المنشور

حوار مع الرفيق / صلاح عدلي سكرتير عام الحزب الشيوعي المصري

مع جريدة “نامه مردم” لسان حال الحزب الشيوعي الإيراني (تودة) 6 يوليو 2013
في البداية أود أن أتوجه بالتحية لحزب توده وأتمنى له النجاح في نضاله. كما
أتوجه بالتحية إلى جريدة “نامه مردم” على إتاحة الفرصة لتوضيح ما يحدث في
مصر من أحداث تاريخية كبرى.


1- كيف تمت تعبئة طبقات وشرائح المجتمع المصري في الموجه الثانية لثورة 30 يونيو؟


█ منذ اندلاع ثورة 25 يناير 2011 والحركات الاحتجاجية لم تهدأ، والتظاهرات
المليونية لم تتوقف، أي أن الحالة الثورية للجماهير كانت حاضرة تخفت حيناً
وتشتعل أحياناً .. كما أن الاحتجاجات والإضرابات العمالية تصاعدت وتيرتها،
وبعد نجاح مرسي ووصول الإخوان للحكم وللسلطة بشكل مباشر اكتشفت الجماهير
حقيقتهم الاستبدادية وطابعهم الفاشي وانحيازهم لمصالح أكثر شرائح
الرأسمالية رجعية وطفيلية، وانعدام قدرتهم على إدارة دولة بحجم مصر. بل
وانفضح موقفهم الخائن لمصالح الوطن واستعدادهم لكي يقوموا بدور السمسار
الأكبر للحفاظ على مصالح أمريكا وإسرائيل في المنطقة. فعقدوا اتفاق التهدئة
في غزة، وأعطوا أمريكا وإسرائيل ما لم يقدم نظام مبارك العميل عليه، وظهر
جلياً مشروعهم الطائفي والظلامي المعادي للديمقراطية والعلم والثقافة
والتسامح. وكان الأهم هو اكتشاف الجماهير مدى زيف استخدامهم للشعارات
الدينية للتمويه على مخططاتهم في خدمه مشروع الشرق الأوسط الكبير والفوضي
الخلاقة.


لذلك وصلت الاحتجاجات الاجتماعية (الإضرابات والاعتصامات والتظاهرات
والواقفات الاحتجاجية) إلى “7400″ احتجاج – باعتراف محمد مرسي نفسه – خلال
العام الأخير. ووصل معدل البطالة إلى 32 ٪ أكثرهم من حاملي المؤهلات العليا
والمتوسطة، وارتفعت الديون الخارجية من 34 مليار إلى 45 مليار دولار.
وارتفع الدين المحلي بمقدار 365 مليار جنيه خلال حكم مرسي في العام الأخير
ووصلت نسبة من يعيشون تحت خط الفقر إلى أكثر من 50 ٪ من السكان. باختصار
شعرت معظم طبقات وشرائح المجتمع – وقواه السياسية الليبرالية والقومية
واليسارية والحركات الشبابية وأغلبها ذات توجه يساري وقومي، بالإضافة إلى
مؤسسات الدولة الأساسية وخاصة الجيش والقضاء والإعلام والشرطة – بالخطر
الشديد من استمرار بقاء الإخوان في الحكم نتيجة سعيهم المحموم للانفراد
بالسلطة وإقصاء كل من ليس معهم من غير حلفائهم من الجماعات الإرهابية
المتاجرة بالدين.


وحتى قطاعات واسعة من البرجوازية المصرية المتوسطة والكبيرة في قطاعات
السياحة والصناعة والتجارة والزراعة والبناء والتشييد شعرت بالخوف الشديد
على مصالحها من استمرار حكمهم الذي يشيع مناخاً من الفوضى وانعدام الأمن
والاستقرار.


ولقد كان نجاح حركة تمرد في جمع أكثر من 22 مليون توقيع لسحب الثقة من مرسي
والدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة، شارك في جمعها كل الأحزاب والنقابات
والمنظمات وانتشرت في شوارع المدن والمصانع والمدارس والجامعات والهيئات
وفي القرى في كل محافظات مصر. والأهمية الكبرى لهذه الحملة هي أنها استطاعت
إشراك المواطنين المصريين بشكل فاعل في الحركة الثورية لإسقاط حكم
الإخوان، كما أنها استعادت الطابع السلمي والديمقراطي للعمل الثوري، وشكلت
الأساس لنزع القداسة عن الشرعية الزائفة لصندوق الانتخابات كمعيار وحيد
للشرعية والنظام الديمقراطي، خاصة وأن الدعوة لجمع التوقيعات اقترنت
بالدعوة إلى التظاهر في كل ميادين مصر يوم 30 يونيو باعتباره المحك الأساسي
لمصداقية هذه الحملة والقاعدة الأساسية لشرعية الجماهير الثورية لإسقاط
هذا النظام الفاشي وإجهاض مشروع الدولة الدينية.


وكانت استجابة جماهير الشعب المصري عظيمة وخرجت أكبر مظاهرات في تاريخ مصر
بل وفي تاريخ العالم، وتم التحقق منها من خلال مؤشر “جوجل إيرث” حيث خرج
أكثر من 27 مليون متظاهر في نفس الوقت في كل محافظات مصر يمثلون مختلف
طبقات وشرائح المجتمع المصري في مواجهة مظاهرات لا تتعدى 200 ألف متظاهر من
الإخوان وحلفائهم في ميدان واحد صغير في القاهرة. فكان الشعب المصري في
جانب وجماعة الإخوان وحدها هي وحلفاؤها في جانب آخر معزول. وهذه هي حقيقة
المشهد. وهذا هوالواقع الذي يجب أن ينطلق منه أي تقدير للموقف أو أي تحليل
علمي سياسي.


ونحن نرى أن ما حدث في 30 يونيو هو موجة ثانية للثورة المصرية أقوى وأعمق
من الموجة الأولى في 2011 قامت لتصحيح مسار الثورة واستعادتها من قوى
اليمين المتطرف الديني الذي تآمر لسرقة الثورة وركوب موجتها لخدمة أهدافه
الفاشية والرجعية ومخططات الإمبريالية العالمية.
2- ما هو مستوى مشاركة الطبقات الكادحة والعمال ولماذا يشارك العمال في صراع مع الإسلام السياسي من أجل الحقوق الديمقراطية؟


█ شعارات ثورة يناير الأساسية (عيش – حرية – عدالة اجتماعية – كرامة
إنسانية) وهي تعد حلقة أساسية من حلقات الثورة الوطنية الديمقراطية جاءت
بعد مرحلة تاريخية طويلة بدأت منذ منتصف السبعينات من القرن الماضي من حكم
الرأسمالية الكبيرة التابعة ودورة كاملة من الارتداد والتخلف والاستبداد
تمكنت فيها القوى الرجعية بالتحالف مع الإمبريالية العالمية والرجعية
العربية من تدعيم مناخ يسمح لتيار الإسلام السياسي – وخاصة جماعة الإخوان –
بالانتشار والصعود، وتم إضعاف قوى اليسار وتشريد العمال وتصفية الصناعات
الكبيرة لضرب أي إمكانيات لتحقيق تنمية شاملة.


وفي الحقيقة فإن العمال يشاركون في معظم الاحتجاجات التي تصاعدت منذ عام
2006 ويشاركون في كل المظاهرات الشعبية بصفتهم جزءاً من الشعب وليس بشكل
طبقي منظم. وذلك نتيجة غياب منظمات واتحادات نقابية قوية بسبب ميراث طويل
من الاستبداد والقمع الحكومي للسيطرة على اتحادات ونقابات العمال، ونتيجة
للتغيرات الكبيرة التي حدثت في الفترة الماضية على الخريطة الطبقية وعلى
طبيعة تركيب الطبقة العاملة في القطاعات المختلفة، وجرى الاعتماد على
الصناعات الصغيرة والمتوسطة التي يسيطر عليها القطاع الخاص، حيث تم منع
العمال من تشكيل نقابات فيها. ولم تظهر الطبقة العاملة بشكل طبقي واضح في
الثورة. ونتيجة لعدم توحد قوى اليسار بشكل فاعل وضعفه في المرحلة الماضية
لأسباب عديدة لا مجال هنا لذكرها فإن حركة العمال لم تظهر بشكل فعال ومؤثر
يتناسب مع حجم مشاركتها وتضحياتها الكبيرة في الثورة.


ومن المهم توضيح أن العمال في القطاع العام اكتشفوا أن ممارسات وتوجهات
جماعة الإخوان المسلمين لا تختلف عن توجهات نظام مبارك بل وأسوأ منها، حيث
قاموا بتطبيق نفس السياسات حول استمرار برنامج الخصخصة وتحرير الأسعار ولم
يرفعوا الحد الأدنى للأجور رغم أنه كان من أولى مطالب الثورة، بل قاموا
بتخفيض الضرائب على رجال الأعمال واستمروا في خصخصة الخدمات ورفض تنفيذ
برنامج التأمين الصحي، وأصرت جماعة الإخوان على بيع ورهن أصول مصر
ومؤسساتها من خلال مشروع “الصكوك الإسلامية” الذي أسرعوا بتمريره في مجلس
الشورى الإخواني. والأخطر هو رفضهم لإصدار قانون حرية تشكيل النقابات الذي
وافقوا عليه مع كل القوى السياسية والتيارات النقابية قبل الثورة واستبدلوا
رجالهم برجال مبارك في الاتحاد العام الحكومي لعمال مصر. وهذا هو الأساس
الاجتماعي والديمقراطي لانحياز الطبقة العاملة إلى الثورة على حكم الإخوان
وعلى قوى الإسلام السياسي بالإضافة إلى الأسباب الأخرى التي ذكرناها
سابقاً.


ويخطئ من يتصور أن العمال يثورون فقط لقضايا فئوية أو لأسباب اقتصادية،
فالعمال أكثر وعيا بأخطار المشروع اليميني الديني المتطرف وممارساتهم
الفاشية اليمينية في كافة المجالات الديمقراطية والسياسية والاقتصادية
والاجتماعية والوطنية.
3- حول توصيف ما يحدث بأنه ثورة وما هي طبيعتها ومهامها ومطالبها العاجلة؟


█ نعم، مايحدث الآن هو ثورة. وبالدقة هو الموجة الثانية الكبيرة لثورة
يناير، التي تم إجهاض موجتها الأولى بسبب سطو جماعة الإخوان عليها، رغم عدم
مشاركتهم في الدعوة إليها أو صنعها. وهي ثورة ديمقراطية ذات توجه اجتماعي
ووطني واضح. وهي مستمرة وشاركت فيها فئات اجتماعية واسعة وقوى سياسية
متعددة (ليبرالية وقومية ويسارية). ومع استمرار المد الثوري تتضح أكثر
فاكثر حقيقة المواقف، وتتكشف انحيازات هذه القوى ومدى استعدادها للاستمرار
في طريق الثورة.


وأولى المهام الديمقراطية للثورة هي وضع دستور جديد مدني ديمقراطي يؤكد على
حقوق الإنسان والمرأة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية للطبقات الكادحة،
ولا يصادر على حق الشعب في اختيار نظامه السياسي والاقتصادي في المستقبل
حسب توازنات القوى. وبالتالي فإن مهمة إسقاط الدستور الطائفي الرجعي المشوه
وليس تعديله هو مهمة أساسية للقوى الديمقراطية والتقدمية في اللحظة
الراهنة.


ومن مهام الثورة الديمقراطية أيضاً حرية تشكيل النقابات والأحزاب والجمعيات
دون تدخل حكومي ورفض تشكيل الأحزاب على أساس ديني طائفي والمساواة الكاملة
بين الرجال والنساء في الحقوق والواجبات والمساواة أمام القانون وتجريم
التمييز الديني وغيرها.


ومن المهام الاجتماعية وضع خطة للتنمية الشاملة المستقلة المعتمدة على
الذات أساساً تعتمد على تشجيع القطاعات الإنتاجية مع ضرورة التوزيع العادل
لناتج التنمية وللثروة لصالح الفقراء والكادحين وتحقيق المطالب الاجتماعية
العاجلة وعلى رأسها وضع حد أدنى وأقصى للأجور وربطها بالأسعار وإلغاء
الديون عن صغار الفلاحين وإعادة توزيع بنود الميزانية لزيادة الإنفاق على
الصحة والتعليم وإسكان محدودي الدخل ورفع الضرائب على الأغنياء واستعادة
الشركات المنهوبة من القطاع العام ومحاربة الفساد.


ومهامها الوطنية: مناهضة التبعية للولايات المتحدة الأمريكية ورفض الخضوع
للهيمنة الصهيونية وتعديل اتفاقية كامب ديفيد واستعادة دور مصر الوطني في
الدائرة العربية والأفريقية والإقليمية والعالمية وتعميق العلاقة مع دول
وشعوب العالم الثالث.


4- هل يرفض الشعب الإخوان المسلمون فقط أم قوىالإسلام السياسي بشكل عام؟


█ الإخوان المسلمون هم التنظيم الأكثر فاعلية وتأثيرا بين قوى الإسلام
السياسي وجميع المنظمات الأخرى من سلفيين وجماعات جهادية كانوا حلفاء مع
الإخوان المسلمين وخرجوا معهم في معركتهم الأخيرة يدافعون عن نظام الإخوان
لأنهم يعلمون أن هزيمتهم تعني نقطة الانكسار الأساسية للمشروع الإسلامي
الطائفي الذي تدعمه الإدارة الأمريكية كبديل للنظم الاستبدادية التابعة
المنهارة. ولم يستثنى من هذا التحالف في المعركة الأخيرة سوى حزب النور
السلفي لاعتبارات تعود إلى ارتباطه بالسعودية، رغم إدراكنا أنه حزب رجعي
وطائفي معادي لحقوق الإنسان والمرأة والأقليات بما فيها المذاهب الإسلامية
المخالفة. وقد ظهر هذا واضحاً في تحريضهم على جريمة قتل الشيعة وسحلهم في
المذبحة المروعة التي حدثت الشهر الماضي في إحدى القرى.


ونحن نرى أن المعركة لم تنتهِ ولا بد من نضال سياسي واجتماعي وثقافي لسحق
مقاومتهم وتغيير المناخ العام الذي استشرى منذ عشرات السنين.
ولكن ما نود لفت النظر إليه هو أن ما يحدث في مصر الآن ليس مواجهة للإخوان
وحلفائهم من قوى اليمين الديني مع مؤسسات الدولة الأمنية فقط، لكنهم في
الحقيقة يواجهون الشعب المصري بجميع أطيافه وتياراته وكذلك مع كافة مؤسسات
الدولة بما فيها القضاء والإعلام والثقافة. فمن سيواجه الإخوان الآن في
الأحياء والقرى هم جماهير الشعب المصري التي خسرت جماعة الإخوان بشكل مؤكد
تأييد قطاعات واسعة منها في العامين الأخيرين. لكن الجيش والأمن سيكون لهما
دوراً هاماً في مواجهة ميليشياتهم الإرهابية المسلحة.


باختصار نحن نرى أن ما حدث هو هزيمة كبيرة لمشروع اليمين الديني بشكل عام
وليس لمشروع الإخوان فقط. وسوف تكون له تداعيات كبرى في المنطقة في الفترة
المقبلة.


5- هل إسقاط مرسي عملية غير ديمقراطية لأنه رئيس منتتخب؟ وهل من أطاح به هو الجيش المصري؟


█ من أطاح بمرسي هم أكثر من 22 مليون مواطن من أبناء الشعب المصري الذين
وقعوا على وثيقة تتضمن الاسم ورقم البطاقة الشخصية (الرقم القومي) واسم
المحافظة بشكل يدوي حي وليس على الإنترنت، في استفتاء شعبي غير مسبوق تم
تتويجه “بالخروج الكبير” في الميادين بأكثر من 27 مليون متظاهر يوم 30
يونيو واستمر لاربعة أيام متتالية، خاصة وأن مرسي هو من أطاح بالشرعية
عندما أصدر إعلانه الدستوري الديكتاتوري في نوفمبر 2011، وهو من عصف بحقوق
الإنسان عندما حاصر أنصاره الإرهابيون المحكمة الدستورية، وعندما قامت
ميليشياته بتعذيب المتظاهرين أمام قصر الاتحادية في تحقيقات أثبتتها
النيابة العامة، وعندما قتل رجاله المتظاهرين أمام مقر حزب الحرية والعدالة
(الذراع السياسي للجماعة) بأوامر صريحة من مرشد الجماعة ونائبه اعترف بها
القتلة أمام النيابة. وهو من نكث عن وعوده التي أعلنها يوم نجاحه بتعديل
الدستور وتشكيل حكومة ائتلافية. وأصر هو وجماعته على الخضوع لشروط صندوق
النقد الدولي وأعلن الجهاد على سوريا في مؤتمر للقوى الجهادية الإرهابية
دون الرجوع إلى الجيش ومجلس الدفاع الوطني.


ولهذا فإن جميع الإحزاب والقوى السياسية، وحتى حزب النور السلفي الذي قفز
من السفينة قبل غرقها، وقفت مع إجراء انتخابات رئاسية مبكرة .. وهذه الدعوة
ليست انقلاباً على الديمقراطية ولكنها من صميم الديمقراطية الشعبية حينما
يخون أي رئيس وعوده للشعب وبرنامجه الذي انتخبه الشعب على أساسه ..


إن حصر قضية الديمقراطية في مجرد “صندوق الانتخابات” هو أهدار كامل لجوهر
الدمقراطية ورفض صريح لحق الشعوب في الثورة على حكامها المستبدين وعلى
النظم الفاشية التي تتستر بالدين لتخفي حقيقتها الرجعية وتوجهها الرأسمالي
اليميني.


إن دفاع الولايات المتحدة والدول الرأسمالية الغربية عن مرسي وتصوير الأمر
على أنه مجرد “انقلاب عسكري” على “الشرعية الدستورية” هو موقف شكلي يخفي
رعب الإمبريالية العالمية من ثورات الشعوب وقدرتها على تجاوز الحدود الضيقة
للديمقراطية البرجوازية التي تمثل في جوهرها الشكل الأمثل لتحقيق مصالح
كبار رجال الأعمال والشركات الاحتكارية وعملائها المحليين في السيطرة على
مقدرات الشعوب في بلدان العالم الثالث.


إن ما حدث ليس انقلاباً عسكرياً بأي حال من الأحوال، بل هو انقلاب ثوري قام
به الشعب المصري للتخلص من هذا الحكم الفاشي. وما قام به الجيش هو تنفيذ
لإرادة الشعب وحمايته من مؤامرات هذه الجماعة وحلفائها الإرهابيين
المسلحيين الذين يريدون إشعال فتنة طائفية وحروباً أهلية وتقسيم الجيش
المصري وتدمير مؤسسات الدولة المصرية لخدمة المصالح الإمبريالية والصهيونية
في المنطقة.


وأي انقلاب عسكري هذا وعشرات الملايين في الشوارع؟!! وأي أنقلاب عسكري، وقد
تسلم السلطة بالفعل رئيس المحكمة الدستورية، وهو ما طالبت به جبهة الإنقاذ
التي تضم كل قوى المعارضة باتجاهاتها المختلفة وحركة تمرد الشبابية
وأيدتها جماهير الشعب المصري؟؟!! وأي أنقلاب عسكري هذا وسوف يتم تشكيل
حكومة كفاءات وطنية مدنية لها كامل الصلاحيات خلال فترة انتقالية لا تتجاوز
العام وتنتهي بوضع دستور مدني ديمقراطي وانتخابات رئاسية وبرلمانية الجميع
حريص عليها ؟؟ وأي انقلاب عسكري يسمح بحق التظاهر السلمى حتى للمعارضين له
ولا يفرض حاله الطوارئ؟ خاصة وأن بيان “السيسي” الذي أعلن فيه خريطة
المرحلة الانتقالية أعلن بعد حوار وتوافق مع ممثلي الشعب المصري من شباب
حركة تمرد وممثل جبهة الإنقاذ وشيخ الأزهر وبابا الأقباط وممثلة للمرأة.
واحتفل الشعب المصري في ميادين وحواري وقرى مصر بهذا الانتصار العظيم للشعب
المصري واستجابة الجيش الوطني له.


علينا كما علمتنا الماركسية أن ننطلق من الواقع العيني الملموس ولا نحصر
رؤيتنا في أفكار جامدة مسبقة وصيغ جاهزة. وألا يلفت النظر أن تتعامى وسائل
الإعلام الغربية عن كل ذلك ورؤية الواقع وتصر على أن ما يحدث هو انقلاب
عسكري؟؟!!!


ورغم ذلك فإننا حريصون على ضرورة التيقظ والانتباه خلال المرحلة المقبلة
لضمان تحديد دور الجيش في هذه المرحلة في حماية الشعب والأمن القومي المصري
والالتزام بوعوده في عدم التدخل المباشر في الشئون السياسية وضرورة بقاء
الشعب في الميادين لضمان تنفيذ مطاله في المرحلة الانتقالية.


6- حول موقف الولايات المتحدة الأمريكية:


█ فوجئت الولايات المتحدة بثورة يناير 2011، ولكنها كانت تحضر لسيناريوهات
التغيير في مصر قبل ذلك عندما شعرت بشيخوخة نظام مبارك، لذلك تدخلت فور
الإطاحة به لتشكيل تحالف بين المجلس العسكري السابق والإخوان المسلمون
لتمهيد الطريق لتسليم الإخوان السلطة بعد تعهدها بضمان تحقيق مصالح
الولايات المتحدة وضمان أمن إسرائيل والاستمرار في النهج الاقتصادي
النيوليبرالي المعادي لمصالح الجماهير الشعبية.


لكن الولايات المتحدة اكتشفت بعد فترة مدى عجز هذه الجماعة عن إدارة شئون
الحكم وعدم وجود كفاءات لديها وإصرارها على التحالف مع الجماعات الجهادية
بدلاًً من الاتجاه للتحالف مع القوى الليبرالية وتوحيد الطبقة الرأسمالية
الكبيرة بشرائحها المختلفة في نظام مستقر يقوم على تداول للسلطة يدور في
فلك هذه الطبقة ويضمن مصالح أمريكا. كما أنها حرصت في نفس الوقت على ضمان
مصالح وامتيازات المؤسسة العسكرية لتضمن ولاءها.


ولكن الولايات المتحدة كانت تخشى في نفس الوقت من استمرار الوضع الثوري في
مصر وزيادة حجم الاحتجاجات وتصاعد الرفض الشعبي لحكم الإخوان. لذلك قامت
بالضغط على جماعة الإخوان للقيام بإصلاحات، وعلى قوى المعارضة الليبرالية
وخاصة الممثلة لمصالح الرأسمالية الكبيرة في أحزاب الوفد والمصريين الأحرار
والدستور للإسراع بالانتخابات البرلمانية وفض تحالفها مع قوى اليسار ورفض
التوجهات الثورية لحركات الشباب التي ترى أنه لا يمكن تحقيق أهداف الثورة
واقتلاع نظام الإخوان بدون الثورة الشعبية الكبيرة عليه ومقاطعة
الانتخابات.


وعندما نجحت “حملة تمرد” وفكرتها العبقرية لسحب الشرعية من مرسي وضعت
الجميع في مأزق حينما استجابت لها فئات واسعة من الشعب والقوى السياسية مما
حسم تردد كل الأحزاب والقوى خلف الخيار الشعبي لإسقاط مرسي وإجراء
انتخابات رئاسية مبكرة. ذلك المطلب الذي تصاعد إلى إسقاط نظام الإخوان
وتغيير الدستور وتصحيح مسار الثورة من خلال شرعية ثورية جديدة ومرحلة
انتقالية جديدة على أساس صحيح.
ولم يكن في مخيلة الإخوان أو الأمريكان أو الجيش وحتى قوى المعارضة
السياسية والشبابية أن حجم الاستجابة الشعبية سيكون بهذا الحجم الجبار الذي
فرض على الجميع ضرورة تنفيذ إرادته.


ونحن نعلم أن الولايات المتحدة ضغطت بشكل سافر على قيادات الجيش والقوى
السياسية الليبرالية لعدم الإطاحة بمرسي والاكتفاء بإجراء إصلاحات كبيرة
إلا أن الوقت قد فات وأدرك الجميع أن الشعب قال كلمته وأن البديل سيكون
تصاعد الحرب الأهلية وتصاعد الإرهاب والفتنة الطائفية ويفتح الباب أمام
التدخل الأجنبي.


وأدى هذا إلى الوصول إلى هذه النقطة الحرجة التي أدت إلى إسقاط مرسي وتدخل
الجيش بشكل يخدم أهداف الثورة في هذه المرحلة. والملاحظ أن هذه هي المرة
الأولى التي يعصي فيها الجيش المصري أوامر أمريكا لأنه أدرك طبيعة المخاطر
الكبرى التي تحيق به وبالوطن إذا تراجع عن تأييد الثورة.


وتدرك القوى الوطنية والديمقراطية أن قيادات الجيش لها مصالح وامتيازات
تريد الحفاظ عليها، كما تريد أن يكون لها دور في الحكم بدون تدخل سياسي
مباشر. ونحن نرى أن هذا لابد من مراعاته في هذه المرحلة مع التأكيد على
تصحيح الأمور تدريجياً خلال المرحلة المقبلة.


إننا نتوقع أن الولايات المتحدة سوف تشجع في الفترة الحالية الحرجة
المؤامرات لإشعال الفتنة والاقتتال وتشجيع هذه الجماعات لإثارة الفوضى
لتحقيق مخططات الفوضى الخلاقة وتحويل مصر إلى عراق آخر وهو كمما حدث وتكشف
في مؤامرة الجمعة 5 يوليو. تلك المؤامرة التي يطلق عليها الشباب “العدوان
الثلاثي: الأمريكي – الإسرائيلي – الإخواني” على شعب مصر حيث كانت تلك
الخطة تهدف إلى إجهاض الثورة وإعادة مرسي للحكم وإشاعة الفوضى والإرهاب من
خلال مظاهرات تحتل ميادين التحرير بالسلاح والإرهاب، وإطلاق حملة إشاعات
وحرب معلومات كاذبة لم تشهد لها مصر مثيلاً لإحداث انقسام بين الشعب والجيش
وداخل الجيش نفسه، والتآمر مع الجماعات الجهادية في سيناء لإعلانها منطقة
محررة بالتواطؤ مع إسرائيل والجماعات الإسلامية في غزة.


وقد عاشت مصر ساعات حرجة بعد خطاب الإرهاب والترويع الذي أطلقه مرشد
الجماعة الفاشية في أنمصاره عند ميدان “رابعة العدوية” في مدينة نصر
بالقاهرة. وكان هذا إشارة بدء هذه المؤامرة الكبرى للانقلاب على الإرادة
الشعبية. وقد لعبت قناة CNN وكذلك قناة BBC العربية دورا خطيراً في هذه
المؤامرة. ولكن الشعب والجيش استطاعا إجهاض هذه المؤامرة وتم اكتشاف الدور
المخزي لأمريكا وخيانة الإخوان المسلمين للشعب والوطن مما يعد ضربة كبرى
للمخططات الأمريكية والإمبريالية في المنطقة، وتأكيد لانتصار الثورة
والإرادة الشعبية على قوى الثورة المضادة.


7- حول الرئيس المؤقت “عدلي منصور”


█ هو رجل قضاء مشهود له بالنزاهة والكفاءة لم يصرح بأي مواقف سياسية أو
انحيازات معينة. والخطاب الذي ألقاه بعد حلفه اليمين وتوليه مسئوليته كرئيس
مؤقت للمرحلة الانتقالية هو خطاب جيد وإيجابي حيث أكد أن من كلفه “هو
الشعب وحده” كما أن السلطات الممنوحة له هي سلطات شرفية ولكن السلطات
الفعلية ستكون لرئيس الحكومة الذي تتوافق عليه القوى الوطنية والشبابية،
والذي سيكلف بتنفيذ المهام التي توافقت عليها القوى الوطنية والديمقراطية
الاجتماعية. وعلى رأس أولوياتها وقف الانهيار الاقتصادي وتنفيذ المطالب
العاجلة للكادحين وتوفير الأمن.


ونحن نرى ضرورة استمرار الضغط الشعبي في الميادين وهو ما أكده البيان الذي
أعلنه السيسي من حماية حق التظاهر السلمي، وذلك لضمان عدم الانحراف عما تم
الاتفاق عليه والحرص على عدم تدخل الجيش إلا في الحدود المتفق عليها لضمان
نجاح هذه المرحلة الانتقالية الصعبة.


8- التحديات الرئيسية أمام حزبنا:


█ هي ضرورة توحيد قوى اليسار في المقام الأول لمواجهة الاستحقاقات الكبيرة التي تواجهنا في هذه المرحلة وأهمها:


1) ضمان تحقيق أهداف ومهام المرحلة الانتقالية.


2) التوافق على مرشح واحد للقوى الوطنية والديمقراطية لخوض معركة الرئاسة.


3) تشكيل جبهة من القوى اليسارية والناصريين والحركات الشبابية والمنظمات
النقابية وتحضير قوائم مشتركة لخوض معركة الانتخابات البرلمانية والمحلية
القادمة والضغط من أجل عدم التراجع عن تصحيح مسار الثورة في المرحلة
الانتقالية.


4) السعي لاستكمال وتطوير البناء الحزبي وتجديد دمائه وتطوير برنامجه لكي نستطيع مواجهة التحديات الكبيرة التي تواجهنا.