المنشور

صفاء قلب عاشق للوطن والحزب الرفيق الراحل أحمد البوسطة

في الثاني عشر من الشهر القادم يوليو 2020 ، يكمل المنبر التقدمي عامه التاسع عشر ويدخل عامه العشرين منذ انعقاد الاجتماع التشاوري التأسيسي في نادي طيران الخليج في 12/07/2001 في أول تجمع علني لأعضاء ومناصري جبهة التحرير الوطني، حيث فاق عدد الحضور 400 شخص. وشكّل انعقاد هذا الاجتماع التأسيسي نقلةً في تاريخ العمل السياسي في البحرين، واللمسيرة النضالية للحركة الديمقراطية التقدمية التي ظلت لعقود تعمل بصورة سرية، وتعرضت طوال مسيرتها الكفاحية إلى ضربات قاسية من قبل السلطات الأمنية في البلاد، فدفع مناضلوها الثمن غالياُ بين السجون والمنافي وحتى الاستشهاد تحت التعذيب، فيما حرم الكثير من أعضائها من العمل ومنعوا من السفر.
جاءت مرحلة الانفراج السياسي في فبراير 2001 لتنقل البحرين إلى حقبة إصلاحية مغايرة ، فبدأت صفحة جديدة مشرقة ولتطوي صفحة قانون أمن الدولة السوداء التي استمرت لربع قرن من عام 1975 إلى 2001، وفي هذا المناخ انعقد الاجتماع التشاوري للتيار المحسوب على جبهة التحرير الوطني البحرانية وبحضور أجيال مختلفة من الأعضاء والأنصار.
هذا المدخل ضروري لتسليط الضوء على الدور البارز الذي قام به رفيقنا الراحل الصحفي والكاتب أحمد البوسطة في التحضير لهذا الاجتماع الهام، وهو ما لا يعرفه الكثيرون، حيث كان الراحل الذي التحف بتراب وطنه الذي عشقه وحتى وهو يقاوم المرض، واحداً من مجموعة من الرفاق الذين تولوا هذه المهمة التاريخية.
سبق أن كتبنا عن رفيقنا الراحل أبي فهد في “التقدمي” في النصف الثاني من عام 2015 بعد إجراء عملية بتر رجلَيْهِ نتيجة لمضاعفات مرض السكري والجلطات التي أُصيبَ بها، حيث كتبتُ عن أحمد البوسطة الرياضي الذي كان معروفاً في منطقة رأس رمان باسم “حماد”، وأصبح عضوا في منتخب البحرين لكرة القدم، ولعب مع لاعبين معروفين في الوسط الرياضي في منتصف سبعينيات القرن الماضي، فكانت جماهير المنطقة تهتف باسمهِ “حماد” في الملاعب الرياضية، لأنه لاعبٌ ماهرٌ وبارزٌ في صفوف الفريق لهذا أحبه وعشقه الجمهور.
كما كتبتُ عنه ثانياً بصفته صحفياً وكاتباً، كانت رسالة التخرج الجامعي للحصول على شهادة الماجستير من جامعة لينينغراد (سان بطرسبورغ حالياً) في عام 1981، عن الصحافة الحزبية السرية في البحرين، وبشكل خاص عن صحافة جبهة التحرير الوطني البحرانية، وبعد تخرجه عمل لعدة سنوات في صحيفة “الفجر” في أبوظبي، قبل أن يعود إلى البحرين ليعمل على التوالي في صحيفتي “الأيام”، ثم “الوقت” ، كما نشرت صحيفة “الوسط” له عدداً من المقالات، فكان صاحب قلم حر وجريء، يؤكد دائماً على أن على الصحفي التعبير عن واقعه الذي يعيشه.
حديثنا هنا سنركزه على الدور السياسي والنضالي للرفيق الراحل، فعندما طُرحت عليه الفكرة بتجميع الرفاق للاجتماع التشاوري الذي أشرنا له، كي تعود الدماء لتتدفق من جديد في شرايين التنظيم الذي لم تفلح كل الضربات المتلاحقة في اقتلاع جذوره العميقة في أرض أوال، فهو الحزب الذي اجتاز كل الصعاب وواصل مسيرته النضالية، وفي ذلك الوقت كان البعض يروج لمزاعم أن زمن الأيديولوجية والأحزاب العقائدية قد ولى، بما في ذلك بعض “الماركسيين” المأخوذين بنظرية نهاية التاريخ، مكررين: “اتركوا عنكم النظريات الأيديولوجية”، وراحوا يروجون لمصطلحات جديدة هي في جوهرها تسويق للمفاهيم الليبرالية وما تحمله في أحشائها من رأسمالية متوحشة.
وكان الرفيق أبوفهد من أوائل الرفاق الذين وافقوا على فكرة المبادرة، ولاحقاً أطلق على في أحد مقالاته المنشورة في جريدة “الوقت” مسمى “فرقة الكومندوز” على أعضاء اللجنة التي عملت و بصمت للإعداد لذلك الاجتماع قبل أن تتوسع بإضافة رفاق آخرين في لجنة الإعداد، وكان أبو فهد شعلةً من النشاط ، حيث عهدت إليه مع رفيق آخر مهمة الاتصال واللقاء بالرفاق المخضرمين من كوادر التحرير لإقناعهم بفكرة تشكيل تنطيم تقدمي علني يحافظ على الهوية الفكرية والسياسية لحزب عريق قرر البعض تذويبه في شكل وأطر فكرية وسياسية مغايرة، إذ كان جيل الشباب من الرفاق واعياً ومدركاً لخطورة تلك التحولات الايديولوجية في الفكر اليساري للبعض والتي بدأت ملامحها تتضح في منتصف تسعينيات القرن الماضي عندما طرحت وقتها تسميات ومشاريع جديدة لم تُوفّق في مهمتها، بسبب وعي رفاقنا وتمسكهم بفكرهم وحزبهم، ليس رفضاً للتنسيق الوطني ولكن لفكرة الانصهار أو بالأحرى الضياع الفكري والسياسي.
ليس غريباً على الرفيق الراحل أبي فهد بأن تكون مواقفه واضحة بأهمية دور الحزب مهما كانت ظروفه وأوضاعه، كان مبدئياً في ذلك الرأي وهو الذي انخرط في صفوف الحزب منذ صباه، وبرز دوره مع سائر الشبيبة والرفاق والأصدقاء في دعم مرشحي (كتلة الشعب) التي شكلتها جبهة التحرير الوطني البحرانية من الشخصيات اليسارية والديمقراطية، وخاضت الانتخابات باثني عشر مرشحاً، فاز ثمانية منهم، محقِّقِين انتصاراً كبيراً لليسار في البحرين والخليج العربي، وكان أحدهم المرحوم المحامي خالد الذوادي شقيق رفيقنا الكبير الراحل أحمد الذوادي، في الدائرة التي تشمل رأس رمان ومنطقتي الذواودة والعوضية والفرجان المحيطة بها، كما فاز فيها المرشح الثاني الشخصية الوطنية عبدالرسول الجشي، وبالمناسبة فإنه كان يفترض أن ينزل في هذه الدائرة رفيقنا الكبير الراحل علي دويغر أحد أبرز من كتبوا برنامج كتلة الشعب، ولكن قبل فترة وجيزة من الانتخابات أجبره المقبور البريطاني هندرسون رئيس جهاز الأمن آنذاك على مغادرة البحرين.
في الاجتماع التشاوري في 12 يوليو 2001 انتُخِب أحمد البوسطة عضواً في اللجنة التحضيرية للمنبر التقدمي وكان فيها مسؤول العمل الإعلامي، وساهم مع رفاقه في اللحنة بالتحضير لانعقاد المؤتمر التأسيسي في جمعية المهندسين نوفمبر 2001، مواصلاً بذلك دوره النضالي الذي بدأه قبل سفره للدراسة، واستمر فيه فترة دراسته في جامعة لينينغراد، حيث نشط في صفوف الاتحاد الوطني لطلبة البحرين، وشارك في بعض مؤتمراته العامة، كما ناضل في صفوف اتحاد الشباب الديمقراطي البحراني (أشدب) الذي كان له منظمات في بعض البلدان العربية والأجنبية في منتصف سبعينيات وثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي بهدف نشر الوعي التقدمي والسياسي والنقابي والمطلبي في صفوف الطلبة الدارسين في الخارج، فيما كان نشاط ( أشدب ) الرئيسي داخل الوطن.
ولما يتمتع به رفيقنا الراحل من خصال الطيبة والوفاء والالتزام بالمبدأ والدفاع عن حقوق الشعب بثبات ونكران ذات كان محط تقدير واسع في الأوساط الشعبية والوطنية على اختلاف توجهاتها. وكم يؤسفنا في نشرة “التقدمي” أن المرض لم يسعفه لكي يواصل الكتابة في النشرة التي تفخر بما له من مقالات فيها.