المنشور

الشربيني وجدل الحجاب

الإعلامية رضوى الشربيني تُعيد فتح جدل الحجاب في مصر. حيث أطلقت تصريحاً قالت فيه باللهجة المصرية: “لكل واحدة هي المحجبة الوحيدة في شلة صحابها أو في عيلتها أو في شارعها أو في شغلها، أوعى تخلعي الحجاب، إنتِ أحسن مني ومن غير المحجبة ألف مرة”.
أثار هذا التصريح جدلاً واسعاً في الإعلام المصري ووسائل التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض. المؤيدين لكلام الشربيني يستندون على أن ذلك فرض على المرأة المسلمة التي تكون محتشمة بارتداء الحجاب. بينما المعارضون رأوا في كلامها إهانة صريحة للمرأة غير المحجبة وطعن في استقامتها وأخلاقها.
توجد صورة نمطية عند أغلب رجال الدين في مجتمعاتنا العربية والإسلامية تتمثل في النظرة السيئة للمرأة غير المحجبة، لأنها في نظرهم غير محتشمة وتشجع على الرذيلة وإفساد المجتمع. هذه الصورة النمطية المتخلفة تصدعت أمام تطور مجتمعاتنا وحصول المرأة على العديد من حقوقها في التعليم والصحة والعمل والتشريعات القانونية والسياسية، الأمر الذي انعكس على وعيها ومستوى مشاركتها في مؤسسات المجتمع والدولة.
بالعودة إلى تصريح الشربيني، نجد فيه إساءة بالغة لكل امرأة غير محجبّة، وتفضيل غير موضوعي للمرأة المحجبّة. من حيث المبدأ لا أفضلية لهذه على تلك، لأن المعيار الذي تستند عليه الشربيني محدود برؤيتها وقناعاتها، والتباينات الثقافية والفكرية والبيئية واسعة في المجتمع الواحد، فما بالك بين مختلف الشعوب والأمم!
إن ربط الحجاب بالأخلاق، قد يُعزز من مساحة التشدد والعنف في المجتمع الواحد. فعندما يوجد من يصف المرأة غير المحجبة بالمنحرفة أو السيئة أو الضالة، سيؤدي ذلك إلى تشجيع البعض على الانتقاص أو الإزدراء أو التحرش الجنسي أو حتى استخدام العنف تجاه هؤلاء النساء.
ليس كل امرأة غير محجبة هي علمانية كما يعتقد الكثيرون، بل إن أغلبهن نساء متدينات بالمعنى العام، ومتأثرات في سلوكهن بالثقافة الحديثة وملتزمات في أخلاقهن. غير أن هذا الطرح يستعصي على فهم الإسلاميين والمتمسكين بالثقافة الأبوية الذكورية.
عملياً تشارك النساء المحجبات وغير المحجبات بصورة نشطة وفعالة في كافة مجالات الحياة اليومية ومؤسسات المجتمع، ويلتقي هؤلاء النسوة على الحب والعطاء وتجمعهن الزمالة والصداقات وتحمل المسؤولية في كل الأماكن. وحدهم المتعصبون المتأدلجون من دينيين وعلمانيين يعترضون على هذا التواصل بين المحجبات وغير المحجبات. فكم من المؤلم أن يمنع أب ابنته من رؤية صديقتها غير المحجبة أو أن يمتنع الجار عن جاره لأن زوجته سافرة الرأس.
يأخذنا الحديث عن جدل الحجاب في أهمية الإشارة إلى الدول العلمانية المتشددة في بعض قوانينها التي تمنع المرأة المحجبة من الدخول إلى المدارس والجامعات، أو مختلف المؤسسات، بحجة أن ذلك يشكل خطراً على المجتمع والدولة. كما حدث في فرنسا على سبيل المثال لا الحصر . من المهم ونحن في القرن الواحد والعشرين التأكيد على تأميم الثقافة الحديثة – لا الغربية – المؤنسنة والمتقبلة لاختلافاتنا والعاملة على التقريب بيننا كشعوب متعددة في نموذج إنساني راقي ورفيع. فالشرعة الدولية لحقوق الإنسان، مثلاً، تُعد منجزاً عظيماً على جميع الدول العمل على تطبيقها والالتزام بتعليماتها، خصوصاً من قبل الدول الكبرى في العالم.

علينا كبشر أن نُدرك جيداً بأن هذا العالم قائم على التنوع والاختلاف، وفي ذلك يكمن جمال العالم واستمراره. يقول مهدي عامل: الموتُ في التماثل، والاختلاف حياة الزمن. بينما يُشير هادي العلوي إلى فشل الإنسان عندما أراد أن يضع العالم في حقيبته.
في مكان ما من العالم، ثمة بشر يحبون ما تكره كل الكره، ويؤمنون بكل ما تكفر به، يأكلون ما لا تحب ويتعجبون مما تأكل أنت. في مكان ما من العالم هناك من ينظر إلى مظهرك ولغتك ولونك وأفكارك وكلماتك باستنكار، تماماً كما تفعل أنت. في الجانب الآخر من الكون، الحقيقة المطلقة لديك، معكوسة بشكل مطلق، لم يكن العالم يوماً حكراً على أحد .