المنشور

واقع التعليم عن بعد في البحرين

بلمحة سريعة على مكونات مدرسة المستقبل، والمراحل التأسيسيّة للمشروع، الذي تم تطبيقه الشامل عام 2008 ، والذي استمر حتى اليوم، فأصبح عمره ستة عشر عامًا، وخلالها حسب الخطة المعدّة له، نشر في جميع مدارس البحرين، ولجميع المراحل، وعلى جميع المستويات والأصعدة، أفقيًا وعموديًا، بدءًا بالمستوى الإداري التنظيمي، إلى المستوى الفني التقني، إلى المستوى الاتصالي التواصلي، فالمستوى التعليمي التعلمي ثم المستوى التنموى المهني، وأخيرًا المستوى التقييمي التقويمي، كما جاء في أدبيات وزارة التربية والتعليم. وبالاضطلاع إلى تصريحات وزير التربية والتعليم، في الاجتماع الاستثنائي للمؤتمر العام لوزراء التربية والتعليم لدول مجلس التعاون الخليجي، والذي عُقد باستخدام تقنية الاتصال المرئي عن بُعد في 10 يونيو 2020، استعرض الوزير فيه تجربة مملكة البحرين في تفعيل التعلم عن بُعد.

من خلال البحث في البوابة الإلكترونية لوزارة التربية والتعليم، والتحقق وبالبحث في موقع الوزارة، نجده مخططًا واضحًا ومتسلسلا؛ لكن هناك الكثير، من وجود عناوين رئيسية جميلة خالية من أي محتوى، ونرى أنّ مقدار جذب الطالب لتلك البوابة التعليميّة ضعيف جدًا، مقابل الكم الهائل الذي يقدمه google من طرق تعلم واسعة ومنوعة وسهلة الاستخدام، ربما تربك التلميذ وولي الأمر في ذلك.

من خلال استطلاع أوليّ قامت به الباحثة، وقدّمته في ندوة الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، بتاريخ 21 يوليو، كانت النتائج:

‌أ- “رب ضارة نافعة” أزمة جائحة كرونا، أوضحت ما هو مخفي من إيجابيات لتعزيزها، وسلبيات، لمعالجتها، فعمر مشروع مدارس المستقبل حتى اليوم، ستة عشرة سنة، يفترض أن يكون الجميع مؤهل… وهنا التساؤل؟؟؟؟ أين المراقبين على القائمين على المشروع.
‌ب- عدم وجود وضوح رؤية في القطاع العام، والدليل تغير القوانين والارشادات الموجهة للمدارس الحكومية أكثر من مرة، فما هو ممنوع، يصبح بين ليلة وضحاها مطلوب بل ويكافأ عليه.
‌ج- عدم متابعة لحضور حصص التعلم عن بعد؛ لقصور في البرنامج الذي يقدّم من خلاله الدروس، وبالتالي كيف يمكن قياس عملية التعلم، خاصة لتلاميذ المرحلة الابتدائية والإعدادية؟
‌د- التقويمات والنتائج التي تحصّل عليها الطلبة في التعليم العام، أغلبها غير صحيحة ولا تعطي القيمة الفعلية لمستواهم الأكاديمي، خاصة للمرحلة الابتدائية والاعدادية، فالنتائج كما عبّرت عنها فكاهيات الرسوم المتحركة والطرائف التي نشرت وقتها عبر التواصل الاجتماعي، ما هي إلا نتائج الأمهات. وهي جهد أولياء الأمور، حيث كانت إجابات الامتحانات جماعية، فكيف يكون مقياس النجاح للفرد.
‌ه- طلبة التعليم الخاص، لم يعانوا من التعلّم عن بعد، مقارنة بطلبة التعليم العام؛ والسبب تعودهم على التفاعل معه قبل الجائحة.
‌و- وجود النتائج المرتفعة لبعض التلاميذ بشكل عام، أراح نفسية أولياء الأمور، وأوهم البعض نفسه بأن الانجاز الذي تم، قد تم بجهود الأبناء.
‌ز- إذا كانت الرغبة بتعليم جاد وحقيقي، فلا بد من الاعتماد على الكفاءات العلمية الوطنية فقط.

يمكن أن نوجز ذلك في أنّ التخبط الذي حدث للعملية التعليميّة برمتها خلال الفصل الدراسي الثاني من العام الدراسي 2019 – 2020، كان راجعًا لعدم الاستعداد، فضلا عن أن ما يُنعَت به مشروع مدارس المستقبل لم يكن بتلك الصورة المنمقة والجميلة، التي صرف عليها آلاف الدنانير على مدى ستة عشرة سنة؛ لتهيئة المؤسسات التعليميّة البحرينية، والغريب أنها أتت بصورة هزيلة، تنم عن عدم المتابعة وإهدار المال العام فيها، كما أنّ هناك أسبابًا عديدة لسنا بصددها الآن…. لقد كشفت جائحة كرونا المستور.

كان أمام القائمين على التعليم وقتًا يستطيعون خلاله تدبر الأمر، حيث كانت عطلة الصيف الطويلة أمامهم، ويمكنهم تقييم ما مروا به لتلافي كثير من الاشكاليات، التي وقعوا فيها. ولتلمس الواقع عن قرب، والتعرف على التهيئة للعام الدراسي 2020 – 2021، وجب النزول للواقع الميداني مرة أخرى، وعمل مسوحات أوليّة للعاملين في الميدان التعليمي ولآراء المستفيدين من طلبة وأولياء أمور، لقد جاءت العينة مقصودة شملت عموديًا وأفقيًا من لهم علاقة بالعملية التعليميّة، وجاءت النتائج كالتالي:

‌أ- لا زالت الضبابية وعدم وضوح الرؤيا في مدارس التعليم العام موجودة، ووجود التخبط منذ بداية اقرار استمرار التعلم وعدم توقفه للفصل الدراسي الأول 2020 – 2021.
‌ب- بطء الإنترنت يشكل عائق كبير في عملية التعلم عن بعد خاصة للتعليم العام، وعدم وجود التفاعل بين الطالب ومعلمه عائق آخر، … فلابد من تقوية شبكة الإنترنت من قبل وزارة التربية والتعليم، والحضور للدروس إجباريًا – تسجيل الحضور.
‌ج- إرهاق ميزانية المعلمين من الصرف على توظيف الإنترنت الخاص بهم في خدمة الطلبة؛ لضعف خطوط المدارس الإلكترونية، وكذلك في مستلزمات الرعاية الأولية كوجود المهرات والكمامات… إلخ
‌د- الدورات التدريبية والورش التي قدّمت للمعلّمين لم تكن كافية، كما أنّها ليست بالمستوى المطلوب كما ونوعا وكان على المعلم أن يتعلم ذاتيا بشكل أكبر، كما أن متابعة المشروع من جهة صيانة السبورة الذكية تسير ببطء.
‌ه- على الرغم من ترتيب الوزارة بجعل معلم يلقي ويشرح، وآخر معاون له سيستقبل الأسئلة؛ إلا أن تساؤلات الطلبة وعدم قدرتهم على التواصل المباشر مع المعلم الأساسي بشكل فاعل، خصوصًا أن المعلم المعاون لا يستطيع الرد على استفسارات والتفاعل مع العدد الكبير من الطلبة أثناء البث.
‌و- عملية التعلّم لم تأخذ أحقيتها من مختلف الجوانب، حتى وإن كانت اكتملت من الجانب المعرفي؛ إلا أنها كانت قاصرة بل ومفقودة من حيث الكفايات الأخرى المهارية والسلوكية والاجتماعية… إلخ
‌ز- إن عملية التدريب على استخدام التكنولوجيا والبوابة التعليمية والسبورة الذكية والسبورة التفاعلية والأدوات الرقمية عملية مستمرة لجميع المعلمين والمعلمات كانت جيدة. ويبقى السؤال الذي يلح عليهم، كيفية التطبيق.
‌ح- التقدم المحرز من تدريب ذاتي وتعلم برامج إلكترونية من قبل المعلمين والطلبة أنفسهم التي تستخدم عن بعد، كانت في فترة وجيزة جدًا، إذن أين منها القائمين على مدارس المستقبل.
‌ط- ترك خيار حضور الطلبة للمدرسة لأولياء الأمور، أدخل أغلبية أولياء الأمور في حيرة، فبعضهم غير مؤهل على اتخاذ القرار الصحيح.
‌ي- ليس كل أولياء الأمور على درجة من المعرفة العلميّة التي تمكنهم من تعليم أبنائهم وسد الحاجات المعرفية لديهم. كما أنّ أولياء أمور آخرين يعملون – الأم والأب – وهذا سبب سيسبب إشكالا عليهم…
‌ك- عدم انتباه بعض التلاميذ، الذين لا يهتم أولياء أمورهم بمتابعة دروسهم عبر الوسائل الإعلامية والتكنولوجية لأميتهم التكنولوجية في استخدام الأجهزة الإلكترونية المتمثلة في الحواسيب أو الهواتف الذكية بخلاف التلفاز أو الإذاعة.
‌ل- عدم جدية بعض الطلبة في متابعة محتوى الدروس والمواد الدراسية التي تقدّم عبر المنصات التعليميّة، وتراخي البعض عن المشاركة عن طريق التعليم عن بعد. وعدم وجود التفاعل الإيجابي في طلب إعادة ما لا يفهم لأن لمحدودية الوقت للتعلّم إلكترونيًا في التعليم عن بعد.
‌م- انقطاع الشبكة الإلكترونية لبعض الأجهزة أو عدم وصولها أو انقطاع الكهرباء أو فقد الاتصال أو عدم الوضوح للصوت أو الصورة مما يشوش على العملية التعليمية. بشكل عام
‌ن- عدم توفر الأجواء الدراسية للبعض داخل المنازل والتي تشغل البعض أمورًا أخرى مشاغبة ومشوشة على انتباه التلاميذ لدروسهم التعليمية، بسبب ضيق المكان، أو وجود أكثر من تلميذ في مراحل مختلقة.
‌س- التعليم عن بعد يركز على التعليم دون التربية في ظل الأزمة والتي قد تعوض فقط في ظل الإطار الأسري حيث كانت المؤسسة التعليمة مساهمة في العملية التربوية للطالب مع المؤسسة الأسرية والمجتمعية.
‌ع- عدم توفر الأجهزة المطلوبة للتعليم عن بعد سواء كانت الأجهزة الإلكترونية أو الشبكة الإلكترونية أو الأجهزة التلفزيونية للأسر الفقيرة في حال لديها أكثر من طالب في مراحل مختلفة.
‌ف- صعوبة على المعلم في إعطاء مادة التعليم عن بعد دون تفاعل الطلبة معه – يستغرق عمل المعلم إلى ست ساعات متواصلة – ما يؤدي إلى إجهاد مستنزف من المعلم للطالب ولا تفاعل من قبل الطرف الآخر، والذي يرجعنا إلى أسلوب التلقين بدلاً عن أسلوب التفاعل الإيجابي.
‌ص- التأثير على الجانب الصحي للطلبة من كثرة استخدام الأجهزة الإلكترونية بدافع التعليم والتثقيف والترفيه، حيث أصبح الطالب يقضي وقته وحياته داخل هذه الأجهزة ومع هذه الوسائل دون أن يغفل عنها لحظة. أصبحت عبئاً مالياً يتحمله الأهالي ذوي الدخل المحدود لتوفير أجهزة إلكترونية للمنظومة الإعلامية بدل الكراسات والأوراق والأقلام.
‌ق- التأثير على الجانب الغذائي على الطالب والذي يجعل حياته مقيدة بالجلوس أمام شاشة تلفاز أو كمبيوتر أو متابع عبر الأجهزة الذكية بمختلف البرامج والتطبيقات التي يحملها، واستمرار لتناوله الوجبات الخفيفة والغير صحية.
‌ر- القضاء على المواد الدراسيّة المهارية مثل التربية الرياضية والموسيقى وغيرها من المهارات مما ينقل الطالب لأن يكون نظرياً فقط دون أن يستخدم المهارات الحركية.
‌ش- بدأ التعليم في بعض المدارس الخاصة، بحضور الطلبة جميعهم، وفي كل الأيام المدرسية، مع اتخاذ مختلف الإجراءات اللازمة، بينما مدارس أخرى رتبت بحضور الطلبة ووزعتهم على فترتين وقللت من زمن اليوم المدرسي، كما طبقت برامج يكون فيها الطالب متفاعلا مع المعلم، ومرتبطًا به… المدارس الحكومية لا زالت الصورة غائمة عند المعلمين فكيف واقعها عند أولياء الأمور.
‌ت- أغلب الجامعات الخاصة استغلت جائحة كورونا من أجل التملص من القيام بدورها، وأصبحت الشهادات للبيع، مقابل ذلك لا إجراءات من مجلس التعليم العالي حيال ذلك، بل محاولاته بفرض درجات ٢٠ درجة للاختبارات النهائية و٨٠ درجة على الواجبات والانشطة الشكلية التي تعطى للطالب وإعطاء الطلية يومين أو أكثر لحل الامتحان، يمكنهم ذلك أخذ الأسئلة للمكاتب أو لأفراد للإجابة عنهم، وتبريرهم في ذلك مساعدة الطلبة ونفسياتهم في ظل الجائحة… إنّ ما يحدث جريمة في التعليم الجامعي.
‌ث- أصبح ما يقدم عبر التعليم عن بعد هو مجرد محاضرات صوتية ومتابعة الطلبة لها غير ذات أهمية، باعتبار أن المحاضرة تسجلت ويمكنهم الرجوع لها في أي وقت، وليس على الأستاذ أن يتأكد من تفاعل ومشاركة هذا الطالب أو غيره من دون أن يعرف له شكلا أو هيئة.
‌خ- زادت اللامبالاة للطلبة ناحية التعلم، بالسماح لهم بالإجابة عن الاختبارات والسماح لهم بتسليمها بعد يومين أو ثلاثة وحتى أسبوع، فالنجاح مضمون حتى وإن لم يجهد الطالب نفسه.

مدى جاهزية البحرين للتعليم عن بعد، خاصة لأطفال العائلات غير المقتدرة

معظم المدارس الحكومية تم جرد أعداد التلاميذ المحتاجين إلى الحاسوب، ولا يستطيعون توفيره في المنزل؛ لمتابعة الدروس عن بعد – من المنزل، خطابات عدّة رفعت، ولم ترد عليهم الوزراة، بل رفعت الموضوع إلى حملة “فينا خير” (مثال على ذلك، إحدى المدارس وصل عدد التلاميذ المحتاجين = 250 تلميذ، ورفع الموضوع إلى وزارة التربية والتعليم، ورفعت خطابات عدّة إلى وزارة التربية، طالبين إمدادهم بحواسيب إلكترونية للمحتاجين من التلاميذ وتقوية شبكة الانترنت الضعيفة في المدرسة، لكن دون رد)، وأخيرًا حملة “فينا خير” زودت المدرسة بعدد من الحواسيب للمحتاجين جاءت بأسماء مرصودة على دفعتين، الدفعة الأولى 30 حاسوب باسم 30 تلميذ، والثانية 25 حاسوب باسم 25 تلميذ، وجاءت بعضها بأسماء تلاميذ لم تكن محتاجة، وعندما استلم اللاميذ الغير محاجين للحاسيب رجعوها؛ لعدم حاجتهم إليها، لتسليمه لمن يحتاجها من التلاميذ، وحسب قول المعلم المسؤول لا نعرف معيار اختيارهم، واعتمادهم في التوزيع. وقس على ذلك بقية المدارس.

أعداد ليست بالقليلة لا يملكون إلا حاسوبا واحدًا في البيت ولجميع الأطفال، وإمكانيات إنزال برامج عليه غير ممكنة لضعف شبكة الانترنت لديهم، فلا يستطيعون متابعة الدروس، وهنا حلت اشكالية اجراء الامتحانات، التي لا زالت متعطلة لبعض التلاميذ حتى وقت كتابة هذه الورقة، ولا زال المعلمون يعانون من كيفية التقييم لهم عن بعد، وهم لا يمتلكون حاسوبًا وإن وجد لا يوجد خط النت الذي يعتمد عليه.
شبكة النت في المدارس ضعيفة جدًا، لايمكن الاعتماد عليها، وأغلب المعلمين يستخد النت الخاص به، وعند مخاطبة إدارة المدرسة يكون الرد هذا هو الموجود؛ مما يضطر المعلمون لااستخدام خطوطهم الخاصة وبدون تعويض.

عدم توفر الأدوات الاحترازية اللازمة في المدرسة من كمامات وخلافه، مما يدفع المعلمين من توفير مختلف ما يحتاجونه من مواد وأدوات احترازية ضد فيروس كوفيد – 19.

يلتحق الأطفال بالمرحلة الآبتدائية بعد اكتمال الطفل سن السادسة، وجرت العادة على أنّ جميع الأطفال قد التحقوا برياض الأطفال والتي جميعها خاصة، إذ يتوجب على أولياء الأمور الدفع في الكورس الواحد للطفل، للرياض المتوسطة المستوى، مبلغ لا يقل عن 500 دينار للفصل الواحد، وإلا يضيع الطفل بين أقرانه ممن كان لهم الحظ في دخول الروضة والوصول إلى مستوى تعليمي معين من تهجي الكلمة ومعرفة الأعداد.

*ملخص ورقة قدمت في “ملتقى التقدمي” الأسبوعي بتاريخ 24 يناير 2021