المنشور

بسبب تحميلهم رسوم الدعوى .. العمال بين مطرقة الفصل و سندان القضاء


نظم قطاع النقابات العمالية والمهنية في المنبر الديمقراطي التقدمي في يوم السبت الموافق 8 فبراير 2014 حلقة حوارية تحت عنوان ( حق العامل بين الحماية القضائية وتحميله تكاليف الدعوى ) شارك فيها نخبة من دوي الاختصاص من نقابين و قانونيين وتحدث فيها عدد من العمال عن معاناتهم من ملاحقة وزارة العدل لهم بإجراءات التنفيذ الجبرية لتسديد قيمة رسوم الدعاوى التي رفعوها  .

 وتأتي هذه الحلقة الحوارية كأحدى الفعاليات العمالية التى درج قطاع النقابات في المنبر الديمقراطي التقدمي في الفترة الاخيرة على إقامتها لتسليط الضوء على جملة من القضايا والمشكلات التي تواجه العمال بعد اقرار قانون العمل الجديد والبدء في تطبيقه  في اغسطس من العام 2012 .

و سنركز في هذا المقال على الاثار السلبية الناجمة عن تطبيق المادة 6 من قانون العمل المتعلقة بتحميل العامل رسوم الدعاوى في حالة رفض دعواه وما طرحته الحلقة الحوارية من توصيات للحد من هذه الاثار و إزالتها.

فلقد شرع قانون العمل الجديد لأول مرة إلى مسالة التقاضي في المحاكم العمالية على درجة واحدة خلافا لما هو جاري عليه العمل في القضاء التجاري والمدني وحتى الشرعي الذي يتم فيه نظر النزاع على مرحلتين. فحسب المادة 134 من القانون فأن الاحكام الصادرة من المحكمة الكبرى هي احكام نهائية غير قابلة للاستئناف ولا يجوز الطعن عليها إلا بالتمييز ومحكمة التمييز هي محكمة قانون وليست محكمة موضوع .

لذلك فلقد رأى المشاركون ان من الاهمية بمكان ان يكون  القضاء العمالي قضاء متخصص يوكل مهمة القضاء فيه إلى من هم اصحاب الكفاءة العليمة والخبرة الطويلة في هذا المجال سواء بالنسبة إلى مرحلة إدارة الدعوى العمالية او بالنسبة إلى  المحكمة التى تفصل في النزاع بعد أحالته اليها لعدم  تسوية النزاع ودياً امام قاضي إدارة الدعوى . وهو ما ليس متوافر في الوقت الحاضر لكون اغلب قضاته هم أما من قليلي الخبرة و إما هم ممن تكون خبرتهم القضائية بعيدة عن المجال العمالي وهذا يؤثر من دون شك سلباً في نوعية الاحكام التي تصدر ويضر بالحماية القضائية للعامل وهو الطرف الاضعف في العملية الانتاجية.

وبالنسبة إلى المادة  6 من قانون العمل الجديد التي تحمل العامل مصاريف الدعوى العمالية فأن حكم هذا المادة جاء متراجعاً عما كان عليه الحال في قانون العمل القديم الذي صدر في عام 1976 الذي اعفى العامل من الرسوم القضائية وأعطى إلى القاضي الحكم عليه بالرسوم بشكل جزئي او كلي على عكس المادة 6  التي ألزمت العامل بالرسوم اذا ما خسر الدعوى وألزمت القاضي بالحكم عليه بالرسوم وبهذا يتراجع القانون عن مبدأ إعفاء العامل من رسوم الدعوى العمالية إلا في حالات محددة  مثل كيدية الدعوى او التعسف فيها.

ولذلك فقد رأى المشاركون ان قانون العمل الحالي هو من أسوء القوانين العمالية التي صدرت في البحرين فلقد شرع فعلياً إلى حرمان العامل من اللجوء الى القضاء للحصول على الحماية القضائية وهو الطرف الاضعف في عملية الانتاج مما اثر على امكانية العامل في تحصيل حقوقه ومستحقاته . ولذلك يلاحظ انكفاء  العمال وترددهم في اللجوء إلى القضاء خوفاً من تحميلهم رسوم الدعوى التي تشكل عبأ ماليا إضافيا عليهم في الوقت الذي يكون فيه العامل عندما يلجأ للقضاء مفصول من عمله بلا اي مصدر للرزق وغير قادر على إعالة اسرته او دفع ديونه  أو الانتظام في دفع اقساط القروض المستحقة عليه للبنوك.

و ما زاد الطين بله هو التفسير الواسع الذي لجئت اليه المحكمة العمالية في تفسيرها لنص  المادة 6 من القانون المتعلقة بإلزام العامل بالرسوم . فالمادة تنص على الزام رافع الدعوى بالمصروفات كلها او بعضها في حالة رفض الدعوى أي رفض الدعوى من حيث الموضوع كما يراه  المشاركون وليس من حيث الشكل كرفض الدعوى لعدم الاختصاص او عند رفض بعض طلبات العامل وهو ما يعد توسع في تطبيق هذا النص على حالات لا يشملها النص .

لقد كان اعفاء العامل من الرسوم دائماً هو الاصل في قوانين العمل سواء في البحرين او القوانين العربية وحتى المادة 6 من القانون الحالي فهي تنص في فقرتها الأولى على ان تعفى من الرسوم كافة الدعوى العمالية التى يرفعها العمال والمستحقون عنهم ولذلك يجب ان يوضع حكم الماد ة  6 من هذا القانون في سياقه الطبيعي كحالة استثناء من الاصل لا يجب التوسع فيها.

وعلى عكس القانون السابق فأن القانون الحالي قد تم إقراره من قبل السلطة التشريعية بغرفتيها مجلس الشورى ومجلس النواب وفي البدء اقر مجلس النواب إعفاء العامل من الرسوم إلا في حالة كيدية الدعوى وعند مناقشة المادة  امام مجلس الشورى تصدى اصحاب الاعمال وبعض القانونين لهذا النص واجروا عليه تعديل يلزم العامل برسوم الدعوى في حالة رفض الدعوى . و كان تبريرهم هو صعوبة اثبات الكيدية من قبل المحكمة وهذا غير صحيح وعندما عرض التعديل امام مجلس النواب لم يرفض التعديل ولم يصر على موقفه ولذلك اقر نص المادة 6 بالصيغة الحالية .

و ما اثقل كاهل العمال ايضاً في هذه المسالة هو عدم تفعيل نص المادة 160 من القانون المتعلقة بهيئة التحكيم المختصة بالنظر في النزاعات الجماعية وهو ما اضطر العمال المفصولين إلى تقديم دعواهم إلى القضاء مباشرة التي حكمت بدورها  بعدم اختصاصه بنظر النزاع وألزمتهم رسوم الدعوى .

وعن معاناة العمال مع إجراءات التنفيذ الجبرية التي تمت ملاحقتهم بها من قبل وزارة العدل تحدث عدد من العمال فجاءت شهادتهم تكشف عن أن العمال ليسوا فقط الطرف الاضعف في عملية الانتاج والتعاقد وإنما هم ايضاُ الطرف الذي لا يوجد من يمثله في السلطة التشريعية او يدافع عن مصالحه ولذلك لا ينظر لحقوقه و مصالحة عند اعداد القوانين والتشريعات .

من هذه الشهادات جاءت شهادة صادق يوسف عبدالوهاب وهو مهندس كان يعمل في شركة امريكية من سنة 2009 وفي سنة 2012 تم فصله من عمله عن طريق الاتصال به هاتفياً من نيويورك وإبلاغه بالاستغناء عن خدماته وقيل له بان مركزه الوظيفي اصبح فائض عن الحاجة . يقول وكلت محامي و رفع الدعوى وبسبب وجود خطأ في محضر جلسات المحكمة تم شطب الدعوى و رفعت دعوى اخرى بعد العمل بالقانون الجديد وقد رفضت بسبب سقوط الدعوى بالتقادم . و قد حكمت علي المحكمة بان ادفع رسوم الدعوى وقدرها 2031.500 دينار ( الفين وواحد وثلاثين دينار وخمسمائة فلس ) وقد تقدمت بخطاب إلى سعادة وزير العدل بطلب إعفائي من الرسوم وتم رفض طلبي وأنا اليوم مهدد اما الدفع وإما الحبس .

حسين علي وهو احد مفصولين شركة البا قال تقدمت بدعوى وتم رفضها وانا الان مطلوب الي وزارة العدل بمبلغ 630 دينار ( ستمائة و ثلاثين دينار ) عن رسوم الدعوى وقد طلب الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين من وزير العمل مخاطبة وزير العدل لإعفاء مفصولين البا من الرسوم وقد تمت المخاطبة  ولكن لا يوجد رد حتى الان.

نبيل علي وهو احد المتقاعدين طوعياً من طيران الخليج قال لم احصل على كل مستحقاتي فوكلت مع مجموعة من المتقاعدين محامي للمطالبة بباقي المستحقات ورفع الدعوى فحكمت المحكمة بعدم الاختصاص وحكمت علي برسوم عن الدعوى مبلغ 13000.000 دينار ( ثلاثة عشر الف دينار ) وأنا  الوحيد من الزم بالرسوم  ولم يلزم احد غيري ممن معي في الدعوى بالرسوم .وقد تقدمت بخطاب إلى سعادة وزير العدل بطلب إعفائي من هذه الرسوم وتم رفض طلبي وقد حضرت الشرطة المدنية الى منزلي وقبضت علي واقتادتني الى المركز و قد الزمتني محكمة التنفيذ بتقسيط المبلغ خمسين دينار شهرياً علماً بان الطعن لا يزال منظور امام محكمة التمييز .
خليل ابراهيم الفردان من نقابة الموانى قال انا ومن ضمن 73 عامل تقدمنا بدعوى وقد حكمت المحكمة بعدم الاختصاص بنظر النزاع ونحن الان ملاحقين بالرسوم التى حكم بها علينا وتم الحجز على حساباتنا البنكية مع انه لا يوجد بها اية مبالغ .
وهناك ايضاً عمال اخرين أدلوا بشهادتهم في الموضوع و تحدثوا جميعاً عن إجراءات التنفيذ الجبرية التي صدرت ضدهم من قبل محكمة التنفيذ لإجبارهم على دفع هذه الرسوم وتخييرهم بين تسديد المبالغ او الحبس .

من جهة اخرى تحدث بعض المحاميين عن تراخي محكمة التنفيذ في تنفيذ الاحكام التي تصدر لصالح العامل وفي الموافقة على  اتخاذ الاجراءات الجبرية على الشركات وأصحاب العمل لأسباب شتى على الرغم من ان القانون يعطي الدعوى العمالية صفة الاستعجال وهو ما يؤدي إلى بقاء ملف التنفيذ مفتوح لسنوات في قسم التنفيذ من دون ان يتمكن العامل من الحصول على مستحقاته.

وفي ختام الحلقة الحوارية صاغ المشاركون بعض التوصيات التي رأوا بان من شأن الاخذ بها ان يعالج بعض مساوئ حكم المادة 6 من قانون العمل فقد طالبوا الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين والجمعيات السياسية المعنية بالدفاع عن مصالح العمال بالسعي لدى الجهة التشريعية والرسمية لتعديل حكم هذه المادة لإعفاء العامل من الرسوم القضائية و حصر حالات الالزام فقط بحالة الكيدية . كما طالبوا المشاركون وزير العدل استخدام صلاحياته لإعفاء العمال ممن صدرت بحقهم احكام بالرسوم إعفائهم من هذه المبالغ .