المنشور

هل هي بداية نهاية المعجزة الصينية؟


في أواسط ديسمبر من العام الماضي قفزت أسعار الأسهم في البورصة الصينية خلال اسبوعين فقط بنسبة 20%. وكان ذلك استجابة من السوق لإجراءات الحكومة الصينية التي تضمنت حقن الاقتصاد بجرعة فائضة من السيولة بلغت نصف تريليون يوان (نحو 162 مليار دولار)، وخفض سعر الفائدة المصرفية اعتبارا من 21 نوفمبر/‏تشرين الثاني 2014 في إطار سياسة نقدية مرنة استنها بنك الشعب الصيني (البنك المركزي). كما أسهم تراجع جاذبية سوق العقار الصيني في توجه الصينيين للاستثمار في الأسهم، حيث سُجِّل في الأسبوع الأول من ديسمبر/‏كانون الأول الماضي افتتاح نحو 600 ألف حساب للاتجار في الأسهم، بواقع أربع مرات أكثر مما تم تسجيله في شهر يوليو/‏تموز الماضي، واقترض المستثمرون والمضاربون الجدد حوالي 900 مليار يوان لتوظيفها في تجارة الأسهم.

بالمقابل، وخلال ثلاثة أسابيع، انهارت البورصات الصينية وفقدت 30% من قيمتها حتى منتصف يونيو الماضي، ما أثار الذعر في أوساط المستثمرين الصينيين الأفراد الذين اقترضوا أموالهم للمضاربة بها في الأسهم. كما علقت مئات الشركات الصينية تعاملاتها في أسهمها المدرجة في هذه البورصات في محاولة لوقف جنون عمليات البيع (طلب حوالي 700 شركة تعليق عمليات التداول على أسهمها المدرجة). ما شرّع الباب واسعا أمام مختلف التكهنات، لاسيما في الصحافة الغربية التي تنظر إلى الصين كمنافس مذموم، ومنها أن هذا الانهيار ربما يكون مقدمة لانتشار أثره إلى بقية قطاعات الاقتصاد الصيني، ثاني اقتصاد في العالم والماكنة الضخمة المحركة للاقتصاد العالمي. مع ملاحظة أن البورصات الصينية كانت قبل هذا الانهيار ببضعة أسابيع تحلق في العالي كما لم تفعل أي بورصة في العالم، ووصلت في سبع سنوات إلى ذروتها في أواسط يونيو من العام الماضي، فيما كان الارتفاع الذي سجلته بورصة شانغهاي في 12 شهراً، قياسياً، إذ بلغت نسبته 150%.

فما الذي جرى وأدى إلى هذه «الخضة» العنيفة التي أطارت النوم من عيون تجار البورصات العالمية؟.. كثيرة هي التعليلات المبنية على تحليلات مختلفة. منها أن ما يميز البورصات الصينية عن العالمية، أن 80% من المستثمرين فيها هم من التجار الصغار (الصينيين أساسا) الذين تشجعوا برخص كلفة الاقتراض من البنوك، أي أن البورصات الصينية، أقل مؤسساتيا. ومنها ما يُنسب إلى تراجع جاذبية الاستثمار في سوق العقار الصيني بسبب اجراءات ضبط حكومية قيدت افراط البنوك في تمويل الاتجار في العقار. كما أن «لبررة» (Liberalization) التعاملات في البورصة قد جذب الكثير من الأفراد والشركات اليها، فتم خلال الستة شهور الأخيرة تسجيل رقم قياسي لشركات الأعمال المدرجة على بورصتي شنغهاي وشنزن. فيما اعتبر البعض أن الارتفاع المهول في أسعار الأسهم الصينية ليس مرده الأساسيات الاقتصادية بقدر استناده إلى زخم اللحظة وقوة الاندفاع المتحفز بإجراءات وعلائم ذات طابع إيجابي.

تدخلت السلطات الصينية من خلال شركة تمويل الأسهم الصينية (China Securityies Finance Corporation – CSFC) الممولة من قبل البنك المركزي الصيني، فقامت بشراء كميات ضخمة من أسهم الشركات الصغيرة والمتوسطة المدرجة التي تعرضت أكثر من غيرها لخسائر مالية فادحة. جاء تدخل الحكومة الصينية ليعكس حجم القلق الذي ساور ويساور القادة الصينيين الذين يجاهدون أصلاً لتفادي هبوطا ارتطاميا للاقتصاد (Hard economic landing)، أو في أقله تباطؤاً اقتصادياً حاداً (Sharper economic slowdown). وهم يعملون بكل قوة من أجل استعادة البورصات الصينية لتوازنها، لارتباط ذلك بمستقبل الاقتصاد وبمصداقية الحكومة الصينية.

الآن، هل ما حدث للبورصات الصينية مقطوع الصلة عن الماكنة الضخمة للاقتصاد الصيني؟.. واقعاً فإن المسؤولين الصينيين، بمن فيهم رئيس الحكومة لي كيكيانغ Li Keqiang الذي أشرف بصورة مباشرة على متابعة أزمة البورصة، يتفادون الحديث عن أزمة. إنما الحقيقة أن طاقة الاقتصاد الصيني على توليد النمو الانفجاري قد تراجعت (نما الاقتصاد في العام الماضي بنسبة 7.4% مقارنة بنسبة 14% في عام 2007). ومع ذلك لا يمكن استبعاد عدم وجود رابط بين الاثنين. فعندما قفزت البورصة الصينية بأكثر من 100% في عام واحد كان الاقتصاد الصيني يسجل أبطأ نمو في 6 سنوات. وقد خفضت الحكومة توقعاتها بشأن النمو لهذا العام إلى 7% فقط، هو النمو الأبطأ منذ أكثر من عشرين عاما. صحيح أن الاقتصاد الصيني ظل ينمو خلال العقود الثلاثة الماضية بمعدل وسطي نسبته 10% سنوياً، إلا أن معدل النمو الحالي لازال محل حسد معظم دول العالم لأنه لازال يعد الأعلى بين معدلات النمو العالمية. كما أن نمو الاقتصاد الصيني اليوم بطاقاته الاضافية التراكمية، يفوق في الواقع معدلات نموه قبل إضافة هذه الطاقات التراكمية، فنمو هذا العام بنسبة 7% سوف يضيف انتاجاً إلى الاجمالي أكثر ما أضافته وتيرة نمو ال 14% التي حققها الاقتصاد في عام 2007.

ولكن ما يقلق العالم مع ذلك هو التباطؤ الاقتصادي الصيني باعتباره علامة من علامات الضعف، كما تقرأها الأسواق عادة، خصوصا الأسواق القريبة من السوق الصينية.

إنما هل هذا القلق مبرر؟.. إذا كانت المحركات الثلاثة المسؤولة عن النمو في الصين على مدار السنوات الماضية، وهي العمالة الرخيصة ورأس المال (الاستثمار) والانتاجية، قد تغيرت طبيعتها، حيث وصلت قوة العمل الصينية النشطة اقتصاديا إلى ذروتها في عام 2012، والاستثمار إلى ذروته أيضا (49% من إجمالي الناتج، وهو مستوى لم تحققه سوى قلة قليلة من الدول)، فضلا عن تضاؤل الفجوة التكنولوجية بين الصين والدول المتقدمة المقرون بارتفاع كلفة العمالة، فإن من المتوقع أن يعكس ذلك نفسه على وتيرة النمو. ولكن من جهة ثانية هناك ما قد يعزز هذا القلق وهو حجم الدين العام الصيني. وهذا موضوع إشكالي كبير يستأهل إفراد مساحة لتناوله وتحليل تأثيراته المتوقعة على الاقتصاد ومنها فرص هبوطه الارتطامي.


حرر في: 23/08/2015