المنشور

إخراج الوطن من دائرة المراوحة في الأزمة



في هذا الظرف
الدقيق الذي يمر به وطننا، فان ثمة ثابتاً وحيداً في الأمر، هو انه لا طريق لذلك
إلآ الحل الذي يذهب مباشرة نحو جوهر المشكلة، للتوافق على تسويات بشأنها، وحين
تجري معالجة الجوهر، ستسهل إلى حدٍ بعيد، إمكانية معالجة مظاهر الأزمة وأعراضها،
الناجمة عن استمرارها. 


ولابد من أن يتأسس
ذلك على حقيقة أن  البحرين هي بيتنا
المشترك، أو سفينتنا التي تقلع وسط أنواء إقليمية معقدة، ومسؤوليتنا جميعاً
توجيهها الوجهة الصحيحة، لأنها إن غرقت فسنغرق جميعاً. وكل المخلصين لهذا الوطن،
وكل من قلوبهم عليه وعلى مستقبله لا يسرهم أن نندفع نحو الفزعات الطائفية هنا
وهناك، وإنما أن نتوجه بعقول وقلوب مفتوحة نحو التبصر المسؤول في أوضاعنا، برغبة
تجاوز الوضع المحتقن حالياً بأقل كلفة ممكنة، ومداواة الجروح الكثيرة الناجمة عن الأزمة،
برغبة التغلب على المعوقات، وتوسيع المشاركة السياسية، ومعالجة قضايا بناء الوطن،
وإزالة ما يعترض ذلك من ممارسات وتشريعات وفساد وأنماط تفكير. 


وأشد ما يقلق
الغيورين على الوطن هو آفة الطائفية التي استفحل انتشارها في جسم المجتمع، فصارت تنخر
منه الأوصال وتؤدي إلى تخثر الدماء فيه، وتجربة بلدان عربية عديدة، بينها بلدان
قريبة منا وتشبه بلدنا في بعض خصائص تكوينها، تشير إلى المآل المدمر إذا سارت
الأمور في اتجاه الشحن الطائفي والتعبئة المذهبية، وفي مثال العراق الشقيق عبرة
لمن أراد أن يعتبر، لأن ورقة الطائفية ورقة خطيرة، لن يكون بوسع أحد  الفكاك من آثارها المدمرة، بمن فيهم الذين
يلعبون بها. 


وليس التحذير من الآثار المدمرة للفرز
الطائفي للمجتمع وليد اليوم. لقد جرى حديث عن هذا في السنوات السابقة مراراً، وكان
المتحدثون عن ذلك ينطلقون من صحة تحليلهم بأن هناك قوى منتفعة من هذا الفرز، لأنه
يمنع تجمع الناس أو اتحادهم حول قضايا التغيير الديمقراطي والإصلاح السياسي. 


وقد أثبت
البحرينيون في مراحل فاصلة من تاريخهم أنهم أوعى من أن ينجرفوا نحو الفتن
الطائفية، واستطاع قادة الحركة الوطنية ومناضلوها على مدى عقود أن يعطوا البرهان  على إمكانية
توحيد الجهود في العمل من أجل القضايا المشتركة للشعب، التي تتمحور في جوهرها حول
مسألتين رئيستين، هما تأمين الحياة الحرة الكريمة للمواطن وضمان المشاركة السياسية
للشعب، وفي سبيل هذا النوع من العمل المسؤول فليتنافس المتنافسون. 


 ثمة مطالب مشروعة عمرها طويل، لم تنشأ اليوم،
ومن أجلها ضحى مناضلون سنة وشيعة، ولكنهم كانوا يطرحون هذه المطالب بصفتهم مواطنين
بحرينيين، لا بصفتهم ممثلين لطوائف، وهذا التراث بحاجة لإحياء من قبل القوى الوطنية
المطالبة
بتخطي البعد الطائفي
الذي يمكن أن
يسم
المعارضة،
من خلال إيجاد آليات تفاعل مع القوى الوطنية الناشطة بين
مختلف مكونات المجتمع البحريني،
من
تشكيلات سياسية ومجتمعية وأفراد ذوي
وزن،  بما
يسهم
في توسيع
قاعدة
القوى الداعية للإصلاح والساعية له،
وبما يكسب هذه  الدعوة الطابع الوطني
الشامل
كعامل لإخراج المجتمع من التخندق الفئوي الراهن. 


 إن أوجه الانقسام الناجمة عن الأزمة السياسية
التي تعيشها البلاد لا تعكس حقيقة الاستقطاب السياسي الموضوعي ولا المصالح الحقيقية
لأطراف العمل السياسي، وهو في تقديرنا انقسام طارئ، لا يمكن له أن يستمر إلى  ما لانهاية، فهو لا يخدم إلا مصالح قوى معينة،
بعضها طارئ، استثمرت وتستثمر الأزمة في أهداف أبعد ما تكون عن مصالح الوطن، تصر
علانية على أنها لا تريد أن تطوي الصفحة المؤلمة، وتعمل على أن يبقى الوضع متأججاً
لأن ذلك يدر عليها ذهباً، لذا تتمادى في ترسيخ آليات إعادة إنتاجه وبالتالي إستمراريته،
عبر إطالة أمد الأزمة وجراحاتها وتداعياتها السلبية الكثيرة على غير صعيد، بدلاً من
معالجة جذورها الجوهرية، بما ينهي محنة الوطن عبر طريق الإصلاح وتطويره، لا التراجع
عنه، وبعدم الانجرار إلى قولبة الموضوع في متقابلات شيعية- سنية لا تخدم إلا القوى التي لا تريد لهذا الوطن خيراً.