المنشور

انتخابات الرئاسة الأمريكية بلا كاريزمات

في
الولايات المتحدة انطلقت من ولاية آيوا الريفية الصغيرة ذات الثلاثة ملايين
نسمة الاثنين 1 فبراير/شباط 2016 الانتخابات التمهيدية لانتخاب الرئيس
الأمريكي الجديد في انتخابات الرئاسة الأمريكية المقرر إجراؤها يوم
الثلاثاء 8 نوفمبر 2016، حيث فاز في انتخابات الحزب الجمهوري تيد كروز
بنسبة 28% من أصوات ناخبي الحزب على منافسه رجل الأعمال المعروف دونالد
ترامب الذي حصل على 24%. فيما أظهرت نتائج انتخاب ممثل الحزب الديمقراطي
لانتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة فوز هيلاري كلينتون في انتخابات الحزب
بنفس هذه الولاية الصغيرة بفارق بسيط على منافسها الديمقراطي بيرني
ساندرز، الذي كان يمثل ولاية فيرمونت في مجلس النواب الأمريكي قبل أن ينتخب
لعضوية مجلس الشيوخ عام 2007، وذلك ضمن صفوف الحزب الديمقراطي.


وأكد
الحزب الديمقراطي في بيان أصدره في «آيوا» أن هيلاري حصلت على تأييد 699.57
مندوباً مقابل 695.49 مندوباً للسيناتور ساندرز، بنسبة 49.8 %، وبفارق 0.2
% على ساندرز.


وباستعراض قائمة المرشحين من الحزبين، وهي على النحو
التالي: قائمة الحزب الديمقراطي: هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية السابقة،
بيرني ساندرز عضو مجلس الشيوخ، مارتن أومالي حاكم ولاية ميريلاند السابق،
لينكولن دافنبورت شافي عضو مجلس الشيوخ السابق الذي كان جمهورياً حتى عام
2007 تحول إلى مستقل حتى عام 2013، ثم تحوّل رسمياً لعضوية الحزب
الديمقراطي، لكنه انسحب من سباق الترشح؛ جيم ويب السيناتور الديمقراطي
السابق، جوزيف بايدن نائب الرئيس الأمريكي.


قائمة الحزب الجمهوري:
دونالد ترامب، السيناتور الجمهوري تيد كروز، راند بول عضو مجلس الشيوخ
الأمريكي عن ولاية كنتاكي، السيناتور ماركو روبيو، بن كارسون جراح الأعصاب
العالمي الشهير، كارلي فيورينا كبيرة المديرين السابقين لشركة
هيوليت-باكارد، مايك هوكابي حاكم سابق لولاية أركنساس، جيب بوش حاكم ولاية
فلوريدا السابق – فإنها على كثرة أسمائها، تكاد تخلو من أسماء كاريزمية ذات
صيت، باستثناء دونالد ترامب الملياردير المعروف وبنجامين سولومون كارسون –
أو بن كارسون – جرَّاح الأعصاب المعروف في العالم الذي يُنسب إليه الفضل
في إتمام أول عملية جراحية لفصل توأمين متصلين عند الرأس، بنجاح، والذي
منحه الرئيس السابق جورج دبليو بوش الوسام الرئاسي للحرية في عام 2009، وهو
أعلى تكريم تمنحه الحكومة الأمريكية للمدنيين، ونائب الرئيس الأمريكي
الحالي جوزيف بايدن، ووزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون.


وحتى هؤلاء يبدون باهتين قياساً إلى الرؤساء الأمريكيين السابقين.


فرجل
الأعمال دونالد ترامب الذي بدا لوهلة أنه فارس السباق بين مرشحي الحزب
الجمهوري، إذا به يسقط في جولة التصفيات الأولى في ولاية آيوا، فضلاً عما
كشفته حملته الانتخابية عن ضحالة سياسية ونزعات شعبوية جعلت منه موضع سخرية
وازدراء داخل الولايات المتحدة وخارجها.
أما المرشح الآخر الذي عول
عليه الجمهوريون وهو جيب بوش، فقد ضاع بين زحمة المتنافسين وصخبهم وحل
سادسا في آيوا، ويمكن أن يخرج من السباق في حال كرر نفس الفشل في
نيوهامبشاير، وسجله يقتصر على شغله منصب حاكم ولاية فلوريدا خلال الفترة من
1999 إلى 2007، وهو سجل لا يتجاوز شهرته كأحد أفراد عائلة بوش الحاكمة
السابقة، إذ يحل ثانيا ضمن أبناء الرئيس الأسبق جورج بوش الأب والأخ الأصغر
للرئيس السابق جورج دبليو بوش.


وهناك نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن
الذي رافق الرئيس أوباما طوال ولايتيه الأولى والثانية اسمياً فقط، والذي
لم يكن أحد يشعر بوجوده لفترات تمتد لبضعة أشهر قبل أن يظهر إما في العراق
أو أوكرانيا بتكليف من الرئيس لمتابعة هذين الملفين المهمين في الأجندة
الأمريكية، على عكس سلفه الذي كان وجوده طاغياً طوال فترة ولايتي الرئيس
جورج دبليو بوش.


أما هيلاري كلينتون فإنها تحاول بأقصى ما يمكن استثمار
رصيد زوجها الرئيس الأسبق بيل كلينتون لبناء مجد شخصي بطموحات عريضة تتجاوز
ما حققته حتى الآن كعضو كونغرس عن ولاية نيويورك خلال الفترة من 2001 إلى
2009، ووزيرة خارجية من 2009 إلى 2013، ليطاول منصب سدة الرئاسة التي رشحت
نفسها له كمنافس للرئيس أوباما الذي عوضها بعد فوزه بمنصب وزير الخارجية.


حتى
برامجهم الانتخابية لا يوجد تمايز واضح بينها، بحيث تجعل الناخب يفاضل بين
هذا المرشح وذاك، باستثناء المرشح الديمقراطي بيرني ساندرز الذي كاد يطيح
هيلاري كلينتون في انتخابات ولاية آيوا.


فقد اختار هذا المرشح أن يركب
مغامرة أمريكية محفوفة بالعواقب حين قرر تقديم نفسه صراحةً للجمهور على أنه
ذو توجه اشتراكي ديمقراطي، في بلد كان الليبراليون فيه حتى وقت ليس ببعيد
يخشون من وصمهم بالشيوعية إن هم طاولتهم «عصا» المحافظين خصوصا إبان سطوتهم
المكارثية.


اليوم يتقدم بيرني ساندرز، خطوة أخرى للأمام، أكثر جرأة، من
سلفه الرئيس أوباما الذي نجح في «إغواء» الجمهور بشعار حملته الانتخابية
الرئاسية المحوري وهو «التغيير». لقد نجح ساندرز في إلحاق هزيمة ساحقة في
ولاية نيوهامبشير الصغيرة بمنافسته هيلاري كلينتون التي تضع رجلاً ونصف
يميناً ونصف رجل يساراً.


وقد تشكل شعارات حملته اليسارية المعتدلة نقطة
استقطاب مغناطيسية لقطاعات واسعة من الجمهور الشاب الناقم على الطبقة
السياسية العتيقة وعلى أداء المؤسسة الحاكمة المنحازة لنسبة ال 1% من
الأثرياء.


ولكن سيتعين عليه مجابهة آله إعلامية ضخمة متسلحة بأموال
انتخابية طائلة سوف لن تتوانى عن استخدام كل نفوذها وجبروتها للحيلولة دون
نجاح ساندرز في إحداث المفاجأة.


في عدد 12-13 ديسمبر الماضي، كتب بول
كروغمان الاقتصادي الأمريكي المعروف والمحاضر بمركز التخرج في جامعة مدينة
نيويورك، مقالاً في صحيفة «نيويورك تايمز» الدولية بعنوان «تمكين القبح»،
قال فيه «بأننا نعيش في زمن يحفل بالأخبار الصادمة ولكن غير المفاجئة»،
وذلك تعليقاً على الشعبية الطاغية التي يتمتع بها مرشح الحزب الجمهوري
لانتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة، دونالد ترامب.


محملاً الجمهوريين مسؤولية ذلك، من واقع استهتارهم بالعواقب مهما كانت قبالة طمعهم في زيادة حظوظهم الانتخابية.


ولو
دققنا في مغزى هذا الكلام، سنرى أن الجمهوريين يفتقدون إلى شخصية كاريزمية
تحظى بقبول شعبي، وهم لذلك اختاروا الاتكاء على شخصية دونالد ترامب
الشعبوية.