المنشور

رحل بصمت كما عاش

يوم الجمعة 29 نوفمبر من العام الجاري رحل بصمت وشيع إلى مثواه الأخير وبحضور كبير من الأهل والمعارف سيد موسى عبدالله علي أحد المناضلين ضد السلطات الاستعمارية البريطانية. والذي اعتقل في سنة 1960 ضمن حملة اعتقالات شنتها السلطات الاستعمارية ضد جبهة التحرير الوطني البحرينية شملت، الى جانب سيد موسى، المناضل علي مدان وأخوه حسن وحسين قائد وفريدون زينل ومجيد حبيب.

وقد حكم على مدان وأخيه حسن بخمسة وثلاث سنوات سجن والنفي. أما سيد موسى والآخرون فقد صودرت منهم جوازاتهم وكل الأوراق الثبوتية وتم نفيهم دون محاكمة إلى إيران ، حيث اعتقلوا هناك من قبل جهاز السافاك السيئ الذكر وتعرضوا لمعاملة سيئة وتحقيقات مطولة ودام سجنهم أشهر عديدة. ولولا الحملة التضامنية ووقفة أهاليهم معهم وسفر العديد منهم إلى إيران للتحري والاستفسار عن أبنائهم والمطالبة بالإفراج عنهم، لاستمر احتجازهم ونسيوا في غياهب سجون السافاك. وقد تكللت تلك الجهود بالنجاح وتم الإفراج عنهم، خاصة إن أي من المعتقلين لم يكن له أية صلة بإيران وشئونها.

وقد التقيت وتعرفت لأول مرة على سيد موسى في الدوحة بقطر في بداية سنة 1962،حيث استقر هو ورفيقاه حسين قائد وفريدون زينل بعد خروجهم من إيران وعدم السماح لهم بالعودة إلى البحرين. التقيت به في محله للتصوير(أستوديو) الذي كان في سوق الدوحة قرب فندق «بسم الله». كان قليل الكلام هادئ الطبع حسن المعشر متابع للأخبار الإقليمية والعالمية، يحب القراءة والاطلاع.

كان سيد موسى وبقية الأخوة المنفيين ما زالوا منهمكين بترتيب العمل والاستقرار، والمتزوجون منهم مهمومون بأمور جلب أسرهم إلى الدوحة. وكل ذلك كان مصحوبا بمعاناة نفسية شديدة لأنهم غير مطمئنين في الاستمرار في العمل أو حتى في بقائهم في قطر إضافة إلى حرمانهم من حق العودة إلى الوطن. يضاف إلى ذلك الحزن والأضرار النفسية لأسرهم وأهلهم وأقاربهم بسبب إبعاد أولادهم خارج البحرين. على عكس بقية البحرينيين، الذين كانوا يتنقلون في ذلك الوقت إلى دول الخليج الشقيقة مثل قطر والإمارات والكويت والسعودية للبحث عن عمل ودخل أفضل وشعورهم أن الانتقال مؤقت وان بإمكانهم السفر إلى البحرين في أي وقت. هذا الشعور كان يخفف عليهم صعوبة فراق الأهل والأحبة.

هذا جزء يسير من معاناة السياسي المنفي خارج وطنه وما عاشه وقاساه وتحمله من آلام نفسية وصعوبات عدة في حياة الغربة والشتات.

وللأسف لم تدم علاقتنا في الدوحة طويلا إذ سافرت في صيف العام 1963 للالتحاق بالجامعة. وبعد إعلان استقلال البحرين وانتخاب المجلس الوطني عاد سيد موسى وحسين قائد إلى البحرين واعيد لهما الجواز البحريني.

وقد التقيت سيد موسى مرة أخرى العام 2001 بعد عودتي إلى البحرين على أثر صدور الأمر الأميري بالعفو العام وعودة المنفيين من الخارج. وكان طبعه قبل عقود: قليل الكلام هادئ في الحديث دمث الأخلاق.

سيد موسى، حاله حال المئات من المناضلين الوطنيين في تلك الفترة الصعبة من النصف الثاني من القرن الماضي، لم يبخلوا وضحوا في سبيل الوطن ولمستقبل أفضل لشعبنا، وان كان العديد منهم لم يستمر تنظيميا في النضال ولأسباب مختلفة توقف في مرحلة ما، إلا إنهم لم يدخلوا في مهاترات ومزايدات ليبرروا وطنيتهم ويبالغوا في دورهم النضالي. لأنهم أدوا واجبهم قدر المستطاع بقناعة ومدفوعين بحبهم للوطن وناسه الطيبين وليس بدافع مصلحة شخصية.

إن ما تحقق من منجزات وتحولات – انسحاب المستعمر وإعلان الاستقلال عام 1971 والتحول نحو الحياة البرلمانية والديمقراطية – هو بحق نتيجة تضحيات كل مناضل- امرأة ورجل، مهما كانت مساهماتهم صغيرة أو كبيرة، قصيرة أو طويلة المدى.

وان تاريخ البحرين الحديث لن يكتمل دون تدوين كل هذه المساهمات، وعلينا جميعا حق تدوين ذلك تقديرا واحتراما لكل من ساهم وضحى من أجل حرية واستقلال وتقدم ورفاه شعبنا كل شعبنا. رحم الله سيد موسى والصبر والسلوان لأهله وأحبته