المنشور

التقدمي والقومي تدعوان إلى توفير الضمانات للحفاظ على المكتسبات الوطنية في ظل أزمة جائحة كورو

تعصف بالعالم في أيامنا هذه أزمة إنسانية أودت بحياة عشرات الألوف، كان غالبيتهم من الفقراء والطبقات المعدمة الذين حالت ظروفهم دون الحصول على العلاج والحماية الكافية والأمن الصحي المستدام، لتعكس واقع إنساني مرير غابت فيه قيم العدالة والكرامة وأصبح معه جلياً الحاجة الملحة للشعوب الفقيرة والطبقات المعدمة أن تتطلع إلى عالم خال من سيادة السياسات النيوليبرالية الباحثة عن المصالح الأنانية قبل كل شيء، عالم أكثر إنصاف ومساواة تكون فيه الفرص المتاحة قائمة على قدم المساواة أمام الجميع، عالم يعيد توجيه محركاته نحو خدمة الإنسان ورفاهيته والخدمات الأساسية المتصلة بجودة حياته، وإطلاق طاقاته المبدعة وحريته في إبداء رأيه ومشاركته في القرارات التي تتعلق بمصيره، حيث باتت هذه المعايير تحدد مدى صلاحية الحكومات والأنظمة الحاكمة في كافة أرجاء العالم.

وإذ تقف اليوم جمعيتي المنبر التقدمي والتجمع القومي بكل تقدير واعتزاز أمام الإجراءات والخطوات التي اتخذتها مملكة البحرين، وتبارك الجهود الجبارة التي يبذلها طاقم فريق البحرين لمحاربة الجائحة وفي مقدمتهم الكادر الطبي، إلا أنها تستشعر الخطر المحدق الذي بدأ يطال الفئات الأكثر تضرراً من تبعات هذه الأزمة، داعية الحكومة والجهات ذات القرار حماية هذه الفئات من الوقوع فريسة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة لتفشي المرض، وهي دون شك أشد فتكاً من الوباء نفسه لمثل هذه الفئات الضعيفة.

وإذ تقدر الجمعيتان وتثمنان عالياً حزمة الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية التي أطلقتها الدولة بكافة أجهزتها للمساهمة في حماية الفرد والمجتمع والاقتصاد في مملكة البحرين، وإذ تقدر الجمعيتين أن هذه الإجراءات طالت بنتائجها الإيجابية والمطلوبة شرائح واسعة من المجتمع وأثارت الارتياح البالغ لديهم، فلقد بقت هناك شرائح وفئات واسعة أيضاً لا تزال تبحث عن دعم ومساندة وغطاء تأميني، وخاصة أصحاب المهن خارج العمل المهيكل الذين يقتاتون علي عيش يومهم كأصحاب المهن الحرة والمزارعين والصيادين وبائعي الأسماك والخضروات والبرادات وسواق الأجرة وسوق النقل والأسر المنتجة وأصحاب المؤسسات متناهية الصغر وغيرهم العديد، حيث تشير الإحصائيات أن السكان البحرينيين من هم في سن العمل (15 – 60 سنة) يبلغون 483 ألف، في حين أن العاملين في القطاعين العام والخاص 153 ألف، وإذا ما تم استبعاد أيضاً ربات البيوت والطلبة والمتقاعدين ما دون الـ60، فإن التقديرات تشير إلى وجود نحو 100 ألف بحريني من العاملين ممن لم تطالهم إجراءات الدولة بالتخفيف عن تداعيات تفشي وباء كورونا، وهو ما يشي بتراكم أزمة اقتصادية اجتماعية خطيرة في صفوف هذه الفئات ندعو بكل إخلاص للتعامل معها ومعالجتها بروح من المسئولية.

كذلك، فإن الجمعيتين تلاحظان، وبالرغم من الدعم المقدم للشركات لدفع أجور البحرينيين، فقد بدأت عدد من الشركات في تسريح العمالة الوطنية ولو بأشكال مختلفة، مثل إجبارهم على إجازات غير مدفوعة الأجر أو تقليص الامتيازات التي حظو بها كنتاج لجهدهم وإنتاجهم في حقلهم الوظيفي، مما يكشف عن جانب من الجشع واللامسئولية الوطنية لعدد من التجار وأصحاب الأعمال الذين يسعون لاستغلال هذه الأزمة الإنسانية لتحقيق بعض المكاسب الضيقة والأنانية كتقليص امتيازات العمال، والمضاربات في الأسعار وإحجام العديد منهم عن إظهار مسئوليته الوطنية في التبرعات النقدية والعينية للجهود الوطنية لمكافحة الجائحة.

ويبقى موضوع العمالة الوافدة وهم الحلقة الأضعف في هذه الجائحة، فاليوم تتكشف وأكثر من أي وقت مضى جشع شرائح عديدة من أصحاب الأعمال الذي استغلوا هذه الفئة أبشع استغلال في قوت يومهم وأجورهم المتدنية لتحقيق الأرباح الفاحشة، ووضعهم في مساكن خالية من أدنى الاشتراطات الصحية والإنسانية، كما يتكشف الخطأ الشنيع والفاحش لسياسات الفيزا المرنة والعمالة السائبة التي تقدر بنحو 60 ألف عامل، بعد أن إزدادت الإصابات في صفوفها، مهددة بذلك القدرة التحملية لنظام الرعاية الصحية. وإذ تشيد الجمعيتين بالتعامل الإنساني للدولة مع هذه الفئات، فإنهما تدعوان بقوة إلى محاسبة كافة أصحاب المهن المقصرين في رعاية عمالتهم، وكذلك أولئك الذين سارعوا لتنفيذ سياسات الفيزا المرنة وأيضاً المتهاونين مع العمالة السائبة وعدم التهاون في تحميل هؤلاء كافة المسئولية القانونية والجزائية لأوزار ونتائج هذه الممارسات والسياسات التي ألحقت أضراراً بالغة بمصالح البلد الاقتصادية والاجتماعية.

إن الجمعيتين إذ تجددان إشادتهما البالغة بكل الإجراءات التي اتخذتها الدولة للتصدي لتفشي وباء كورونا، والجهود الوطنية العالية التي تبذلها كافة الكوادر المعنية وخاصة الكوادر الطبية والصحية، وإذ تحييان بكل إكبار واعتزاز الروح الوطنية الجامعة لكافة فئات المجتمع في الالتفاف حول تلك الإجراءات ودعمها، وروح التضامن الاجتماعي التي تجلت في الكثير من الصور والمواقف الرائعة والمبدعة والمسئولة، فإنهما تجددان دعوتهما لتطبيق معايير العدالة الاجتماعية التي ارتضت بها مملكة البحرين، وفي مقدمتها توسيع شبكة الدعم المالي والعيني المباشر وغير المباشر لفئات العاملين البحرينيين الذين لم تطالهم إجراءات الدعم، خاصة الواقعين خارج العمل المهيكل بكافة فئاتهم، مع تحميل جزء من أعباء ذلك على شركات القطاع الخاص المقتدرة أو تمكين أو توجيه جزء من حصيلة تبرعات الحملة الوطنية لتحقيق ذلك، كذلك توفير الضمانات القانونية التي تحول دون انتقاص الحقوق المكتسبة للمواطنين، وفي طليعتها الحق في الأمن الاجتماعي وعلى رأسها الحق في العمل والضمانات التي تؤدي لاستقراره واستدامته.

كذلك، وإذ يتزامن إصدار هذا البيان مع دخول شهر رمضان المبارك الذي نتمنى فيه أن يحل بخيره وبركاته على شعبنا الكريم، فإن مما شك فيه أنه وبما يجسده من قيم ومعاني سامية يشكل فرصة كبيرة لتوطيد روح التراحم والعفو والإخاء والإنسانية في المجتمع، ومن هذا المنطلق تجدد الجمعيتين دعوتهما لإطلاق سراح كافة سجناء الرأي المعتقلين، كذلك إطلاق حرية الرأي والتعبير المسئولة بوصفها الحرية الأصل والأبلغ أثراً في مجال اتصالها بالشئون العامة والتعبير الصادق عن الموقف المسئول خاصة في هذه الفترة التي تقتضي التكاتف والتكامل الاجتماعي والسلام والاستقرار المجتمعي.

المنبر التقدمي
التجمع القومي
المنامة في 25 أبريل 2020