المنشور

حتى لا نكون أعداء انفسنا؛ لا يمكن أن نكون وطنيين وطائفيين في آنٍ واحد



   إبدأوا المعركة .. انطلقوا فى رحلة مواجهة، إنتزعوا
ما يؤكد  على وطنيتكم، اثبتوا أنكم قوى لا طائفية،  اثبتوا أنكم فى بلاد يتكاثر فيها اصحاب العقول التى
تؤمن ب” الحشمة الوطنية ” .. وبانه لا يمكن الجمع بين الطائفية والديمقراطية،
وان الطائفية إلغاء للديمقراطية، وأنه لا يمكن للمرء أن يكون ديمقراطياً وتقدمياً ووطنياً
ومستنيراً وغيوراً على وطنه وطائفياً فى آن واحد، برهنوا أنكم فى   بلاد لا تخضع لأصحاب الفذلكات الطائفية الذين يتعاملون
مع الطائفية  كغيرها من السلع السياسية قابلة
للاستثمار باسم الوطنية وحب الوطن، وهم  من
دون الطائفية والمذهبية والفئوية  وبث الأحقاد
وسوء الظن لا مصلحة ولا سطوة ولا نفوذ  ولا
مأوى ولا مكانة ولا “رزة ” ولا موقع ولا مكاسب ولا مناصب ولا أحجام ولا نكهة
ولا معنى لهم .. 


ليس هذا الكلام جديداً،
قلناه مراراً، ولكن التوظيف العبقري والجهنمي من جانب نفوس متعطشة بجشع لا يشبع الى
الغذاء الطائفي والذى بات يتعاظم  على وقع تطورات
ما يجري فى الإقليم، كأن هناك تعمداً وقصداً
لإستثمار ما يحدث
هناك لتحقيق المزيد من الرعاية الطائفية هنا، والبرهنة على جدارتها على النمو والتطور
والاتساع والشمول، والعمل على ان تكون أشد إثماً لا تنتج سوى حالة مستدامة من الاختناق
الطائفي، ومناخ متعسف لا يحقق الا مصلحة الطائفيين، ولا يبنى سوى مشروع المستقبل الميت،
مشروع ان نكون أعداء انفسنا. 


 وعلى هذا الأساس، ومن هذا  المنطلق لا بد أن تتعالى وتتوالى  ودون  كلل
الدعوات لمواجهة هذا الوضع، والتصدي  لخطاب
الكراهية والتمييز والطائفية، وهو خطاب من الخطأ الفادح غض الطرف عنه، أو التهوين من
شأنه، أو الاستخفاف بمخزونه، وسنكون سذجا إلى حدٍ لا يصدق إذا لم نتعامل مع هذا الخطاب
كواحد من أهم وأخطر التحديات التى تدفعنا الى تيه لا نعلم مداه، لا يواجه إلا  بجعجعة وتشدق بالكلام الفارغ الممتلئ هراء، المشحون
بالكثير  من ” القدح” و”الردح”
والذى وجدناه فى مواقع ومنابر شتى  باتت معروفة
بلا شبهة او التباس، مواقع جعلتنا نعيش اجواء ومناخات تحاصرنا،  لا تفرز سوى المزيد من المنشطات الطائفية وخطابات
الكراهية التى  تتدحرج صورها بكل وجوهها القبيحة  فى واقع 
بات فيه كثر مفتونون بالعزف على أوتار مثيرة للعصبيات والتطرف وسموم الكراهية
المنبعثة من قمامة الافكار المسمومة، وجعل هذه الافكار موقدة ومستعرة على الدوام، واقع
لم نعد نعرف فيه من يدين من ..؟!    


المعركة مع خطاب
الكراهية والتمييز والطائفية لا يمكن أن تتم 
بالكلام التنظيري او الهجائي او بالشعارات الكبيرة والصغيرة، ولا بعقد المؤتمرات
والندوات التى  تتطرق إلى  رذائل الطائفية ورفض التمييز والدعوة إلى تجديد
الخطاب الديني، وتطهير المنابر من الخلط بين الديني والسياسي، ولا بتأنيب أو نصح من
هم منخرطين فى  ممارسة هذا الخطاب بالصوت والصورة
والنص وبدون حساب، ويرضعون من هواجس وهوس التعصب، ولا كل ما ليس منه فائدة عملية على
أرض الواقع الملموس، هى معركة تتطلب اول ما تتطلب أن تكون هناك إرادة على خوض غمار
هذه المعركة ، فبدون هذه الإرادة  ستكون هناك
حيوية مذهلة وقدرة على التناسل باضطراد لكل أشكال خطابات الكراهية والفتن والنعرات
وإزدراء الأديان ورفض الآخر، وسيستمر الانتظام والتفنن  فى بثها حتى الثمالة معطوفة على نيران الإقليم المتأججة،
والتى أظهرت منظمات ومجموعات وأفراداً إتخذوا من خطاب الكراهية استراتيجية لإشاعة الفوضى
والقتل والدمار وصولاً لتدمير المجتمعات وتفكيكها، أليس هذا ما بتنا نراه ونسمعه ونتابعه
يومياً! 


الإرادة الفعلية
لمواجهة هذا الخطاب هى الأساس، وإذا كان المشهد قد اكتظ بمن يعيش ويتعايش ويعتاش على
هذا الحال، وينمي روح التطرف والتعصب والغلو والتكفير والتخوين والتمييز والكراهية،
من دون أن يصاحب ذلك  وللأسف فعل يوقف مد هذا
الخطاب ، وكأن ثمة تغاض متعمد، أو لنقل تساهل يتمرد عليه البعض، ويتمسك به البعض، ويفتح
له البعض آفاق تزيدنا غماً وحزناً وقلقاً وخيبة، فإن الضرورة ، وهى الضرورة التى لا
يراها الناس إلا فى الأزما ، تظل تفرض نفسها خاصة حين ندرك أن خطاب الكراهية يتفشى
ودائرة العنف تتوسع، فهناك من ينتج ويُعمق، ويُشجع ويُسَّوق ويروج كل ما يندرج تحت
مظلة هذا الخطاب، بالصوت والصورة والقلم. علينا أن نعترف بذلك، والإعتراف نحسب أنه
أحد الأمور المهمة والضرورية والمستعجلة التى تساند الجهد المطلوب للمواجهة . 


كم مرة ياترى  علينا أن نسمع او نقرأ عن مطالبات تدعو إلى  تشريع يكافح التمييز والكراهية والطائفية، أو منع
تسييس الخطاب الديني وإبعاد المنبر الديني عن الخطاب السياسي التحريضي، أو دعوة كل
الأطراف والقوى بصياغات مختلفة إلى إحتواء كل ما من شأنه بث الفرقة والكراهية بين أبناء
الوطن، وكم مرة علينا ان نسمع ونقرأ عن مواثيق شرف تبنتها عدة اطراف وجهات ظلت خارج
نطاق الفاعلية والتأثير، وكم علينا أن ننخرط او نتابع او نقرأ فى شأن بلورة جهد يدعوا
الى منهج وطني يعلى من الهوية الوطنية ويقوي الجبهة الداخلية ،  كل ذلك مطلوب 
بقدر ماهو مطلوب  سبب تفشى هذا الخطاب
فى مجتمعنا ومصادره ومنابعه ومن يقتاتون على تفتيت المجتمع ، وهذا يعنى متابعة واتخاذ
الاجراءات القانونية الرادعة حيال المحرضين على الكراهية وشق الصف الوطني فى دور العبادة،
والحيلولة دون جعل المساجد تحت امرة هؤلاء، فى مواقع التواصل الاجتماعي، فى الصحافة،
فى الأندية والجمعيات وفى المجالس وفى أي موقع كان، وعلينا أن نلتفت بكل جدية إلى وصول خطاب الكراهية الى الأجيال الصغيرة .. وهذا أمر يبعث على
الأسى والأسف والتحرك السريع الذى يستثمر كل الطاقات الوطنية المخلصة التى يقلقها ويفزعها
هذا الحال الشديد الوطأة، الثقيل الحمل   . 


الموضوع بحاجة الى
جهد مجتمعي مشترك تقوم به كل قوى ومؤسسات المجتمع المدني الفاعلة، ولعلنا بحاجة إلى
تحالفات مدنية وشبكات شبابية تناهض خطاب الكراهية بكل أشكاله فى النفوس والمواقع والمنابر  وتتصدى لكل من يدفع بنا نحو منحدرات طائفية، فهيا
يا أصحاب العقول التى تؤمن ” بالحشمة الوطنية ” والموقنون بأنه لايمكن الجمع
بين أن نكون ديمقراطيين وطائفيين فى آن واحد، كلكم مدعون إلى إستنفار فكرى على الأقل،
أطروا قواكم ، قودوا  الوعي الرافض لإنتاج الغرائز
وايقاعات التجهيل الطائفية والمذهبية وكل أنواع الانشطار فى مجتمعنا إما برضانا او
عنوة ، ويحقق التصالح مع الذات والآخر
.