المنشور

بين تخفيف الاحتقان ومعالجة الأزمة

 
هناك مستويان متداخلان ومترابطان للأزمة السياسية المحتدمة في الكويت، ومن الضروري التمييز بين هذين المستويين والتفريق بينهما، وذلك ليس فقط من باب التوصل إلى تحليل موضوعي دقيق للأزمة، وإنما للتوصل إلى مخارج واقعية لتجاوزها … فهناك من جهة حالة الاحتقان التي تعانيها الحياة السياسية خلال الأشهر الأخيرة وذلك جراء محاولة السلطة الانفراد بتغيير النظام الانتخابي وتفصيله على مقاسها… وهناك المستوى الآخر لهذه الأزمة الذي يتمثّل في تفاقم التناقض غير المحسوم تاريخيا بين نهج المشيخة من جهة، وهو النهج الذي عفا عليه الزمن ولم يعد قادرا على إدارة الدولة الحديثة، وبين متطلبات التطور الديمقراطي للمجتمع الكويتي من جهة أخرى، حيث لم يعد بالإمكان تجاهل هذه المتطلبات أو القفز عليها.

صحيح أنّه يمكن أن يتم تخفيف حدّة الاحتقان عبر إصدار مرسوم بدعوة الناخبين إلى انتخاب أعضاء مجلس الأمة المقبل وفق النظام الانتخابي القائم من دون تغيير، أو عبر بيان رسمي واضح وصريح يصدره مجلس الوزراء يعلن التزامه فيه بإجراء الانتخابات المقبلة وفق نظام الدوائر الخمس وآلية تصويتها الحالية من دون تغيير، إلا أنّ السلطة تدرك جيدا بعد تجربة مجلس 2012 أنّ انفرادها بتغيير النظام الانتخابي هو الطريق الوحيد المتبقي أمامها لمنع وصول كتلة واسعة من الغالبية النيابية المعارضة لها، التي ستفرض عليها خلال أسابيع تقديم تنازلات سياسية من حيث تشكيل الحكومة وحجم المشاركة النيابية فيها، بل ربما رئاستها، ناهيك عن قدرة الغالبية على إصدار تشريعات متعارضة مع التوجّه السلطوي، ما يدفع السلطة إلى تكرار حلّ المجلس المقبل لعدم قدرتها على التعامل معه، مثلما عجزت عن التعامل مع سلفه المبطل… وفي المقابل فإنّ السلطة تدرك مدى صعوبة مضيها في محاولتها الأخيرة للانفراد بتغيير النظام الانتخابي، وهي تخشى التداعيات التي يمكن أن تحدث في حال صدور مرسوم بقانون لتغيير آلية التصويت، بدءا من الأعمال الاحتجاجية، مرورا بالمقاطعة الانتخابية، وانتهاء بتفاقم الأزمة السياسية وبلوغها مستويات جديدة غير مسبوقة لا يمكن التنبؤ فيها ولا تقدير عواقبها.

وبذلك، فإن تراجعت السلطة عن محاولتها الانفراد بتغيير النظام الانتخابي، فإنّ هذا التراجع سيحدث تغييرا لغير صالحها على ميزان القوى السياسي، ولاحقا ميزان القوى الانتخابي، ثم النيابي، ما سينعكس بالضرورة على حسم التناقض التاريخي القائم بين نهج المشيخة ومتطلبات التطور الديمقراطي للمجتمع الكويتي، وهذا ما ترفضه السلطة في ظل استمرار سطوة عقلية المشيخة؛ وتحاول أن تدرأه عبر انفرادها بتغيير النظام الانتخابي، وبذلك ستعود مجددا إلى النقطة التي لم تبتعد عنها كثيرا… وهكذا يتضح أنّ الأزمة السياسية المحتدمة في الكويت إنما هي بالأساس أزمة نهج المشيخة وعدم قدرته على مواكبة التطور الديمقراطي وعجزه عن تلبية استحقاقاته… ويزيد هذه الأزمة تعقيدا وصعوبة أنّ السلطة اليوم لم تعد قادرة مثلما كانت سابقا على اللجوء مجددا إلى القوة في التزوير المباشر للانتخابات، كما فعلت في انتخابات مجلس الأمة الثاني في العام 1967، وفي الوقت ذاته فإنّ السلطة لا تستطيع الآن أن تفرض بالقوة سلطة الأمر الواقع عبر الانقلاب الصريح على الدستور، كما فعلت مرتين في العامين 1976 و1986، خصوصا بعد أن أدركت حجم المعارضة الشعبية لمحاولتها الأبسط للانفراد بتغيير النظام الانتخابي، ولكنها مع ذلك ليست في وارد التخلي عن نهج المشيخة والاستجابة لاستحقاقات التطور الديمقراطي ومتطلباته… وهكذا فقد ضاقت خيارات السلطة، ولعلّها أصبحت أمام خيارين محددين، إلا أنّ أحلاهما مُرّ، وهي بالتأكيد ستتجرع كأس المرارة عاجلا أم آجلا.


جريدة عالم اليوم 18 اكتوبر 2013