المنشور

مهمة لا تعفي أحداً من المسؤولية..!!

فعلاً نحن نحتاج الى مثل هذا الكلام، والتأكيد عليه، والتشديد على الالتزام
به:
«لن ينجح من يلعب على وتر الطائفية والمذهبية»
هذا الكلام لجلالة الملك حين ترأس جلسة مجلس الوزراء في الأسبوع الماضي،
وهو كلام نفترض انه يضع الجميع أمام امتحان جاهز، يبسط لاختبار النيات، ولا
نظنه يحتاج الى اكثر من مراجعات من جانب أولئك الذين يريدون لنا ان نتقوقع
داخل الطائفة او المذهب، ويقفون وراء كل ما ينعش النفس الطائفي، والتطرف
الطائفي بكل أشكاله وألوانه وتجلياته، ووجدناهم يدفعون وبكرم فائض وجبات
متتالية من الانقسام، ومواد للنزاعات، من اجل ان نمضي في الاتجاه الأسوأ
دائماً، بل وجدناهم يتسابقون ويبرعون في استثمار كل المنابر وقنوات التواصل
وبسرعات أولمبية لافتة لإثارة الضغائن والانغماس في شرورها ولم يقصروا،
حتى التأويلات التي قد تتعدد وتختلف في كل شأن وأي شأن استثمرتها قوى جامحة
ومقاولون مختصون بإثارة الفتن يتكسبون منها، بل واستنبتوا كل ما يمكن ان
يضع النبل، ورفض العيش على وقع الصخب الطائفي المفتوح، موضع الشبهة والضعة،
خلقوا مبررات إضافية لما يصب النار على الزيت، وينسف الجسور، ويقطع
الاواصر، ويضرب القناعات التوافقية والقواسم المشتركة، والأدهى والأمر ان
من ضمنهم من هم بحسبة رجال دين، ودعاة وخطباء ومنظرين، وسياسيين وكتاب
ونشطاء، و«تويتريين» وجمعيات وقوى مذهبية أدمنت النوم في المخادع
الطائفية..!!
كل أولئك، ومنهم من تعاظموا او عظموا انفسهم، استصغروا عقولنا، وضربوا
بثوابتنا عرض الحائط، حتى التنوع الذي ميزنا وافتخرنا به ولا زلنا، والذي
كان وسيظل قيمة تحتسب للمجتمعات وانظمتها، يراد له ان يمس وان يشوه.. بل
ويضرب متجاهلين ان المجتمع البحريني منسوخ في الاصل بخيوط هذا التنوع
والاعتدال، وطالما ان هناك نواقيس خطر في المنطقة بدأت تدق هنا وهناك
وهنالك، فقد باتوا على وقعها يرفعون حمأة إثارة الغرائز والنزوات الطائفية
وتقويض أسس التعايش، وينساقون ويريدون ان ننساق وراء طيشهم الى ما نحن على
ثقة بانه لن يؤدي بنا إلا الى خيبات تلو خيبات.. وكأن ما فينا لا يكفينا
..!!
وكم هو أمر بالغ الحيرة والأسى والأسف والقلق، ان نجد من بين أولئك من
نفترض انهم أبعد ما يكونون عن الاستقطاب الطائفي – مبدأ وإيماناً وسلوكاً
وممارسة – ويتبنون شعارات الوطنية، ولكنها تظل شعارات لا تبتعد بعيداً عن
هوى ومصالح خاصة، خاصة جداً، ولا يتوانون عن ختم كل أمر وشأن وطني بختم
الطائفية، حتى المواطنة يريدون بلوغها عبر «الطائفة الوطنية»، أيعقل
هذا..؟! وهل يمكن ان تؤدي الطائفية الى المواطنة، ذلك نعده مستحيلاً، ورغم
قناعتنا بان الساعين الى المواطنة الحقة والمؤمنين بها والمدافعين عنها هم
كثر، لعلهم الأكثرية، ولكننا على قناعة أيضاً بان الطائفية لا تؤدي الى
المواطنة، هما ضدان، اي منهما يلغي الآخر، الطائفيون لا هم لهم إلا المزيد
من الطائفية، شهواتهم لا تتوقف عن طلب المزيد منها وإلحاق كل أمر وشأن
ملحقاً بالتمام والكمال بالطائفية، ونشر مفاعيل البنية الطائفية في كل مجال
وميدان، حتى الوفاق الذي قد يتجاسرون على الدعوة اليه، يريدونه وفاقاً
طوائفا، الذي تطيّف فيه الدولة والمؤسسات والمصالح، حتى مؤسسات المجتمع
المدني تم ختم بعضها بختم الطائفية ووشمت بوشم المذهبية، ووجدنا من حول ذلك
الى مزايا وإنجازات، بئس المزايا والإنجازات التي تفوح منها روائح النتانة
وتدمير الذات..!!
الداعون الى المواطنة، قلنا بانهم كثر، حقاً انهم كثر، هؤلاء لا يقبلون
التنازل عن رأيهم بان الطائفية مرض فتاك، ولا يتنازلون عن قناعتهم بان
الطائفية آفة تأكل الدين والوطن، يستفيد منها انتهازيون ومنافقون يسبِّحون
بحمدها في كل وقت، هؤلاء يرون بان ثقافة المواطنة لا تخرج عن كهف الطائفية،
ولذا فهم يريدوننا ان نكون محكومين بمناخات طائفية مستدامة، تفرق بين
المواطنين، وتعقم اي بارقة أمل في النهوض بالوطن، وتؤبد الفساد..!!
نعم الفساد، فالطائفية والفساد صنوان، كلاهما يكمل الآخر، وكلاهما يؤمن
للآخر حصصاً ومكافآت وامتيازات ومواقع وهيمنة ومنافع بالمخفي والمكشوف..
الطائفية تحمي مفسديها، وتوفر لهم ممراً حراً لفساد مستدام، والأسوأ
والأخطر حين يكون التمسك بالطائفية نتاجاً لروابط مصلحية يؤمنها الفساد،
والمعنى هنا واضح، انه يعني باختصار، ان الطائفية تحولت الى أداة لإدارة
الفساد، والاندماج والذوبان فيه، او على الأقل التفرج عليه وهو يتمدد في كل
شأن ومجال بقدرة فذة، مع عجز او عزف لا فرق عن محاربته والتصدي له، وحتى
الديمقراطية في ظل الطائفية لا قيمة لها ولا اعتبار.
نعم، الديمقراطية تكون في الأجواء والمناخات والتربصات غير قادرة على ان
تنهض بالوطن، بل انها في هذه الحالة أعجز ما تكون عن الاضطلاع بمهمة الخروج
من أسر المعادلات الطائفية والمذهبية، وقد يذهلنا كم الأغاليط والأكاذيب
والممارسات التي ترتكب بذريعة الديمقراطية التي يتقاذفها «القوالة»، هؤلاء
همهم ان يكون الشارع مسييساً طائفياً، او مطيفاً سياسياً، وكله باسم
الديمقراطية، وهي بالنهاية يجعلونها مجرد لعبة تخدم في الزوايا والخبايا
لمن هم منخرطون في مهرجان الفساد..!! وكأن ثمة غياب مقصود للوعي وللموضوعية
والعقلانية فيما يخص الديمقراطية، وحتى «الميني – ديمقراطية»..!!
العقلانية ، نعم ، هذه التي نبحث عنها، فالعقل كما يقول الفيلسوف الفرنسي
كارل بوير «هو الذي يجعلني أنعت نفسي انساناً»، والمطلوب الان وبإلحاح ان
نستخدم عقولنا، أليست العقلانية استخدام العقل، العقل الذي يجنبنا
الانحيازات والتفضيلات والممارسات التي تجعلنا مسترهنين لمن لا يريدون لنا
إلا ان نمضي في ضرب اي قناعات توافقية، وخلق انشطارات وعصبيات تقسم
مجتمعنا، وان نبقى نبيع او نشتري او نتداول كلام في كلام لا يقنع حتى صغار
العقول..!
العقل والمنطق والمصلحة والمواطنة والديمقراطية والحاضر والمستقبل، كل ذلك
يفرض ويفترض ان نقف ضد من يريد ان يلعب على وتر الطائفية في كل موقع كان،
يثير أجواء التشنج والتجاذب والتوتر، وعلينا ان نقتنع بانه لا خلاص لنا في
هذه المناخات والظروف المعقدة التي تجمعنا بمحيطنا من العمل بكثير من
الجدية والصدقية كي نكون مجتمعاً غير طائفي، وان تصير جميع قوى ومكونات
المجتمع وجمعياتنا ومؤسسات مجتمعنا المدني غير طائفية، نابذة للفرقة
والانشطار والتعصب الطائفي، لا تمارس شيئا ما «غلط» في المبادئ والتطبيق
عمداً او جهلاً، علينا ان نصمم ونتوافق على ان نسلك جميعاً السبيل الذي
يجعلنا لا نتقبل من يدق على وتر الطائفية في هذا الوقت، وفي كل وقت وظرف،
وان نتحرر من قبضة من يريدون لنا ان ننقض على بعضنا البعض، وقبل كل شيء على
كل منا ان يؤمن بان لا طريق أمامنا إلا الوحدة الوطنية، وأي خطوة لا تمر
عبر هذا الطريق إنما هو عبث خارج المنطق، وهرولة في الاتجاه المعاكس، وهذه
مهمة لا تعفي أحداً من المسؤولية، مسؤولية بناء وطن نعيش فيه لا نعتاش
منه.. فنحن في وقت نخضع فيه لأقسى امتحان في سلسلة الاختبارات القاسية التي
نتعرض لها، فدعونا نعمل من اجل ألا تنغلق القلوب والعقول.