حين زرتُ الأندلس حرصت على أن آخذ معي ثلاثية رضوى عاشور: “غرناطة، مريمة، الرحيل”، وخلال أسبوع زرت فيه قرطبة وطليطلة وإشبيليا وغرناطة، أتيت على قراءة الأجزاء الثلاثة . مشيتُ في شوارع حي البيازين التي وصفتها رضوى، وزرتُ قصر الحمراء ودخلتُ الكنيسة التي كان أبطالها يمرون أمام ساحتها، وتجولت بمحاذاة النهر الذي طالما جالوا على ضفته . كانت تجربة فريدة من نوعها أن تعيش التاريخ والحاضر، حيث الأمكنة التي شهدت تلك الدراما الإنسانية الفاجعة، حين اقتُلع العرب من أرضهم وتاريخهم ولغتهم .
عرفت رضوى قبل أن أقرأ الثلاثية ولكني عرفتها وأحببت روحها أكثر بعد قراءتها، وبرحيل هذه المرأة الاستثنائية فقدت الثقافة الوطنية، في مصر والعالم العربي، واحدة من أكثر وجوهها إشراقاً وإبداعاً وطيبة وثباتاً على الموقف .
من أجمل ما قرأته من رثاء لها خلال اليومين الماضيين قول مواطنها الأديب أحمد الخميسي إن رضوى “ضربت خلال حياتها نموذجاً جميلاً للمرأة حين تستطيع أن تكون كل شيء في آن: ربة بيت تعتني بأسرتها، أديبة مثقفة، أستاذة أكاديمية، مناضلة، وهي في كل ذلك تشبه بقوة الفلاحات المصريات المتفائلات، رغم كل شيء، بالحياة والناس، ولا تتخلى عن هذا الشبه الجميل” .
من قدر لهم أن يلتقوا رضوى ويعرفوها، يمكن أن يحسوا بكل صفة من صفات هذه المرأة التي حملت في وعيها وإبداعها وعملها وعلاقتها مع قرائها وطلبتها وطالبتها روحها المفعمة بالوطنية المصرية وبالانحياز المبدئي الذي لم يعرف التلون أو التردد لقيم التقدم والعدل والحرية، وإلى ذلك كانت رضوى المصرية فلسطينية حتى العمق ليس لأنها اقترنت بمريد البرغوثي زوجا ورفيقاً فحسب، وليس لأنها ربت في تميم انتماءه الفلسطيني الذي كان محل فخرها وحسب، وإنما كذلك لارتباطها العميق بفلسطين وطناً وقضية وثقافة، ولم تكن مصادفة أن كتابها النقدي الأول كان عن أدب غسان كنفاني .
في إحدى دورات معرض الشارقة للكتاب قدر لي أن أقدم رضوى في محاضرة عن تجربتها في كتابة الثلاثية . عنوانها كان: “لكلٍ غرناطته” . تحدثتْ فيها عن رحلتها الى الأندلس وهي منهمكة في كتابة الرواية . “من خلفي وأمامي السائحون تتدلى على أكتافهم آلات التصوير . لا أحمل آلة تصوير . عيناي تكفيان” – هكذا قالت .
وأذكر انها ختمتْ محاضرتها بمقطع لمحمود درويش: “أيها الموت كُنْ نعمة للغريب الذي يبصر الغيب/ أوضح من واقعٍ لم يعد واقعاً” .