المنشور

إعادة الثقة جزء من حل المشكلة

على مدى أكثر من ثلاث سنوات والمواجهة محتدمة بين صعود وهبوط, كل طرف يسعى
لأن يحقق مكسبا في مواجهة الآخر, بل كل طرف يتمنى أن تأتي من جانبه ضربة
تشل قدرة الآخر على الإمعان في مواصلة نهجه الذي اتبعه في هذا الصراع
المحتدم والذي لا يبدو أن هناك أي نتيجة إيجابية تلوح في الأفق رغم كل
المحاولات التي جرت هنا وهناك والجهود التي تطوعت للقيام بها مؤسسات
مجتمعية وأفراد حزّ في نفوسهم رؤية هذا الهدر الفاقع لمقدرات الوطن والشعب
إذ ان هذه المحاولات باءت كلها بالفشل تقريبا, ليس لأن الأطراف ليست مقتنعة
بقدرة التحاور, بصفتها القاطرة القادرة على نقل الصراع من الحالة الحادة
إلى الحالة الناعمة والهادئة الكفيلة بإخراج ما في جوف هذا الصراع من
إيجابيات لخدمة المستقبل, وإنما لأن هناك شيئا من فقدان الثقة بين هذه
الأطراف جعل من كل خطوة تأتي من هذا الطرف أو ذاك محل شك وريبة.


ما تمر
به بلادنا في الظروف الحالية لا يخدم أيا من أطراف الصراع على الإطلاق,
فالمشكلة التي نواجهها لا تخص هذا الطرف أو ذاك أو جزءا من شعبنا دون
الآخر, فهي مشكلة تتعلق بمستقبل البحرين الذي هو ملك لجميع أبنائها.
والجميع – هكذا – يفترض أن يعملوا من أجل هذا المستقبل حتى وإن اختلفوا في
الأسلوب أو السبيل لبلوغ ذلك, فالمعيار للحكم على الصواب من الخطأ هو
النتيجة وما إذا كانت تصب في مصلحة جميع مكونات شعب البحرين أو غير ذلك,
وليس هناك من جدوى أو نتيجة من وراء محاولة فرض رؤى أو أسلوب معين للتعامل
مع المشكلة, فطالما آمنا بأنها تعني جميع أبناء البحرين فعلينا في مقابل
ذلك أن نؤمن بأن حلها بأيدي جميع أبناء البحرين.


من الطبيعي جدا أن
تفرز مثل هذه الأوضاع طفيليات تتغذى على ما يطفح على السطح وما تتمخض عنه
الأساليب غير الحصيفة وغير العلمية للتعامل مع المشكلة, من ظروف توفر مناخا
جيدا لهذه الطفيليات تقتات وتتغذى عليها, لكن هذه الإفرازات يجب ألا تثير
الريبة والإزعاج والتهديد من عدم القدرة على معالجة ما نعانيه من أوضاع
سياسية واجتماعية صعبة, فزمام الأمر يجب أن يكون بأيدي الأطراف المؤمنة
ببناء مستقبل آمن لجميع البحرينيين وألا تترك هذه الأطراف الزمام يقع في
أيدي الطفيليات التي من مصلحتها تماما أن تستمر الأوضاع على ما هي عليه
باعتبار ذلك هو المناخ الوحيد الذي يؤمن لها البقاء والاستمرارية.


على
الأطراف المؤمنة بأن مستقبل البحرين يكمن في توفير مظلة العدالة الاجتماعية
والاقتصادية والأمنية لجميع مكونات الشعب البحريني بغضّ النظر عن أي
انتماء, عرقيا كان أم دينيا أم مذهبيا, أو لا تكترث كثيرا لما تثيره
الطفيليات من غبار في وجه الحركة الطبيعية, لأن من مصلحة هذه الطفيليات أن
تكون مياه النهر متوقفة عن التدفق والتجديد, كما عليها ألا تحول الخلافات
حول أسلوب الحل إلى خلافات حول الجوهر, فليس هناك عاقل ومحب لوطنه لا يتمنى
له أن يتقدم ويتطور على جميع الجبهات وأن يعلو إلى مصاف الدول التي تضرب
بها الأمثال في الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة, فهذه صفات تمثل
أمنيات ربما يعتقد البعض استحالة تحقيقها, وهو اعتقاد خاطئ.


الحريصون
على سلامة وطننا وضمان مستقبل آمن لجميع أبنائه لا يساورهم الشك في أن هناك
اختلافات وخلافات, بل تناقضات بين أطراف الصراع الذي تشهده بلادنا في هذه
الأوقات, وبالقدر نفسه هناك قواسم مشتركة لا يمكن الاختلاف حولها, وهذا
يعني أن هناك رقعة, كبيرة كانت أم صغيرة, يمكن استغلالها والانطلاق منها
لمغادرة هذه الأوضاع أو تطويع المناخ الذي يلف بها لتسهيل عملية الخروج
والمغادرة, أو تغليب الخلافات والتناقضات وطمس القواسم المشتركة في مجرى
هذا الصراع, فإن ذلك لن يقود إلى نتيجة وإنما إلى المزيد من التأزيم
والخسائر وهذا لا يصب في مصلحة أي طرف على الإطلاق, بل اننا سنجد أنفسنا في
فترة من الفترات واقفين صفا واحدا أمام استحقاق واحد فقط وهو تسديد فواتير
أخطائنا.


وهناك أسباب كثيرة أدت إلى إطالة أمد هذه الأزمة وعقدت من
محاولات وضع حد لها, فإضافة إلى ما تلعبه الطفيليات من أدوار سلبية تتسبب
في عرقلة مثل هذه المحاولات أو مشاغبتها, فإن أهم هذه الأسباب يكمن في
انخفاض سقف الثقة بين أطرافها, بل انعدامها في محطات معينة الأمر الذي يجعل
من مهمة إعادة رفع سقف الثقة وصولا إلى إعادتها إلى نصابها الصحيح, تتحول
إلى جزء من الحل, وبالتالي فإن هذه الأطراف مطالبة بالعمل على تحقيق ذلك من
خلال إجراءات وخطوات عملية ملموسة تشعر جميع الأطراف بأن هناك جدية حقيقية
لإخراج بلادنا من أزمتها وليس مجرد تسويق مواقف.