المنشور

أكان عليك أن تموت؟!

طوال الأسبوع الأول الذي تلى رحيله، وأنا أقول لنفسي سأكتب شيئاً عن فريد، ولكن ماذا عساني أكتب؟ قرأت معظم المقالات التي كتبها الأصدقاء عنه. أُعجبت بها كثيراً. كلما قراتها شعرت بعجزي أكثر إزاء أن اكتب شيئاً.
أذكر أني كنت في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، أوائل سنوات عملي بوزارة التربية والتعليم في مبناها بمنطقة القضيبية، حيث كنا نعمل في إدارة العلاقات العامة والأنشطة التربوية (اسم الإدارة آنذاك)، كان فريد يأتي يأتي، أحياناً، لمقر عملنا ويطلع بعض الأصدقاء من زملاء العمل من الأدباء والفنانين على كتاباته.
ذات يوم هاتفني فريد من أجل ترتيب لقاء الأربعاء بأسرة الأدباء والكتاب. قال: ليس عبثا اخترتك أن تكوني معنا بلقاء الأربعاء،علمأ بأني لا أتذكر الآن من كان المنسق، ولكننا نلتقي مساء الأربعاء بمقر الأسرة، ثم أصبحتُ كلما كتبت شيئاً أُطلع فريد عليه. اطلع أولاً على الشعر ثم لاحقاً على السرد. أذكر حين أطلعته على قصة “بحجم القلب” قال: جميلة جداً ومكتملة، وقد ضمنتها، فيما بعد في مجموعتي القصصية: (أيام خديجة).
كنا نتبادل الإيميلات لأن الهاتف النقال لم يكن قد ظهر بعد. حين أرسل له قصة أو قصيدة أبقى في ترقب بانتظار رأيه.
آخر مرة التقيت فيها فريد في معرض الكتاب عام 2018، واذكر أنه حدثني، يومها، أن روايته (المحيط الإنجليزي) ستصدر قريباً، (صدرت في سبتمبر 2018 عن دار سؤال) وحضرت حينها حفل تدشين مجموعة زوجته أمل: (وقت ليس لي). تبادلنا، يومها، بعض الأحاديث المقتضبة. ورأيته آخر مرة عبر الفضاء الافتراضي حين أقامت له أسرة الأدباء لقاءاً عبر “زووم” عن الرواية نفسها.
قاسياً هذا الرحيل المباغت. أرسلت الصديقة فضيلة الموسوي عصر الجمعة 6 نوفمبر (فريد رمضان في ذمة الله)، كأننا كنا نياماً واستفقنا على لذعة ثعبان. توالت المسجات عبر مجموعة الواتساب تباعاً، الله يرحمه. وكتب احدهم، تحققوا من الخبر، هل الخبر صحيح؟.
كعادتنا لا نصدق أو لا نريد أن نصدق. رحت من فوري، أبحث في مواقع الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، لم تكن هناك أي إشارة إلى رحيله، فأرسلتُ رسالة صوتية إلى الشاعرة فضيلة الموسوي استفسر منها. وأجابتني بمسج صوتي آخر: الخبر حديث جداً، ليس لدى أي تفاصيل.
كان نبأ رحيله صحيحاً للأسف. لماذا نحن في غفلة؟ لماذا نعيش المسلمات ونعتقد أن الأشياء السيئة لن تحدث لنا أو لأحبابنا.
كل شيء ممكن الحدوث. بعدها توالت “مسجات” التعزية، ومع حلول المساء نشر الخبر رسمياً في جريدتي (البلاد)، و(الوطن) وبقية الوسائل الإعلامية. إذاً فعلتها ورحلت يا فريد. ومنذ رحيله لم تتوقف المقالات عن فريد. ومازال هناك كم هائل في الطريق سيكتب أيضاً.
أكان عليك ان تموت يا فريد، لنعرف وتعرف مدى ومقدار حب الناس لك؟ أكان عليك أن تموت، لتتدفق كل هذه الكلمات الرائعة في صفاتك وخصالك، أكان عليك أن تموت، لنعرف وتعرف مكانتك في قلوبنا. أكان عليك أن تموت لنرثيك بكلمات دامعة. أكان عليك أن تموت لنشعر بفقدك كل يوم؟.