المنشور

الوقود الأحفوري في اتفاق تغير المناخ القادم


ما ينفك الحديث – قُل الضجيج – يتوقف عن تغير المناخ (climate Change) وعن المواضيع الرئيسية المتصلة به وفي مقدمتها الآثار البيئية والمناخية لظاهرة تغير المناخ بفعل تراكم وتركيز غازات الدفيئة أو غازات الاحتباس الحراري، وعلى رأسها غاز ثاني أكسيد الكربون، والآثار الاقتصادية الناجمة عن هذه الظاهرة، وعن مسبباتها، خصوصاً النشاط البشري غير الرشيد والاستخدام المفرط والمتوسع لمصادر الطاقة، لاسيما منها مصادر الطاقة الاحفورية (Fossil fuel) وتحديدا النفط والفحم والى حد ما الغاز . كان الوقود الاحفوري مستهدفا من قبل كبريات الدول الصناعية المسؤولة تاريخياً عن حجم تركيز انبعاثات غازات الدفيئة، وتخصيصاً البلدان الأوروبية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، منذ الجولة الأولى من المفاوضات الدولية المتعددة الأطراف لوضع صياغة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ (UNFCCC) في عام 1992 وما تلاها من مفاوضات لإبرام بروتوكولها التنفيذي الذي تم في مدينة كيوتو اليابانية في عام 1997 . ولكن نفوذ الدول المصدرة للبترول، من داخل وخارج أوبك، القوي في العلاقات النفطية والاقتصادية الدولية، وتركيز الدول النامية المؤتلفة في مجموعة ال77 + الصين على تثبيت المسؤولية التاريخية للدول الصناعية المتقدمة عن ظاهرة الاحتباس الحراري، والزامها هي وحدها بدفع ثمن الإثراء والرفاه الاقتصادي والاجتماعي الذي تنعم به منذ الثورة الصناعية، وما نتج عن ذلك من أضرار بيئية ومناخية كارثية، قد حال دون نجاح ضغوط الدول الأوروبية، خصوصاً لإدارج الدول البترولية ضمن قائمة الدول الملزمة بتحمل قسط من مسؤولية خفض الانبعاثات .
 
ولكن هذه “المصدات” سرعان ما بدأت تتهاوى شيئاً فشيئاً مع كل انعقاد سنوي لمؤتمر أطراف اتفاقية الامم المتحدة الإطارية لتغير المناخ وأطراف بروتوكول كيوتو، وصولا إلى المؤتمر الأخير وهو مؤتمر الأطراف العشرين الذي عُقد في ليما عاصمة بيرو من 1 إلى 12 ديسمبر/كانون الأول 2014 . في كل مؤتمر من هذه المؤتمرات كانت ضغوط الدول المستوردة والمستهلكة للنفط، خصوصاً الدول الأوروبية، تدفع باتجاه تجاوز أحد أهم بنود اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ التي ينص على “المسؤولية المشتركة ولكن المتباينة” للدول في تحمل مسؤولية خفض الانبعاثات، وذلك بهدف إنشاء التزامات جديدة بالتخفيف (Mitigation)، أي تخفيف أو خفض الانبعاثات، بصورة متساوية بين الدول المتقدمة والدول النامية . وحين يحصل ذلك سوف يتعين على الدول المنتجة للنفط اتخاذ تدابير وطنية للحد من انبعاثاتها، بما في ذلك سن تشريعات وضوابط صارمة من شأنها تضييق الخناق على قطاعاتها البترولية وزيادة تكاليفها الإنتاجية وبالتالي تخفيض درجة تنافسيتها التسويقية، خصوصا منها تنافسيتها السوقية الخارجية . إنما الذي حصل في ليما أن الدول البترولية، لاسيما المملكة العربية السعودية ومن خلفها الدول الأعضاء في منظمة الأقطار المصدرة للبترول “أوبك” والدول الأعضاء في منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول “أوابك”، نجحت من جديد في احباط هذا المسعى الأوروبي . وكانت مداخلة خالد أبو الليف رئيس وفد المملكة العربية السعودية التفاوضي في مجال تغير المناخ، حاسمة في هذا الصدد، بتشديدها على مركزية ومحورية “مبدأ المسؤولية المشتركة، ولكن المتباينة” (The Principle of Common But Differentiated Responsibilities) في الاتفاق الجديد الذي سيحل محل بروتوكول كيوتو المنتهية صلاحيته في عام 2012 . فما الذي جرى الاتفاق عليه في ليما، والذي أرادته الدول الكبرى الصناعية المتقدمة جسرا للعبور إلى الاتفاق الجديد الذي تضغط هذه الدول لأن تكون باريس التي ستحتضن مؤتمر الأطراف الواحد والعشرين من 30 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 11 ديسمبر/كانون الأول ،2015 “منصة تتويجه”؟ 
 
بعد مفاوضات سيطر عليها كالعادة الشد والجذب بين الدول الغنية والدول الفقيرة، خرج مؤتمر الأطراف الواحد والعشرين ببيان من خمس صفحات عنوانه “نداء ليما لاتخاذ خطوات عملية تجاه المناخ”، (Lima Call for Climate Action)، تضمن التالي:
 
1- أن يكون الاتفاق الجديد الذي سيحل محل بروتوكول كيوتو ملزماً لجميع الدول، الغنية والفقيرة على حد سواء، وأن تكون مقاربته متوازنة في معالجتها للقضايا الرئيسية: التخفيف، التكيف، التمويل، تطوير ونقل التكنولوجيا، بناء القدرات، والشفافية فيما يتعلق بالتنفيذ وتقديم الدعم .

2- ولكن البيان في النقطة الثالثة التي تلي مباشرة ما سبقها، يعيد تأكيد أن الاتفاق سوف يستند إلى المبدأ الأساس وهو “المسؤولية المشتركة ولكن المتباينة” .

3- يدعو البيان بصورة فضفاضة، غير ملزمة، على جري العادة، الدول المتقدمة لأن تقدم الدعم المالي المعزَّز للدول النامية لتمكينها من مقابلة خطواتها التنفيذية الطموحة في مجالات التخفيف والتكيف، لاسيما الدول النامية الأكثر هشاشة وانكشافا إزاء تغير المناخ، وعلى رأسها الدول الجزرية .

4- جرى الاتفاق على أن تكون التزامات الدول المتعلقة بما تسمى الاسهامات الوطنية المقررة (Nationally Determined Contributions)، الواردة في المادة الثانية من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، أكبر مما هي تفعله الآن، وعلى أن تقدَّم هذه الالتزامات في الربع الأول من العام الجاري، أي قبل انعقاد مؤتمر الأطراف الواحد والعشرين في باريس . مع امكانية أن تتضمن التزامات كمية طموحة وعادلة بالتخفيف، وسنة أساس (Base year)، وفترة التنفيذ .

5- وتحت ضغط الدول النامية لتحويل تعهدات الدول المتقدمة المتكررة، وغير المُنَفَّذة حتى الآن بصورة ناجزة، بتقديم الدعم المالي والتقني للدول النامية، إلى واقع ملموس، رضخت الدول المتقدمة على تضمين البيان موافقتها على إحالة هذا الموضوع إلى سكرتارية الاتفاقية لمتابعة هذا الموضوع، ونشر تعهدات الدول بالتمويل على موقع الاتفاقية، ورفع تقرير بشأنها في شهر أكتوبر المقبل . وهو ما يؤكد استمرار تملص الدول المتقدمة من تنفيذ التزاماتها بهذا الشأن .

وللحديث صلة في المقال التالي .


حرر في 15 مارس 2015