المنشور

أمريكا تريد . .



أمريكا
تريد من رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس ومن أركان سلطته
الإبقاء على سلام فياض رئيساً للحكومة الفلسطينية في رام الله أو الإتيان
ببديل له يحظى بمباركتها .


أمريكا
تريد من كوريا الشمالية الموافقة على نزع سلاحها النووي من دون قيد أو شرط
مقابل عرض متواضع لا يخرجها من كماشة نظام العقوبات الدولي الصارم المفروض
عليها . وتريد من كوريا الجنوبية مشاركتها في أعمالها الحربية الاستفزازية
لكوريا الشمالية لانتزاع ذلك المبتغى .


أمريكا، وعلى لسان رئيسها، تطالب الفلسطينيين بأن يعترفوا ب”إسرائيل” دولة يهودية خالصة من دون مقابل .


أمريكا
تريد من روسيا والصين المساعدة على تمرير قرار من مجلس الأمن الدولي
يخوّلها استخدام القوة العسكرية لإطاحة الحكومات غير المرضي عنها أمريكياً .


أمريكا
تطالب النظام في فنزويلا بالاستجابة لطلب مرشح المعارضة اليمينية إنريكي
كابريليس في انتخابات الرئاسة الفنزويلية التي أُجريت في 14 إبريل/ نيسان
الماضي وفاز فيها نيكولاس مادورو رفيق درب الرئيس الراحل هوغو شافيز بفارق
ضئيل، بأن يعيد عملية فرز الأصوات التي يمكن أن تغير ما خلصت إليه اللجنة
العليا للانتخابات وشهد به المراقبون الدوليون . وكادت واشنطن تتسبب بهذا
التدخل الفاضح في إشعال حريق أهلي واسع النطاق في فنزويلا لولا أن نزع
فتيله الرئيس المنتخب بموافقته على إعادة عملية الفرز التي أكدت فوزه .


أمريكا
تريد من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن يكون ظلاً لحركة
مندوبها الدائم في الأمم المتحدة ولوزير خارجيتها، وأن يغرد فوق أغصانها في
كل مرة يغردان فيها حول شأن من الشؤون الدولية .


أمريكا
تريد أن يكون بروتوكول كيوتو لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري،
مفصلاً على مقاساتها وإلا فهي لن تنضم إليه حتى لو بقيت وحدها خارج دائرة
الالتزام الدولي الجماعي لمكافحة ظاهرة تغير المناخ .


وأخيراً
وليس آخراً أمريكا تريد أن تُعْفي من بعض بنود اتفاقية إنشاء محكمة الجزاء
الدولية، وإلا فإنها لن تنضم إليها، وهي بالفعل لم تنضم إليها منذ إنشائها
في العام 2002 وحتى اليوم .


فما الذي لا تريده أمريكا؟


إنها
تريد لنفسها كل شيء ولا تتوانى عن أخذه بأية وسيلة من وسائل الضغط
والابتزاز . حتى وهي ضامرة اقتصادياً، فإن حالة الضمور الاقتصادي والمالي
التي تنتابها حالياً، لم تمنعها من مواصلة نهمها الاستحواذي . فهي “تطلب”
لنفسها فقط – وهو ما تفعله على أية حال في أغلب الأحيان – ولكنها تطلب
أيضاً ل”إسرائيل” . فيحدث أن تطلب “إسرائيل” مثلاً تشديد العقوبات على دولة
ما فتستجيب أمريكا لطلبها بتجريد حملة إعلامية وسياسية ودبلوماسية منظمة
من أجل تمرير حزمة جديدة من العقوبات ضدها . . وتطلب “إسرائيل” التحقيق في
استخدام سوريا للسلاح الكيماوي فيتم تجريد حملة مماثلة استجابة لطلبها .


وهكذا،
فإن الوهن والضعف اللذين يعتريان بعض مصادر قوتها، الاقتصادية والمالية
تحديداً، وينالان من تنافسيتها السلعية والعلمية والتكنولوجية، إلى جانب
صعود قوى اقتصادية جديدة، طامحة وجامحة   لم
يمنعا الولايات المتحدة من مواصلة تسخير أوراق القوة التي مازالت تتفوق
بها على منافسيها، لمواصلة نهجها الإمبراطوري الاستحواذي الأحادي، مع ترك
فسحة “مناسبة” لحركة الدول الأخرى ومصالحها على الصعد كافة، وفي جميع
مجالات احتكاك المصالح الدولية .


ونحسب
أن هذا النهج التسلطي والاستحواذي المستمر منذ خلافة الولايات المتحدة
للإمبراطورية البريطانية في تصدر زعامة المشهد العالمي بعد انتهاء الحرب
العالمية الثانية في العام ،1945 هو المسؤول الأول والمباشر عن كثير من
التوترات والتأزمات في علاقات القوى المحلية والدولية . فالولايات المتحدة
لا تترك شاردة ولا واردة في الشؤون المحلية والإقليمية والدولية إلا وتدسّ
أنفها فيها . 


وهو
نهج مسؤول بالتالي، عن تأخر الدول النامية في استكمال بنيانها كدول قومية
ذات سيادة على كامل أراضيها ومياهها ومواردها وسيطرتها على تراكمها
الرأسمالي، كما هو الحال بالنسبة إلى قيام الدول القومية في أوروبا كمقدمة
لازدهار أفكار التنوير والتعددية الثقافية وفك ارتباط الكهانة بالدولة
وازدهار ثقافة العقد الاجتماعي واللبرلة السياسية والثقافية والاجتماعية . .
وتأخر اعادة هيكلة النظام الدولي لتقسيم العمل على أسس تنافسية متكافئة
تعيد إلى الاقتصاد العالمي توازنه المفقود . . والمسؤول عن عدم تمتع العالم
بفترات من الأمن والاستقرار تتميز بقدر وفير من الاستدامة .