المنشور

هل يصمد “بريكس” أمام العاصفة أم يضمحل

في غضون سبع سنوات، ظهرت مجموعة “بريكس” التي
تأسست عمليا في منتصف عام 2009، على المسرح الدولي باعتبارها مركز ثقل سياسي
واقتصادي عالمي جديد، له رؤيته وسياساته الداخلية والخارجية المستقلة عن مراكز
صناعة القرار التقليدية الحاكمة في العلاقات الدولية. حيث توجت عملها الإئتلافي
الهادىء المتمثل في السرعة النسبية  لبلورة
تجمعها كإطار جديد للقوى المتنافسة في الفضاء الكوني، بإعلان تأسيسها في يوليو عام
2014 لأهم مؤسستين اقتصاديتين ذات تأثير مبتغى في العلاقات الاقتصادية والنقدية
العالمية، هما بنك التنمية برأسمال مشترك يبلغ 100 مليار دولار، وصندوق مشترك
برأسمال قدره 100 مليار دولار لتمويل العجوزات وقت الأزمات الطارئة التي قد تتعرضت
لها أية دولة عضو في التجمع.
لكن سرعان ما ارتفع هزيز الرياح الهابة من جهة الغرب
باتجاه بلدان المنظومة الوليدة، فراحت تغرق الواحدة تلو الأخرى (راجع المقال
السابق “بريكس تحت الضغط، الخليج ؟؟؟؟)، في أزمات سياسية واقتصادية، باتت
معها الأنظمة السياسية الحاكمة فيها، لاسيما في البرازيل وجنوب افريقيا، تحت تهديد
الاقصاء من السلطة، خصوصا بالنسبة للرئيسة البرازيلية ديلما روسيف التي تقاوم هجمة
شرسة ومنظمة تهدف ليس فقط لاقصائها من السلطة في تصويت يوم الأحد 17 ابريل 2016 لمجلس
النواب البرازيلي البالغ عدد أعضائه 513 عضوا، من خلال إدانتها





(Impeachment)





التي تمهد الطريق لعزلها من
رئاسة البلاد، وإنما أيضا لتشويه صورة اليسار الحاكم في البرازيل وأمريكا
اللاتينية عموما، منذ وصول زعيمه لولا دا سيلفا الى السلطة في عام 2003. وقد علقت
الرئيسة البرازيلية على ذلك بالقول “إن البرازيل تعيش لحظات غريبة..ملؤها
التآمر والمهازل والخيانات والانقلابات”.
حتى الاعلام الغربي، الأمريكي والبريطاني تحديدا، الذي
واكب منذ عامين ونيف عملية تسقيط نظام الحكم في البرازيل، اقتصاديا (بالتركيز على
موضوع الفساد لاسيما في شركة بتروبراس النفطية الوطنية البرازيلية)، وسياسيا، لم
يتمكن من تقديم ما يثبت تورط الرئيسة البرازيلية في أي قضية من قضايا الفساد المثارة.
بل ان الواجهة الاعلامية الأبرز في المملكة المتحدة لم تجد بدا من الاعتراف بأنه
لم يثبت تورط الرئيسة البرازيلية في عمليات فساد، ولكنها تصر على أنها مسؤولة عن
عملية تدليس أرقام أداء الاقتصاد البرازيلي لتزيين صورة حكومتها قياسا الى أدائه
قبل حوالي سنتين من تسلمها قيادة البلاد.
الهدف صار قاب قوسين أو أدنى من التحقيق، على الأقل في
البرازيل، وذلك برسم الانقسام المجتمعي الذي سوف يفرز انعطافةً نحو اليمين، يلي
ذلك، التفرغ لنظام الحكم الوطني الذي أشاده حزب المؤتمر الوطني الافريقي وزعيمه
التاريخي الراحل نيلسون مانديلا في جنوب افريقيا. وسقوطهما سوف يعني نهاية
توجهاتهما السياسية والاقتصادية الداخلية والخارجية، على نحو ما يحصل الآن
للأرجنتين بعد انتهاء الولاية الثانية للرئيسة كريستيانا كوشنير وحزبها الحاكم حزب
جبهة النصر البيرونية وفوز مرشح اليمين ماوريسيو ماكري في الانتخابات التي جرت في
شهر نوفمبر من العام الماضي.
لقد خسر “بريكس” عمليا الأرجنتين التي كانت
المرشحة الأولى للالتحاق به في قمته المقبلة في مدينة غوا الهندية خلال الفترة من
15-16 أكتوبر المقبل. فبمساحتها البالغة حوالي 2.8 مليون كيلومتر مربع (ثامن أكبر
دولة في العالم)، وعدد سكانها البالغ أكثر من 43 مليون نسمة (2015)، واجمالي
ناتجها المحلي البالغ حوالي واحد تريليون دولار (2015)، كانت ستعزز ركائز وجود
“بريكس” في أمريكا اللاتينية الى جانب البرازيل. الارجنتين الآن في ايدي
اليمين الذي اعاد البلاد الى صراط مؤسسات النظام المالي الغربي. “بريكس”
لا يناسبها، فهو يمثل سياسة الاستقلال وقادتها الجدد لا يريدون الاستقلال وانما
القبول بقواعد اللعبة الاقتصادية الغربية، ومنها القبول بأوامر المحاكم الأمريكية التي
سمحت قبل أيام للحكومة الأرجنتينية الجديدة بالتفاوض مع صناديق التحوط الأمريكية
الدائنة للأرجنتين. هذا المصير هو ما هو منتظر للبرازيل في مقبل الأيام.
هل ستؤثر هذه المستجدات على ائتلاف “بريكس”؟
بالتأكيد سوف تؤثر. تفكك المنظومة ليس واردا، على الأقل في المديين القريب
والمتوسط (حتى 3 سنوات)، إنما سوف تفقد زخمها بفقدان تجانس وتلاقي رؤى المؤسسين
لها. من حيث أن من اجتمع لتأسيسها في عام 2006، كانوا قادة يمثلون خطاً ذا نزعات
استقلالية في السياسات الوطنية لبلدانهم، أما وقد تعرضت البنى الحاكمة في بعض
بلدانها لانقلاب كامل في الرؤية المركزية للعالم ولعلاقاتها به، فإن الصورة ستتغير
حكماً.
تجمع “بريكس”، هو أحدث محاولة جدية لإحداث
اختراق نوعي في النظام السياسي والاقتصادي الذي أشادته الولايات المتحدة بعد نهاية
الحرب العالمية الثانية، والذي جعلت مركزية صناعة القرار السياسي والاقتصادي
والنقدي، وأدوات صناعة هذا القرار فيه، في أيديها حكراً وحصراً. واعتبرت أي محاولة
لتغيير هذا الواقع بمثابة تحدي لسلطانها وتعدي للخطوط الحمراء التي رسمتها في
الحياة الدولية. قبل “بريكس” كانت هناك حركة عدم الانحياز التي أشادها
زعماء حركات التحرر والاستقلال في بلدان آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية، مثل
تيتو ونهرو وعبدالناصر وسوكارنو؛ وكانت هناك أيضا منظمة الوحدة الافريقية. وكل هذه
المحاولات قد انتهت الى الاضمحلال والتلاشي.
فهل يكون “بريكس” استثناءً من هذا المآل شبه
المحتم؟ ربما..إذا ما أسعفته المصادفات التاريخية والانعطافات الفجائية في الأحداث
العالمية، وإذا ما قُدر لروسيا والصين الاستمرار في لعب دور النواة المستقطبة
للدول الجسورة والراغبة في وضع صياغة جديدة متوازنة لنظام العلاقات الدولية.