المنشور

مقتطفات من لقاء مع آلتوسير الماركسية والأناركية

[أجرى هذا الحوار التلفزيوني الصحفي والمحاضر ريناتو باراسكاندولو مع لوي آلتوسير في روما على سطح إحدى البنايات المطلة على قبة كاتدرائية القديس بطرس التابعة للفاتيكان) في أبريل 1980]

*أتحيلنا كلمة “تقرير المصير” إلى “الشيوعية”؟

– ليس بالنسبة إلي.

* ما هو الفرق؟

– الفرق هو أن ليس لكلمة “تقرير المصير” أي أساس أو محتوى؛ بينما الشيوعية موجودة. ليس هناك أي وجود لتقرير المصير، بينما الشيوعية موجودة. على سبيل المثال أنها توجد هنا بيننا على هذا السطح في روما.

*بأي معنى؟

– الشيوعية هي نمط إنتاجي يخلو من علاقات إقتصادية مبنية على الإستغلال، ومن علاقات سياسية مبنية على السيطرة؛ وكما أنها تخلو من علاقات أيديولوجية قهرية أو تخويفية، ومن الاستعباد الأيديولوجي أيضاً. لا توجد هذه العلاقات بيننا في هذا المكان الذي نحن فيه تحديداً.

* تعني هنا… في هذه اللحظة بالتحديد؟

– نعم، في هذه اللحظة تحديداً. جزر الشيوعية موجودة في العالم كله؛ على سبيل المثال: الكنيسة، ونقابات معينة، وحتى في خلايا معينة تابعة للحزب الشيوعي؛ لدينا في الحزب الشيوعي خلية شيوعية؛ هذا يعني أن تم تحقيق الشيوعية. أنظر كيف تُلعب لعبة كرة القدم وماذا يحدث فيها؛ إنها لا تتعلق بعلاقات مبنية على السوق، ولا بالسيطرة السياسية، ولا بالتخويف الأيديولوجي؛ هناك أشخاص من أفرقة مختلفة تتعارض مع بعضها البعض، لكنها تحترم القواعد، أيّ، تحترم بعضها البعض. الشيوعية هي الإحترام للبشرية.

*ما هو الفرق ما بين الإحترام والحب؟

– هناك فرق كبير جداً. خذ الكنيسة على سبيل المثال. حين قال المسيح عليك تحب جارك، يتحول الحب هنا إلى أمر؛ أنت تأمر على، عبر ضم الآخر، أن تحب جارك كما تحب نفسك؛ لكنني لا أحتاج إلى أية أوامر. بينما إحترام الآخر هو مسألة راجعة لك وحسب. أما إذا قلت إن عليك أن تحب الآخرين، يصبح الآخر متضمناً في حبك؛ لا يمكنه الهروب. وماذا يمكنه أن يصنع إذا هو لا يهتم بحبك؟ ماذا تفعل إذا أصررت: “أنا عليً أن أحبك، عليّ أن أحبك لأن المسيح طلب مني ذلك”؟ عليك أن تهرب. لكن إذا كنت تكنّ للآخر إحتراماً، فأنه سيتركك أن تفعل ما تشاء؛ إذا أرادك أن تحبه فليكن، لكنه إذا لم يرد ذلك فليكن كذلك. إذا كنت تحبه، عليك أن تقول للآخر أنك تحبه، لكنك إذا لم تحبه فافعل ما شئت.

*قال لينين إن وجه الشبه ما بين الماركسيين والأناركيين يصل إلى تسعة – أعشار بينما يصل وجه الإختلاف إلى عشر وحسب؛ الشيوعيون يريدون تحلل الدولة بينما يريد الأناركيون تقويضها بشكل مباشر. أتتفق؟

– نعم أتفق مع ذلك. أنا أناركي، أناركي اشتراكي؛ أنا لست شيوعياً لأن الأناركية الاشتراكية تتجاوز الشيوعية.

*لماذا إنهارت هذه الوحدة الثقافية ما بين الأناركية والشيوعية؟

– إنه تاريخ دارماتيكي جداً! أنت تعرف أن في علاقة ماركس وباكونين تكمن قصة صفات شخصية ماركس المهيمنة. يا لها من قصة مأساوي! لقد عامل ماركس الأناركيين بطريقة مستحيلة، بطريقة غير منصفة. هذا أدى إلى إحتقار الجماهير الذين لا يمكنك أن تكسبهم هكذا في بضعة أيام. هذه الأمور تبقى لمدة طويلة جداً، مثلما حين يعاملك أحدهم بطريقة سيئة جداً؛ ستحتاج إلى المسيح كي يقنعك أن تتحدث إليه مرة أخرى؛ لن يكون بإمكانك أن تسامح، ولن يكون بإمكانك أن تسامح الآخرين أيضاً. كيف يمكن للمرء أن يسيء لأشخاص هكذا من دون أي إحترام لهم، كما فعل ماركس لباكونين؟ كان باكونين مجنوناً بعض الشيء، لكن هذا لا يعني شيئاً على الإطلاق، هناك الكثير من المجانين في كل مكان؛ أنا مجنون أيضاً.