المنشور

هل تحدّ الرقابة المالية والإدارية على منظمات المجتمع المدني والأهلي من استقلاليتها؟

لا يختلف اثنان على أهمية الرقابة بشقيها المالي والإداري على أية منشأة أو مؤسسة ومنظمة، سواء كانت عامة أم خاصة، أهلية ام مدنية. فمن خلالها يمكن مساعدة ادارة هذه المؤسسة على تحقيق أهدافها وفق ما تنصّ عليه الأنظمة الناظمة لعملها، والتأكد من تحقيق خطة العمل وفقاً لمسارها الصحيح، وتنفيذاً للوظائف المخطط لها. وبالكشف عن الأخطاء ومعالجتها بشكل فوري، وبالتأكد من التقيد واحترام كافة القوانين والأنظمة والقرارات الإدارية. هذا بالإضافة إلى المساهمة في الحفاظ على حقوق أعضاء هذه المؤسسة وهو ما يعزز الثقة ويبث الطمأنينية لديهم، ويساهم في نجاح هذه المنظمة ويعزز من مكانتها المجتمعية.
ومن هذا المنطلق تحرص جميع الدول، والبحرين ليست إستثناء، أن يكون لديوان الرقابة المالية دور مهم يُخوّله في ذلك ما نصّ عليه قانون إنشائه وما يتمتع به من استقلالية عن الجهاز الحكومي والإدارات والهيئات التابعة لها، وقد درجت بعض الدول على أن يكون تابعاً للبرلمان وتحت إشرافه، إلا أن ما يشهد له ما مضى من السنوات من حرفية ومهنية التي تميزت بها تقارير ديوان الرقابة المالية تعطي الدليل على أن بقائه تحت إدارة الديوان الملكي‮ ‬وجلالة الملك لا ينتقص من دوره واستقلاليته.‬‬‬
وإذ نتحدث عن منظمات المجتمع الأهلي والمدني ومدى حاجتها الى هذه الرقابة رغم ما تشكله الرقابة الداخلية من أعضاء هذه المنظمات، والتي تنص معظم انظمتها وقوانينها على وجوبها من أهمية، إلا أن الرقابة الخارجية وخاصة الرقابة التي تمثل المجتمع عبر مؤسسات تتمتع بصلاحيات تؤمنها لها القوانين وباستقلالية عن إدارة هذه المنظمات ما يساهم في تعزيز مبادىء الشفافية وديمقراطية الإدارة ويحقق إشتراطات الحوكمة فيها.
وما يعزز هذا الرأي ما لمنظمات المجتمع المدني والأهلي من دور مهم في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية، بحيث أصبحت هناك حاجة إلى وجود رقابة على أنشطتها لضمان احترام القانون من خلال تنفيذ القوانين من جانب الأشخاص القائمين على إدارتها، بالإضافة إلى حماية المصلحة العامة.
وبالرغم من الاستقلال الإداري والمالي لهذه المنظمات والذي يضمن لها حرية العمل، وممارسة أي نشاط لها في حدود نظامها الأساسي لأجل تحقيق أهدافها وفق القانون والنظام العام، ولا ينتقص من هذه الحرية استثناء خضوعها لرقابة السلطات الإدارية والمالية المختصة التي تمارس الرقابة عليها بنصوص قانونية صريحة، ولكنها محددة واستثنائية ولا يجوز لإدارة الجهة الرقابية تجاوزها.
وتهدف الرقابة إلى التأكد من أن التصرفات التي تقوم بها أو تمارسها منظمات المجتمع المدني مطابقة للقوانين والأنظمة والتعليمات، وكشف الانحرافات والتأكد من سلامة السجلات والبيانات المالية من أي خطأ بحيث تكون مطابقة للتعليمات والأنظمة، ومن حسن استعمال الأموال وبشكل يضمن مكافحة الفساد المالي والإداري، خاصة أن تمويل هذه المنظمات يساهم فيه بشكل كبير ما يخصص لها في الميزانية السنوية للدولة من الأموال العامة، عدى ان ما يٌحصل من إشتراكات أعضائها بحكم الأموال العامة ايضاً، وكذلك الكشف عن المخالفات والأخطاء التي تحدث في هيئاتها وتحديد المسؤولين عنها وتبيانها للرأي العام، شأنها في ذلك شأن المنظمات الأخرى كالجمعيات السياسية وغيرها، حيث يخّول القانون الجهة الإدارية سلطة فحص الأعمال الصادرة من هذه الجمعيات، والتأكد من تطبيقها للقواعد القانونية، وكذلك سلطة الإطلاع على الدفاتر والسجلات والوثائق والبيانات والمعلومات اللازمة.
كما أن المنظمات غير الحكومية في العديد من البلدان ومن ضمنها البلدان المتقدمة في مجال العمل المدني تلتزم بتقديم تقارير سنوية إلى دائرة المنظمات غير الحكومية، وتشمل تفاصيل عن نشاطات المنظمة والمشاريع التي نفذتها خلال السنة، وفي نفس الوقت على الإدارة أن تلتزم بالحفاظ على سرية المعلومات التي تحصل عليها من هذه المنظمات وعدم افشائها.
ليس أدلّ على ذلك، ما هو حاصل على أرض الواقع من رقابة الجهات المانحة التي يمارسها المانحون حيث يشددون على طلب المعلومات التي يرغبون الاطلاع عليها والمتعلقة بالسجلات المالية لتقدير قيمة البرامج التي تمّ تمويلها من قبلهم، كما تشترط بعض المؤسسات المانحة على المنظمات تعيين مدقق حسابات خارجي مستقل لمراجعة وتدقيق حسابات المشروع أو البرنامج الممول منها.حيث تخضع هذه المنظمات لرقابة من قبل وكالات ومنظمات تمثل الصالح العام في بلدانها، بل أن بعضها تابعة لوزارات او إدارات حكومية مثال ذلك النقابات الامريكية حيث تتلتزم بتقديم تقارير وإفصاحات لإدارة العمل (Labor Management Reporting and Disclosure) فكيف لنا أن نقبل رقابة هذه الجهات ونرفض الرقابة المحلية المعنية بالرقابة على الاموال العامة بذريعة الاستقلالية.
وختاماً نعتقد أن للرقابة المالية والإدارية دور هام في تعزيز الشفافية والمساءلة والحوكمة داخل الإدارات والهيئات وهياكل هذه المؤسسات، وبما يساهم في الحدّ من مركزية سلطة الإدارة التنفيذية داخل هيكل هذه المنظمات ويكشف للجمعيات العمومية عدى عموم افراد المجتمع عن مدى سلامة سير عمل هذه المؤسسات ويعزز الثقة فيها وفي أدائها، بما يهيؤها لدور مجتمعي أكبر.