المنشور

الديمقراطية… طريق شاق للشعوب العربية

منذ العام 2011 والموازين تغيّرت في المنطقة العربية، هذه الموازين التي
أخرجت الناس من منازلهم إلى الشوارع باحثين عن حقوق ظلت معطلة، وحرية ظلت
مسلوبة لحقب طويلة. الحرية التي تريدها الشعوب كانت دائماً مادةً للتلاعب
من قبل أولئك الذين يملكون السلطة والقوة والسيطرة على وسائل الإعلام
والتعليم وغيرها.

الشعوب العربية تبحث اليوم عن حلٍّ يخرجها من مأزق
القهر السياسي والاقتصادي، وهي ترى الخلاص من ذلك عبر تفعيل حقيقي
للديمقراطية. فغياب الديمقراطية معناه استمرار للقضايا التي لا تجد الحل
إلا بإنهاء الصراع مع الديكتاتورية التي تغلغلت في أركان الأنظمة السياسية
في منطقة لا تعير اهتماماً لحقوق المواطن، مكتفيةً بالشعارات والتصريحات
التي تجمّل صورتها عبر الإعلام فقط.

الديمقراطية ليست شعاراً أو
كلاماً يردّد في الهتافات الحماسية خلال المظاهرات، ولكنه عقلية تستوعب
الاختلاف والتعددية البعيدة عن الهوية القبلية والطائفية والدينية وغيرها.
عقلية تستوعب مفهوم الهوية الوطنية التي تشمل جميع مكونات المجتمع في أي
بلد عربي، وهو أمرٌ مايزال مترنحاً في المنطقة العربية التي تحرّكها مشاعر
الطائفة أو القبيلة وليس الحس الوطني.

وفي الوقت الراهن تشهد بلدان
المنطقة العربية صراعات كثيرة معقدة، والسبب غياب الديمقراطية التي تسمح
بالتعايش مع الآخر. ولو قرأنا تجربة جنوب إفريقيا مع الحرية والديمقراطية،
سنرى الطريق كانت طويلة وشاقة، فشخصية مثل نيلسون مانديلا خاضت الكثير من
التجارب، ودخل السجن باعتباره إرهابياً مجرماً، وخرج منه بطلاً قومياً يقود
الحرية، ناشراً لمبادئها في كل مكان.

وكون أن أجزاء كبيرة من
البلدان العربية تخوض حالياً آلام النمو المصاحبة للصحوة العربية في مقابل
حالة الإنكار والإفلات من العقاب، فإن الدروس المستفادة من مانديلا تستطيع
أن تغيّر إن أصبحت الدرع الحامي من أي فشل. فقد كتبت النائب الأول لرئيس
منظمة «البحث عن أرضية مشتركة» سوزان كولين ماركس، وهي صانعة سلام عالمية
تتمتع بالاحترام ووسيطة ومؤلفة من جنوب إفريقيا عن مانديلا والديمقراطية
قائلة: «كان قائداً لجميع سكان جنوب إفريقيا، ولم يحِدْ أبداً عن رؤيته
لأمةٍ مكوّنةٍ من قوس قزح، وكان شجاعاً في حل المشاكل، عمليّاً يرتكز
أسلوبه على قيم جوهرية تُرجمت إلى إطار أخلاقي شخصي ومهني عميق. جاء إلهامه
من هدف أكبر منه، وألهم وجوده وصوته وانضباطه الآخرين ليكونوا أفضل مما
يمكن أن يتصوروا في يوم من الأيام».

وبحسب ماركس، «هناك أهمية لما
كان عليه كقائد في وقت الثورات العالمية هذا. ففي الوقت الذي يتم فيه
اجتثاث الثوابت القديمة، يكمن التحدي في كيفية إيجاد عالم جديد لمصلحتنا
جميعاً، وليس فقط لجماعتي (أنا) أو لأي فصيل معيّن أو جماعة محدّدة. لقد
جعلنا نرى ليس فقط ما يتوجب علينا أن نفعله وكيف نفعله، بل أيضاً ما يجب أن
نكون عليه كقادة وكمواطنين». وتضيف: «فهم مانديلا أن الحياة ستلقي الكثير
علينا، وأن الأمر يعود إلينا في كيفية التجاوب معها. عرف قوة المغفرة،
وتناول الشاي مع بيتسي فيرورد، أرملة هنريك فيرورد، مهندس نظام الفصل
العنصري. تعلّم أن الحب هو أقوى سلطةٍ في الكون، ودعا سجّانيه إلى حفل
تنصيبه كأول رئيس ديمقراطي في جنوب إفريقيا. علّمنا كيف نعيش مع أنفسنا ومع
بعضنا بعضاً، معانقين إنسانيتنا المشتركة».

هذه هي رؤى وتجربة
مانديلا وجنوب إفريقيا، لكن في البلدان العربية مازال الطريق نحو
الديمقراطية طويلاً، وكلما منع الناس من المشاركة في قرارهم وصنع مصيرهم
واختيار نمط حياتهم، فإن ذلك لن يثنيهم، ولذلك يبدو أن الربط بين الحرية
والديمقراطية هو الذي يؤمن أفضل الشروط لتحقيق نظام سياسي أكثر عدالة بين
الدولة والشعب.

ريم خليفة