المنشور

ثورة الكادحين

حبيب السنافي

حبيب السنافي

يسأل مواطن غربي صديقه العربي عن طموحاته بالعام الجديد، فيجيب له العربي: وظيفة وبيت وزوجة.

ليرد عليه الأميركي مستغرباً: هذه حقوقك، أنا أسألك عن طموحاتك!

ثورات الربيع العربي انطلقت شرارتها من
مناطق منكوبة ومهضومة تضم مواطنين بسطاء، بالكاد يستوفون لأنفسهم أدنى
متطلبات الحياة ويحلمون بما يسدون به رمقهم وما يؤمّن لهم قوت يومهم، لا
أكثر، هذه الطبقة المسحوقة – وربما يشتد الفقر، ليشمل الطبقة الوسطى أو
مراتبها المتدنية- أصابها اليأس والقنوط، وتنتظر أي فرصة أو زلة أو حادثة
لتجلجل بهدير الثورة والرفض لاستمرار الخنوع والخضوع للطبقة الحاكمة أو
المسيطرة، سياسياً واقتصادياً، والقابضة على مفاصل الدولة ومؤسساتها
والمتولية للمناصب الرفيعة والقيادية، هذه الطبقة المغلوبة على أمرها،
والتي قهرت واستغلت حتى أضحى طابور رغيف الخبز جزءاً من طقوسها اليومية،
وأمسى حلم شبابها امتلاك عربة خضار على قارعة الطريق وسيلة للرزق تتصدق بها
الطبقة المتخومة والغاصة بالفساد.

هذه الطبقة العريضة من الشعوب العربية على
مدى عقود طويلة رزحت تحت ضغوط اجتماعية واقتصادية انهكتها وحرمتها من أبسط
حقوقها الإنسانية والقانونية، وسخرتها لخدمة الطبقات الاجتماعية الأرفع،
وفرضت عليها القبول بالواقع الاجتماعي المتخلف، وأضحت طموحات أفرادها
الاكتفاء بخربة يسكنونها أو هجرة للخارج غير مضمونة العوائد.

تناضل هذه الطبقة المتآكلة اقتصادياً،
والمحتقرة اجتماعياً، والمنسية من التنمية بأشكالها، من أجل الحصول على
حقوقها المحرومة منها، ومطالبها حثيثة للطبقة الحاكمة والمتنفذة المتحزمة
بالمال والسلطة بمنحها الفرصة لتوفير حياة كريمة وتغيير نمطية حياتها
الرازحة تحت وطأة الديون والفقر والجهل والبطالة، وأن يستمع لصوتها المكبوت
الذي لا يصغى إليه إلا بالمواسم الانتخابية، حينها تتكالب عليها أطماع
المرشحين، استغلالًا للوصول للبرلمان لتحقيق أطماعهم وجشعهم على حساب هذه
الطبقة المتهالكة.

أعتقد بأن السبب الرئيسي للثورات العربية،
وحتى من غيرها من الثورات التي نتابع أحداثها بأصقاع العالم، كما في
أوكرانيا وتايلند، أن الطبقات الاجتماعية الأرفع والبرجوازية، والتي
أحياناً تتخندق بالمذهبية والقبلية تدافع بأنانية عن مصالحها ومميزاتها
بحرمان الطبقة الكادحة من أسباب التقدم والتطور، خوفاً من المشاركة
والمنافسة على السلطة والمنصب، واعتبارها ترساً في آلة الإنتاج، لا أكثر،
وإقناع الطبقة الكادحة بفتات الحرية والتعليم وبقية الاحتياجات الإنسانية
الضرورية، وإبقاء هوة عميقة بين الطبقات، لإلهائها بالصراع الطبقي، ورسم
حواجز تمنع وجود طبقة متوسطة عريضة تهدد مصالحها.

في المجتمعات المتقدمة المستقرة سياسياً
هناك عملية تواصل وتفاعل في ما بين الطبقات الاجتماعية، وفرص التقدم
والمشاركة متاحة، من خلال الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، ما يتيح للطبقات
السفلية والمواهب والكفاءات المتعددة بالبروز ونيل نصيبها من الاهتمام
والترقي وتأمين مستقبلها وتكوين الثروة بجهدها، وبالتالي تقليص الفوارق
الطبقية وزيادة الاندماج والمشاركة بين أفراد الطبقات في مشاريع وخطط
التنمية، وإعطاء الأولوية لها في برامج التنمية وتطوير البنى التحتية، ما
يتيح ويبيح للجميع التنعم بالثروات، ويرسخ الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي
للكيانات السياسية.