المنشور

العنصرية وكورونا والانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة

الاضطرابات في الولايات المتحدة بعد مقتل الأمريكي من أصول إفريقية جورج فلويد تكشف عن التفاوت الاجتماعي العميق داخل المجتمع.
خبراء يعتقدون أن الرئيس ترامب يستغل الاحتياجات لمصلحته في الانتخابات المقبلة وقد ينجح في ذلك. جاء في تحليل لموقع (DW)، حيث انغمست الولايات المتحدة في موجة عنف من كاليفورنيا إلى نيويورك ومن مينابولس إلى الساحل في تكساس؛ وفي أكثر من57 مدينة وقعت صدامات قوية.
الشرارة التي أثارت هذه الاضطرابات هي الموت العنيف لفلويد الذي قتل على أثر تدخل الشرطة من مينابولس. حالة مأساوية لكنها ليست استثنائية في العلاقة مع عنف الشرطة العنصري، وكلمات فلويد الأخيرة “لا أستطيع التنفس” باتت شعار حركة احتجاج على مستوى البلاد لم تشهدها أمريكا منذ عقود من الزمن. الغضب والعنف عوض الحزن والسخط.
الوفاة المأساوية لفلويد تغذي جدلاً مبدئياً حول الانقسام الاجتماعي في الولايات المتحدة الأمريكية، وأزمة كورونا تبدو في هذا الإطار مثل مادة مشتعلة تكشف عدم المساواة في المجتمع الأمريكي بشكل أكبر من ذي قبل. ومن لم تكن له وظيفة محترمة قبل تفجر الوباء وتأمين صحي معقول ودعامة مادية فقد كان معرضاً بلا حماية لفتك الفيروس. وبنسبة أعلى يطال هذا في الغالب السود والأمريكيين من أصول لاتينية، وليست فقط نسبة العدوى والوفاة عالية بينهم، فهم العمال البسطاء الذين فقدوا وظائفهم وغالبية الطبقة الوسطى من البيض انتقلت في غالبية الحالات إلى العمل من المنزل وفي الغالب براتب كامل. وبدون هوادة يكشف الوباء عن التفاوت الاجتماعي في أمريكا.
“اعتقد ان البلاد تواجه أصعب أزمة من الحرب العالمية الثانية ” يقول المحلل السياسي الألماني المتخصص في الشأن الأمريكي كريسبان هاكه، فمن جهة يوجد اليأس البين من العنصرية التي تتفجر مجدداً مع وفاة فلويد، ومن جهة أخرى هناك الانهيار الاقتصادي والمشاكل السياسة الداخلية للولايات المتحدة الأمريكية. وتضاف إلى ذلك بدون منازع تبعات فيروس كورونا التي تؤدي بعدد أكبر من الأمريكيين إلى اليأس. وفاة فلويد هي في النهاية شرارة أدت إلى احتراق جميع البلاد.
وتكشف الاحتجاجات ايضاً انه ليس فقط السود من يصرخون من اليأس، فمن بين غالبية المتظاهرين الشباب يوجد ايضاً أمريكيون بيض لهم مواقع مرموقة يشعرون على الأقل بنفس اليأس. أنهم يائسون من بلد لا يمنع عنف الشرطة والعنصرية، بل يترك لها المجال، هم يائسون من بلد برئيس مستفز وبدون بدائل سياسية.
“عندما تشاهدون جو بايدون (المرشح الديمقراطي) في التلفزة، فإنه يبدو عجوزاً ومكبلاً في قبوه. ويشعر المرء تقريباً بأنه لا يقدر على شيء فكرياً” يقول هاكه وفي النقيض يوجد الرئيس ترامب الذي يُصعّد الأزمة بتعصبه الأعمى، رئيس أمريكي لا يوحد، بل يقسم البلاد منذ توليه السلطة، ويناشد الغرائز، والاغتيال والاضطرابات تسرع تحوّل الحكم الأمريكي إلى كابوس أمريكي.
“إنها ليست ظاهرة جديدة، هذا الغضب المتفجر للأمريكيين” – هذا ما يقوله شخص عاش لسنوات في الولايات المتحدة الأمريكية وقام بحملة انتخابية لصالح باراك أوباما أنه بوليس فان دي لا، الذي قاد في 2007، و2008، الحملة الانتخابية للديمقراطيين وفي 2012، أدار مجال التعبئة الانتخابية في ولاية أوهايو الحاسمة في الانتخابات. ومنذ تلك اللحظة كان المجتمع منقسمًا وعنف الشرطة والعنصرية كانا مطروحين لكن نادراً ما تم توثيق التمييز ضد السود مثل اليوم.
الرئيس ترامب من جانبه يلعب بكل هذه الأوراق، ويعيش من تأليب الأمريكيين على بعضهم البعض. ترامب هو الرئيس الأول الذي يدرك أنه رئيس فئة معينة، وعوض أن يكون رئيس دولة لجميع الأمريكيين – سواء كانوا بيضاً او سوداً، فقراء أو اغنياء – فإنه يهتم في الأساس بالناخبين البيض الذين قد يساعدونه في نوفمبر القادم على تولي ولاية جديدة. باختصار ” استراتيجية ترامب تكمن في بث بذور التفرقة!
“هناك شيء استثنائي يحدث في الولايات المتحدة في الوقت الحالي، نحن نتعامل هنا مع انفجار برميل من البارود”، بهذه الكلمات تحدث القاضي رومان هوريت، المؤرخ الأمريكي ومدير الدراسات في معهد الدراسات الاجتماعية العليا (EHESS) بباريس إلى فرانس 24.
يذكرنا أصل الحركة بل والحركة نفسها بأعمال الشغب التي أعقبت تبرئة أفراد الشرطة الذين اعتدوا بالضرب بوحشية على رودني كينخ في لوس انجلس، أو بالمظاهرات، في الماضي القريب التي تلت وفاة مايكل بروان عام 2014، في فيرجسون. ولكن كما يشير رومان هوريت، فإن ما يسجله التاريخ الآن في الولايات المتحدة غير مسبوق هذه المرة لجهة “سرعة الانتشار والحجم” والجمع بين المظاهرات السلمية والعنيفة في العديد من المدن وبهذه الطريقة”.
لقد عاشت الولايات المتحدة مناخاً استقطابياً شديداً منذ انتخابات دونالد ترامب رئيساً للبلاد هو الذي كان يلعب بالنار لمدة ثلاث سنوات مستخدماً العبارات العنصرية ومحرضاً قسماً من السكان على الكراهية والعصيان، والصدمة التي اثارها عنف صور الاعتقال التي تظهر رجلاً ممداً على الأرض ويطلب أن يتاح له التنفس ثم ضابط الشرطة الذي يخنقه واضعاً ركبته على عنقه. كل ذلك وقع كالصاعقة على جزء كبير من الرأي العام، كانت هذه الصور التي انتشرت على نطاق واسع عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بمثابة المسؤول الذي نزع فتيل المفجر.
تأتي وفاة جورج فلويد أيضاً في ذروة جانحة كوفيد 19، التي سلطت الضوء على أوجه التفاوت الكبير الموجود في الولايات المتحدة فالوباء قد ألحق أضراراً بالمجتمع الأمريكي الإفريقي سواء من حيث عدد الوفيات أو التأثير على الاقتصاد غير الرسمي الذي يسمح لجزء كبير من هؤلاء السكان بالبقاء أحياء.
ثمة من يقول إن تصريحات ترامب “العنصرية” التي صاحبتها تهديدات مباشرة للمواطنين الأمريكيين المحتجين في شوارع عدد لافت من الولايات، وعناد سياسي غير مسبوق في دولة ترفع راية الحرية والديمقراطية، كانت من الأسباب الرئيسية في مزيد من الإصرار على استمرارية التظاهرات في الشارع الأمريكي.
وبحسب تقارير إعلامية فإن تلك التظاهرات ربما تكون سبباً في تحطيم آمال الرئيس الأمريكي ومستقبله السياسي، لكن محللين اختلفوا مع تلك النظرية الدافعة نحو الهاوية وقالوا: إن كتلة ترامب “المتفقة معه في كافة مواقفه” لم تتزعزع رغم ما يحدث من تظاهرات.
حول الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر 2020 نعتقد أن الرئيس دونالد ترامب الآن في وضع سيء جداً، بالنظر إلى سوء إدارة ترامب في التعامل مع جائحة كورونا فقد تلقى الكثير من اللوم من معارضيه السياسيين في هذا الإطار لتأخر حكومته في اتخاذ الرد السريع المناسب والحاسم وحمّلوه مسؤولية ما وصلت إليه الولايات المتحدة من حيث عدد الإصابات والوفيات، وعندما نضيف الى ذلك الصورة التي شهدتها شوارع الولايات المتحدة الأمريكية من الاحتقان والمظاهرات والتي تخطت الحدود إلى دول وعواصم أخرى، كل تلك الأسباب مجتمعة ربما تعكس أثاراً سلبية بشكل شديد وكبير على فرصة ترامب في الظفر بولاية رئاسية ثانية.