المنشور

سيرة مخيم اليرموك


تُصَّدر الشاعرة والكاتبة الفلسطينية مجد يعقوب كتابها التوثيقي «مخيم اليرموك – عاصمة الشتات الفلسطيني»، بعبارة بليغة قالها الفنان ناجي العلي في حوار أجراه معه غسان كنفاني.
 
يقول ناجي: «ما قلنا لك يازلمة، هالدنيا علمتنا كل إشي. عليم الله هاذا المخيم لحاله فيه علم أكثر من الجامعة الأمريكية اللي بيحكو عنها ببيروت».

تبدو هذه توطئة موفقة لنلج عالم هذا الكتاب المؤثر وهو يروي صفحات من الوجع الفلسطيني منذ النكبة الكبرى في عام 1948، حين وجد الفلسطينيون أنفسهم مجبرين على الرحيل عن بيوتهم وأراضيهم في فلسطين، نازحين إلى دول الجوار، حيث كان مخيم اليرموك خارج العاصمة السورية واحداً من أكبر المخيمات التي ضمت اللاجئين.

إنه نفس المخيم الذي ولدت فيه المؤلفة، وفيه تلقت خبراتها الأولى في الحياة، وفي أزقته وأنديته الثقافية نمت ولعها بالقراءة أولاً، وبالكتابة لاحقاً.

إنها حكاية نموذجية لأجيال، لا جيل واحد، من الفلسطينيين الذين تفتحت أعينهم على الحياة في الشتات.
ولأن الفلسطينيين شعب يحب الحياة ما استطاع إليها سبيلاً، فإنهم حولوا مخيماتهم إلى مجموعة حيوات، لا حياة واحدة.
ويُقدم لنا الكتاب كيف حوّل أهالي المخيم مخيمهم إلى مجتمع حقيقي يضج بالحياة، وبورش الإبداع والتعليم والكفاح، لا مكان للانكسار والخيبة كما أريد للفلسطينيين أن ينتهوا إليه حين هجروا من وطنهم.

وصفتُ الكتاب في التقديم بأنه توثيقي، ولكن هذا توصيف ناقص. صحيح أن الكتاب ينطوي على مادة توثيقية كبيرة حرصت الكاتبة على جمعها بعناية من مصادر مختلفة حول مسار النكبة الفلسطينية منذ بداياتها، وتتبعت نشوء وتطور مخيم اليرموك ذاته، لكن الكتاب، إلى ذلك، يضم بين دفتيه مجموعة من الشهادات الحية من داخل المخيم، بما فيها ذاكرة مبدعين ومثقفين فلسطينيين خرجوا منه، وربما استوحوا من حياتهم فيه الكثير من إبداعاتهم.

في هذه الشهادات نقع على حيوات من لحم ودم ودموع، تنطق بمقادير المعاناة والصبر والصمود، والإصرار على أن تظل فلسطين حاضرة: تاريخاً وأملاً لا يموتان. وبين هذه الشهادات نقع على شهادة الكاتبة نفسها عن حياتها في المخيم، والآثار الحاسمة التي تركتها على تشكل شخصيتها، وهي شهادة مفعمة بالشجن والحنين والأمل والألم، وهي ذات المشاعر التي نلمسها في شهادات المبدعين الآخرين الذين حرصت المؤلفة على تضمينها في الكتاب، الذي دوّن سيرة المخيم حتى سنواته الأخيرة، حين وجد أهله مخيمهم وقد حولته المحنة السورية إلى ساحة حرب.
 
16/11/2015