المنشور

صالون الحلاقة

اليوم ذهبتُ لصالون الحلاقة، لأجل حيواني الأليف، أن أقلل كثافة شعره أمر جيد وأكثر من ممتاز، حفاظاً على صحته. انتهت الحلاقة والقطة صارت مختلفة، مع هذا الشعور الأحمق أنها ليست القطة التي أحبّ، ثم إن رغبتي الدائمة في العبث بالفرو البرتقالي تحولت لارتباك، مذعورة قليلاً من المحبّة، من هذا الالتباس بين محبة ذات الكائن ومحبة مظهره، أحاول أن أكون مرحة؛ لأن القطة مذعورة أيضاً بعد مشوار الحلاقة لأول مرة.

مرّت ساعات ولم أجرؤ على لمس القطة، لم أفهم حقيقة شعوري، تنظيم المشاعر في كلمات بات أمراً صعباً، مرة ثانية أحاول أن أكون طبيعية، أنسى الشكل الذي كانت عليه دائماً، أدللها كما كنت، أدفن وجهي في الفراء الناعم، أقول إن محبتنا أنا وحيواني الأعجم بعكس المحبات الأخرى، أهرب للموسيقى، على النوتات الموسيقية لـ(نصير شمه) أفكر، عند أي مرحلة يحدث هذا الالتباس في الحُبّ بين محبة ذات الكائن ومحبة مظهره؟

أعيد مشاهدة (السهل المحترق) أحد مفضلاتي السينمائية العريقة، أحاول أن أتعرّف على المحبّة مجدداً كما عرفتها من خلاله ذات مرة، لكن أفكاري عن المحبة والجمال مشوّشة، مغطاة بطحالب دبقة من الفكر الاستهلاكي، بكل بساطة لم ألتفت للقطة كثيراً هذه الأيام، تخليتُ عن دور الباباراتزي الذي كنتُ أقوم به طوال الوقت لأجل التقاط صورة لها، لم أعرف ماذا سأفعل بشأن هذه المحبة التي وقعت دون قصد في فخ (التفكير في أمر المشاعر معضلة حقيقية).

أقاوم المشاعر بشرب الشاي، أتأمل لوحة (الصرخة) التي كنّا أختي وأنا نظن إنها لفان غوخ، ويدوي في داخلي سؤال.. هل هناك مجال للارتجال في أحوال الحُبّ أم أننا ننفذ المتوقع غالباً؟ في لحظات الحنان، الارتباك، التوجس، الخفة، الرغبة، العطف، الخوف.

القطة صارت منطفئة وأكثر وداعة، لكن ماكنة الحلاقة غيرت شعوري اتجاهها، وأنا أهرب من حقيقة أني أحببتها للشكل الذي كانت عليه، وعجزتُ عن محبتها حين تغير شكلها، حتى إني لم أعد أعرف إن كنتُ أحببتها بالفعل قبل اليوم، وإلى أي درجة يمكن اعتبار الشعور القابل للتحول لسبب بسيط وعرضي كتغيّر الشكل حباً.

مؤلمة هي المحبة في جانبها الآخر، الجانب الملتبس الغامض، حين يتصدر الارتباك سيناريو الحدث، حين تلوح روحك غضة طريّة حتى كأنها بين يديك دون الغلالة الرقيقة التي تحميها من اللحم، تعرف نفسك على حقيقتها، تعرف نفسك كما لم تتوقع، تضيّع البوصلة بين ما أحببته وما اعتقدت أنك أحببته.

مؤلمة هي المحبّة؛ لذا أريد أن أستوعب أنها ما زالت هي ذات القطة الأليفة، القطة الجميلة التي تقربني من بشريتي وعفويتي وتعلمني كل ما تجاهلته يوماً، أريد أن أستوعب أنها القطة الأليفة حقاً، التي تتركني أشاهد الأفلام بهدوء وأدرب أصابعي بين لحظة وأخرى على الخربشة على الورق الإلكتروني المضيء، أذرع الشقة من غرفة لأخرى، بينما تعيش حريتها في خربشة زاوية محددة من الأثاث، تمضي اليوم في مشاكسة النباتات المتدليّة في المطبخ بلسانها الوردي، تتمطى في حركات غريبة على البلاط أو تنام بكل وداعة في سلة القش. وأريد أن أعود للنسخة الرقيقة مني، النسخة التي تصلح للحُبّ الحقيقي الأجمل والمختلف، تصلح للشعور به، متجاوزة كل الأفكار التي يصدرها العالم عن الشكل والجمال والحُبّ.