المنشور

استثمار كورونا

كنا على موعد مع ازمة اقتصادية كبيرة في 2020 بدأت تباشيرها قبل عدة أعوام، لكننا استيقظنا على كورونا. أتساءل: لو اختبرنا الأزمة الاقتصادية وحدها دون الوباء هل كنا سنقبع في بيوتنا أم سنخرج الى الشوارع مطالبين بالإصلاحات والعدالة والإنصاف ومحاسبة الفاسدين؟

الأعمال عن بعد والمعتمدة على التطبيقات التكنولوجية الجديدة تحتاج طاقمًا اداريًا جديدًا في القطاعين العام والخاص. حان الوقت لرؤية شبانًا صغارالسن متمكنين علميًا وإداريًا وتقنيًا يقودون الاقتصاد والتعليم والصحة والتجارة، إدارة ما قبل كوفيد19 لا تصلح لما بعده .

كل يوم يخرج علينا سفير ليفاجئنا بتعداد جاليته، هل كان ثمة اتفاق ضمني في الماضي على إبقاء هذه الأرقام سرية ؟

بين الفتح والإغلاق، والفتح والإغلاق عاش الناس حياة صبر طويلة ….ومؤجلة.

كوفيد 19يدخل إلى سيرتنا الذاتية ويصير جزءً من تكويننا: مصاب بكوفيد، متعافي من كوفيد، متسبب في عدوى كوفيد، مستهتر باحترازات بكوفيد، ثمة خشية من أن تكون هذه الصفة المرضية ملازمة للإنسان، وسببا للتمييز بينه وبين الاخرين مستقبلًا.

تقول أغنية صربية قديمة: “لا أحب السبت ولا أحب الاحد، لا الاثنين يعنيني ولا الثلاثاء، الأربعاء قد يكون يومًا مهمًا بالنسبة لغيري/ أما السبت، آه السبت فيشبه الخميس الماضي”. عاش الناس دومًا أشكالًا عديدة من الحجر والعزل النفسي والوحدة قبل كوفيد وسيعيشون مثلها بعده.

الناس ليسوا في حالة تحدٍ مع الحكومات وإجراءاتها، إنما في حالة صراع مع عقولهم ووعيهم، فثمة رسائل عديدة مضادة يتلقونها يوميًا حول كذبة الوباء ومؤامرة الوباء والمختبرات التي خلقت الوباء، اليقين الكامل في منظومة الإعلام العالمي لم يعد سهلًا في زمن ديموقراطية الإنترنت.

العالم الإستهلاكي أكبر المتضرريين من كورونا. مصانع الساعات السويسرية المقفلة حاليًا تبحث في ابداعات إعلانية غير مسبوقة لتسويق منتجاتها مستقبلًا. السؤال هو: كيف ؟

أنشطة اقتصادية تضاءلت ثم تبخرت بعد أن فقدت مسوغ وجودها، ولم يشعر الناس بغيابها، كانت فقط وبالًا على البيئة ووسيلة للتربح والإثراء غير المستحق.

إذا طال أمد كورونا سيخرج الناس في تظاهرات احتجاجية تحت يافطة “الحق في المخالطة”.

موطنون عاديون وبسطاء ولا شأن لهم بالاخرين، عاشوا حياتهم في العتمة بعيدًا عن الأضواء عافين وكافين، فجأة اصبحوا مشاهير وأرقامًا مهمة على نشرات الأخبار ومؤشر كوفيد 19 بعد إصابتهم أوتعافيهم أو موتهم.

قال مازحًا للممرضة التي أجرت عليه الفحص: لقد سعلت وعطست عدة مرات، أكان ذلك بحثًا عن الفيروس ام حقنًا به ؟ اجابت الممرضة بل هو مجرد حالة نفسية عارضة.

أما صحفنا الورقية الأربع ذات الرأي الواحد فجدير بها أن تتعاطى مع كورونا كشأن بعض البنوك والشركات والوزرات بأن تدمج نفسها في مبنى واحد ومطبعة واحدة،لا خوف عليها من تبدد هويتها وشخصيتها واستقلاليتها المفقودة منذ زمن طويل.

الرعب والهستيريا من الوباء جدير بالمكافحة أيضًا، كي نعود للحياة الطيبة التي كنا نألفها قبلا.

المسافة تباعدت في الشوارع والأماكن العامة واقتربت جدًا في البيوت، نذير شؤم على العلاقات العائلية والعاطفية. نحتاج المسافة كي نشتاق ونحب ونعشق.

اخلق وظيفتك، ذلك هو الشعار الذي جاء مبكرًا مع وباء كورونا. الحكومات لن تكون مسؤولة بعد اليوم عن عطالتك وجوعك وموت أبناءك. الخرق الأمني هو ما يعنيها فقط ، واذا سأل سائل عن حقوقه تجاه الدولة فسوف يقال له: انها الكورونا .

نظر إلى وجهه في المرآة فهاله حجم التغيير والتقدّم في العمر الذي طرأ عليه خلال أشهر العزل البسيطة، ودّ لو يتراجع عن هذا المشوار التافه، بيد أنه كان يبحث عن متنفس وسبب للخروج غير الضروري، أحكم اغلاق القناع على وجهه وسحبه ومدده كي يغطي أكبر مساحة من وجهه، أرخى غترته على جبينه، ردّد في نفسه: لا فرق، وحيدًا في الداخل ووحيدًا في الخارج.