى في البلد، واعتدنا
أن نسمع الاطراء في كفاءة وقدرات الكوادر البحرينية في مجالات شتى، وهو أمر تستحقه
كوادر هذا الشعب الواعي والمتعلم والطموح الى المزيد من الحقوق السياسية
والاجتماعية، لكن أن تأتي هذه الشهادة في أمر يتصل بتدابير الخروج من أزمتنا
الراهنة، ومن رجل عضو في فريق بات ملماً بالكثير من تعقيداتها بسبب انشغاله المكثف
على حيثياتها، فان لذلك أهمية خاصة. 


هذا يقودنا الى التبصر في حقيقة أن حل الأزمة يجب أن يكون
نابعاً في الاساس من الإرادة الوطنية لأهل البحرين أنفسهم، وهذا لا ينفي أن هناك
تجارب جديرة بالدراسة والعناية في بلدان مختلفة في العالم مرت بأزمات حادة، ربما
تشبه في بعض وجوهها ما مررنا ونمر به، وهذا ما يجري حوله حديث متواتر، ولكن هذا لا
يعني أن علىنا أن ننتظر التوافقات الاقليمية، أو مسارات الآزمة السورية، أو غير
السورية، لنقرر بعدها على أي وجه سيكون حل الآزمة في البحرين، بل إن ايقاء الأزمة
مفتوحة، والهروب من الحل السريع والجدي لها، سيجعل أبواب البلد مشرعة لكافة أوجه
التدخل الخارجي، المحكوم بمصالح أطرافه، لا بمصالح البحرين نفسها، ولم يعد جائزاً
التصرف كما لو أن البحرين لم تمر بأزمة حادة على كافة الصُعد، غير مسبوقة فعلاً لا
قولاً، وبالتالي فان الحل المنتظر يجب أن يكون هو الآخر غير مسبوق، جذرياً، لا
ترقيعياً.