المنشور

جدل السياسي والثقافي


يبدو
مفهوماً أن يجري السؤال عن دور المبدعين والمثقفين، الكبار والمرموقين
منهم خاصة، في التحولات الجارية في العالم العربي اليوم، لجهة التأثير فيها
أو التفاعل معها، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار حقيقة أن الجزء الأكثر
توهجاً في المنتوج الابداعي العربي في الرواية والقصة القصيرة والشعر، خلال
العقود الماضية، توجه نحو فضح ومناهضة صور الاستبداد وغياب الحرية في
البلدان العربية، وكانت الكثير من الأسماء والأعمال الأدبية ملهماً لأجيال
من الشبان العرب في تبني دعوات الحرية والتقدم، والتوق إلى غدٍ ديمقراطي في
بلدانهم.






هذا ما جسدَّته روايات وقصص وأشعار الكتاب المصريين مثلاَ،
فلا يمكن أن نغفل مثلاً أثر أعمال روائي مهم مثل صنع الله إبراهيم وبهاء
طاهر ورضوى عاشور ومثلهم الكثير من الأسماء البارزة في دنيا الابداع في
مصر. هذا القول ينطبق أيضاً على تونس: مهد التحولات العربية، التي قدمت لنا
أعمالاً مهمة في هذا السياق. وحدث هذا في سوريا وفي العراق وفي المغرب وفي
البحرين وفي بلدان عربية أخرى عديدة. 


بل أن الروائي الجزائري المعروف
واسيني الأعرج يرصد في روايته: «جملكية آرابيا»- ظاهرة تحول الجمهوريات
العربية إلى أنظمة وراثية مجدداً، وهو السيناريو الذي تمَّ تجريبه في
سوريا، وكانت العدة تعد لتعميمه في مصر وليبيا واليمن، وربما في غيرها من
الدول، وكان هذا أحد المظاهر الصارخة لما بلغه الاستبداد في العالم العربي
من إستخفاف بشروط اللعبة السياسية، ومن الاستحواذ على المال العام، والتصرف
بلدان بأكملها كما لو كانت عزباً شخصية أو عائلية.


يمكن الحديث هنا،
أيضاً، عن روائي عربي آخر مهم هو عبدالرحمن منيف الذي أقامت رواياته
الأخيرة الأقرب إلى الملاحم، ك»مدن الملح»، و»أرض السواد»، معماراً روائيا
ممتدا في التاريخ لتقصي جذور الاستبداد، والتحولات المشوهة في العالم
العربي.


غاية القول أن الإبداع العربي، كما حزء كبير من الفكر العربي
المنتج في العقود الماضية، كان له إسهام لا يمكن إغفاله في إشعال جذوة
الوعي، وفي تقديم بانوراما عن تحولات الواقع العربي وتعقيداته. ولا يقتصر
الأمر على المنتج الإبداعي او الفكري وحده، فالعديد من المثقفين كانوا
منخرطين في العمل السياسي الميداني للمطالبة بالديمقراطية، يمكننا هنا
الاستشهاد بدور المثقفين التقدميين في سوريا في إطلاق ما جرى التعارف عليه
ب»ربيع دمشق»، الذي سبق الربيع العربي بنحو عقد من الزمان، حيث وقع
المثقفون السوريون على بيان 99، الداعي للحقوق المدنية والانفتاح، قبل أن
يصار إلى وأده هذا التحرك بالقمع، حيث سجن العديد بعد ذلك. 


لم يكن
القمع نصيب المثقفين ورجال الفكر في سوريا وحدها، لقد حدث هذا في مختلف
البلدان العربية، حيث واجه المثقفون العرب الضغوط من أجهزة الدولة، وكذلك
من التيارات المحافظة التي إزداد تغوُلها في المجتمع، وقد أفلح هذا القمع
في تحييد أصوات كثيرة، ولكنه في الإجمال أخفق في أن يصادر من الأدب العربي
روحه النقدية رغم قسوة الظروف.