المنشور

عبدالله خليفة … المبدعون لا يموتون

في عام 1975 كانت تجري مباراة في  بين قطبا كرة القدم في المنامة ، ناديين
النسور ( الأهلي حاليا) والعربي ( النجمة حاليا ) في أستاد مدينة عيسى ،
بعد هجمة 23 أغسطس 1975م على الحركة الوطنية البحرينية ( التحرير والشعبية )
، بحوالي شهر ونصف ، لا أذكر التاريخ بالضبط ، قبل إطلاق صفارة البدء من
قبل حكم المباراة ، وقف الجميع دقيقة صمت حداداً على وفاة أم أحد أعضاء
نادي العربي ، في تلك المباراة التي أتينا لمشاهدتها ، لم نعرف ذلك الشخص
الذي توفيت والدته ، بعد عامين وتحديدا في عام 1977، التقي بالزميل والصديق
عيسى خليفة في مدرسة المنامة الثانوية للبنين ، تكونت بيننا صداقة وزمالة 
( مجموعة من الطلبة ) ، أذكر منهم الرفيقين المحامي محمد سلمان و الراحل
جمال مرهون ، أخبرنا صديقنا عيسى ، بان تلك الوقفة  ( دقيقة الصمت حدادا )
قبل بدء المباراة بين النسور والعربي ، في عام 1975م ، كانت على والدته
المتوفية ، و الشخص المعني  كان شقيقه المدرس  المعتقل  عبدالله خليفة ضمن
كوكبة من مناضلي جبهة التحرير الوطني البحرانية والجبهة الشعبية في البحرين
، الذين تم أعتقالهم في هجمة 23 أغسطس عام 1975م ، وتم حل المجلس الوطني
في 26 أغسطس في عام 1975م ، وسادت في البلاد أجواء من القمع والترهيب ،
وازدادت شراسة وقساوة الحملة الرجعية على الحركة الوطنية البحرينية بعد
أغتيال الكاتب عبدالله المدني في عام 1976م ، عرفنا بان المناضل المعتقل
عبدالله خليفة ، بأنه قصاص (  كاتب قصة قصيرة ) ، و أخبرنا الصديق عيسى
خليفة ، بأن شقيقه  عبدالله ، قد صدرت له مجموعة قصصيه باسم ( لحن الشتاء )
في عام  1975م ، قبل أعتقاله وحل المجلس الوطني في 26 أغسطس من عام 1975م ،
المجلس المنتخب  أعضاءه  في 7 ديسمبر من عام 1973م ، تكونت بيننا صداقة
نحن الطلبة الأربعة ، وكنا نزور صديقنا عيسى خليفة في بيته ( بيوت العمال )
في فريق اللينات القضيبية ، تلك المنطقة الفقيرة من المنامة ، التي كتب
عنها كثيراً الراحل الروائي عبدالله خليفة في قصصه ورواياته ، طلبت من
الصديق عيسى ، استعارة قصة ( لحن الشتاء ) ، للقراءة وأعادتها إليه ، بعد
أن قرأتها شعرت بأنها قصة جميلة تعبر عن ( القصص الواقعية ) ، في أحدى قصص
لحن الشتاء ، كان يخاطب ( عامل البناء ) علي بأن يعود إلى وطنه البحرين ،
وأن الشرطة لا تعرفك لقد كبرت يا علي ، فيما بعد عرفت بأن  ، المقصود في
القصة ، هو المناضل العمالي علي مدان أحد مؤسسي جبهة التحرير الوطني
البحرانية ، والذي أمتهن  في شبابه لسنوات مهنة البناء  وكانت مصدر رزق له
في تلك الفترة ، قضى المناضل الروائي الراحل عبدالله خليفة في سجون البحرين
ست  سنوات ، أفرج عنه في عام 1981م ، كان السجن محطة له ليؤسس لمشروعه في
كتابة الروايات الطويلة ، ولكي يبحر باشرعته في عباب البحر وأمواجه
المتلاطمة  و يكتب في الفلسفة و التاريخ و التراث العربي والإسلامي ، لهذا
أصبح يطلق عليه من قبل العديد من المثقفين العرب بأنه موسوعة فكرية وثقافية
لغزارة أنتاجه الأدبي والثقافي ، أن رحيله المبكر خسارة فادحة للفكر
والثقافة في البحرين والمنطقة ، أنه مبدع وناقد شجاع ، ودائما يطرح الآراء
النقدية الفكرية التي  تشكل موضع خلاف وجدل في أوساط المثقفين بما فيهم
الماركسيين ، كتب بتاريخ15/08/2014م ، في عموده اليومي ( أفق ) جريدة أخبار
الخليج ، قائلا: تداخل اليسار في الشرق مع ولادات الرأسماليات الحكومية
فيها ، كانت هذه لحظة لقاء معقدة وتركيبية ، وذات إشكاليات متعددة ، تضافر
فيها اليسار الغربي مع الشمولية الشرقية ، والرغبة في القفزة النهضوية مع
الاستبداد ، وتسريع الحداثة مع هياكل اقتصادية متخلفة جامدة ، وتم جلب أحدث
الأفكار التقدمية لوعي شعوب تعيش في قرون سابقة .


ويضيف : أسرعت قوى سياسية في تنميط موديل سياسي يساري نهضوي رأت فيه الشفرة
الموجزة والمتكاملة وجعلت من الدكتاتورية طريقة سياسية لحل كل هذه
الإشكاليات .
كتب  في يوليو من نفس العام مقال أخر ، عن عزوف المثقفين والسياسيين عن
العمل في منظماتهم الفكرية والسياسية والأدبية ، قائلا: الأجيال الجديدة من
المثقفين والسياسيين لا يجدون أطراًً يعملون بها ، ويطورون تجاربهم ،
وتقوم الانشقاقات بعزلهم وإضعاف تجربتهم حتى تتردى الثقافة الوطنية ويتمكن
الانتهازيون من تخريب الثقافة الوطنية .
الراحل الكبير المناضل و الروائي عبدالله خليفة ،  شكل أضافة نوعية لقضايا
الفكر والثقافة في البحرين والخليج والوطن العربي  ، فهو كاتبا وباحثا
يساريا مميزا ، يحاول تفكيك المعقد وتبسيط المفاهيم النظرية ، وفق منهجية
فكرية مغايرة للسائد في الفكر الماركسي ، لهذا يثير الجدل  والخلاف في
أوساط المثقفين الماركسيين ، ولا تروق للعديد منهم كتاباته بالرغم من أنه
مستلهما جيدا للمادية الجدلية والفلسفة والتاريخ  ، وموظفاً قراءته للنظرية
الماركسية  في كتاباته ومؤلفاته انطلاقاً من الواقع الذي يعيشه ، لكي
يتعرف ويتعمق المرء في السجال الفكري والسياسي الذي كان دائماً يطرحه ويعبر
عنه في كتاباته و مؤلفاته ، يتطلب قراءة معمقة فيها ، ودعوة المهتمين في
شئون الفكر والثقافة لعقد ورش عمل حولهما .
رسام الكاريكاتير البحريني الفنان خالد الهاشمي ، كتب عن وفاة الروائي عبدالله خليفة هذه العبارة ( المبدعون  لا يموتون ) 
فاضل الحليبي