المنشور

لماذا تغيب لغة الأرقام في حياتنا؟

في مداخلة طرحتها مؤخرا في المنتدى التقدمي الفكري السنوي الخامس، والذي حمل عنوان ” ” بلدان الخليج العربي.. رؤى مستقبلية “
اشرت فيها الى غياب لغة الأرقام والمدلولات والمعاني والابعاد الاقتصادية عن فضائنا الإعلامي وخطابنا السياسي والاجتماعي وندواتنا واغلب نتاجنا الفكري، رغم ان هذا الشق حاضر بقوة في كل مادة او موضوع يتصل بالشأن الحياتي برمته، فنحن كمواطنين وموظفين وافراد اسرة نرسم خريطة حياتنا كلها بناء على الأرقام بدءا من مداخيلنا مرورا بمصروفاتنا وانتهاء بوضع خططنا المستقبلية وعدد ابناءنا ومساحة بيوتنا ونمط حياتنا، ان المواطن يتحرك على وقع اقتصاد بلده ومداخيله بالدرجة الأولى ثم تأتي الاعتبارات الأخرى.
بيد ان اللافت في الامر هو ان اعلامنا واغلب ندواتنا وابحاثنا تتضمن السرد الطويل الانشائي والتنظير والتحليل والنقد القليل في حدود المتاح، لكنها في الغالب بلا ارقام حسابية.
وبداية فإن البعد الاقتصادي كامن في صلب المشروع الإصلاحي ولكن جرى التركيز طوال السنوات الماضية على الطابع السياسي والاجتماعي والقانوني والدستوري، فالتحول الديموقراطي يرنو أساسا الى تحول في الأداء الاقتصادي والى اعتماد معايير المسائلة والمحاسبة والرقابة على المال العام وتتبع أوجه صرفه، ومكافحة الهدر المالي والفساد وبلوغ التنمية المستدامة وهكذا.
حين طرحت الحكومة على مجلس النواب مشروع التقاعد الاختياري مطلع الشهر الماضي تجنبت الحديث عن كيفية تمويل المشروع ماليا، لقد غاب الرقم الذي كان يجدر ان يكون في قلب هذا المشروع وفي بداية سطوره، فلماذا فوجئ النواب لاحقا بان التمويل سيؤخذ من صندوق التعطل؟
وحين نتغنى ليل نهار بقضية تمكين المرأة على سبيل المثال، فإن السؤال الذي يليه بطبيعة الحال هو كم هي الميزانية المرصودة والمخصصة لبرامج ومشاريع التمكين هذه؟ وكم نسبة القوى العاملة النسائية حاليا وكيف سيتم رفعها ” ماليا “وذلك يستتبع بالطبع معرفة عدد النساء في قطاه العمل العام والخاص وفي مواقع صنع القرار وفي مجالس الإدارات ومعدلات رواتبهن قياسا بنظرائهن الرجال، وهناك مثال ثالث يتعلق بموضوع البحرنة التي تتصدر أحاديثنا وندواتنا في الوقت الراهن، فالقضية هنا لا تتعلق بحقوق المواطن واحقيته فحسب، ولكن تختص بلغة الأرقام وماذا تقول: فكم يكلف العامل الأجنبي بعد رفع الدعم عنه وكم يكلف البحريني؟ من هنا سيتبين لنا ان العمالة الأجنبية ليست رخيصة كما يشاع لو عرفنا الرقم الحقيقي لأعدادها وكلفتها على الاقتصاد البحريني.
ولعلنا نلحظ ان غياب لغة الأرقام يرجع الى غياب المعلومة الصحيحة والدقيقة، او تعذر الحصول عليها واعتبار كثير من الأرقام ضمن قائمة المحظورات الأمنية.
ان بلدنا يشهد تحولات كبيرة على المستوى المالي والاقتصادي، يعاني من ازمة مديونية وعجز مالي ويعيش على المساعدات المالية الخليجية ،لكنه أيضا يقدم نفسه للداخل والخارج كبلد يريد التحول عن النموذج الاقتصادي الريعي على وقع نهاية حقبة النفط ، ويتجه نحو تنويع الاقتصاد وفرض الضرائب ورفع الدعم واشراك المواطن في تبني السياسات الجديدة الملائمة، ان كان الامر كذلك فان لغة الأرقام وتوفير المعلومة ورفع سقف حرية التعبير حول هذه المسائل يجب ان تتصدر وتتضمن كافة خطاباتنا المقبلة كي نكون على بينة علمية وحسابية صحيحة لما نحن مقبلون عليه .