المنشور

«صوت البحرين» والمسألة الطائفية


حَظيتْ المسألة الطائفية بمكانةٍ خاصة في اهتمامات هيئة تحرير «صوت البحرين»، والحق أن رسالة المجلة، من حيث كونها رسالة وطنية تنويرية نهضوية عروبية الانتماء وإنسانية الهوى، كانت مؤسسة على نبذ الطائفية، وعلى القارئ لأعداد المجلة أن يلمس هذا التوجه في مقالات ومعالجات المجلة كافة، وليس بالضرورة تحت العناوين المكرسة للمسألة الطائفية.





وعلى نحو ما أشرنا في مفتتح هذه السلسلة من القراءات في «صوت البحرين»، فان المجلة صدرت في مرحلة كانت نذر الفتنة الطائفية تطل برأسها، وأن «صوت البحرين» لعبت دور رأس الحربة الفكري والثقافي في التصدي لها، قبل أن يتحول الأمر إلى عمل وطني ميداني واسع النطاق قادته حركة هيئة الاتحاد الوطني، بما تمثله من أهمية في التاريخ الوطني والسياسي للبحرين.


وكعينةٍ على تناول المجلة للمسألة الطائفية سنقف هنا أمام مقال نُشر في عددها الأول، ووُقع باسم مستعار، هو: «إبن ثابت»، والحق أن ظاهرة النشر بأسماء مستعارة تُلفت نظر المتصفح لأعداد المجلة، وأرجح شخصياً أن تكون هذه الأسماء المستعارة عائدة لبعض أعضاء هيئة تحرير المجلة، ومن بينهم بالذات المرحوم حسن جواد الجشي، وهو ما سنأتي عليه في حديث لاحق.


تبدأ معالجة الكاتب للمسألة الطائفية بمقدمة رصينة، هي أقرب إلى المطالعة الفكرية، منها إلى المناشدة العاطفية، فالكاتب يلفتنا إلى أن علماء الاجتماع يفرقون بين المجتمع والجماعة، وإذا كان كل مجتمع جماعة، فانه ليس كل جماعة مجتمعاً، ولا يبدو هذا القول مجرد تنظير، فلكي يقرب الكاتب الفكرة من أذهان القارئ، يقول: «هذه السيارات، مثلاً، تعمل بين المنامة والمحرق، أو بين المنامة وأي مكان آخر، فتمتلئ في كل ساعة من ساعات اليوم، بأنماط شتى من الناس، فهل تؤلف كل جماعة من (هؤلاء) مجتمعاً لمجرد أن سيارة جمعتها؟».


الجماعة لا تحمل طابع الاستقرار وغير منظمة ولا يجمع بين أفرادها أغراض مشتركة، أما المجتمع فدائم ومنظم، وهو ثابت نسبياً، ومن هذا يخلص الكاتب إلى ما يعانيه المجتمع في البحرين يومها، والحق ما يعانيه اليوم أيضاً، حيث يغيب المجتمع، برأي الكاتب، وتسود الطوائف والجماعات المتنافرة المتنابذة، وهو يشير إلى ما جرى في أول انتخابات بلدية جرت في المنامة يومذاك، «فدس العنصر الطائفي أنفه فيها، وحرك فتنة خامدة وزاد شقة الخلاف اتساعا». ويعطي الكاتب مثالاً أخر: «وهذه الوظائف الحكومية يتصارع عليها أفراد الطائفتين، فإذا ظفر أحد منهم بمنصب مرموق، انطلقت الألسن تحتج وتتهم»، ويلقي باللائمة على من ينعتهم بـ»الطائفيين» الذين يبدون وكأنهم لا عمل لهم (سوى خلق) المهاترات الطائفية التي تتطور إلى عداء مستحكم».


ويحذر الكاتب من بعض الطائفيين «الذين يبعثون بين حينٍ وآخرمسائل الخلافات التاريخية من مراقدها، وينشرونها في كتبٍ مبسطة للعامة، أو في مجلات رائجة بينهم». وهؤلاء، حسب الكاتب، «معاول هدامة في كيان الحياة القومية، من واجب المسلمين غير الطائفيين ألا يترددوا في الكشف عن زيغهم وفساد طواياهم»، ليخلص إلى أن الرسول «لم يكن شيعياً ولا سنياً، وإنما كان مسلماً، فليكن كل منكم مسلماً، لأن روح الإسلام الحقة كفيلة بتصافيكم وتدانيكم».


لو فكر أحدنا أن يكتب عن الشأن الطائفي اليوم، هل سيجد أبلغ من هذه المطالعة الرصينة العائدة إلى ستين عاماً مضت؟