المنشور

العرب والحداثة

لماذا فشل مشروع الحداثة في العالم العربي، وهل يتحمل المثقفون العرب المسؤولية؟
جاءت الإجابة من أحد المفكرين العرب بالقول: “نعم لأنهم لم يتجرأوا علي مواجهة التراثيين. حتي طه حسين تراجع عن مشروعه بعد أن هيج الاصوليون الشارع ضده وفصلوه من الجامعة”، أما البعض الآخر فإنهم “قنعوا بالحياة شمساً ومرعى.. واطمأنوا للماء في الغدران”، كما قال الشاعر الكبير نزار قباني.
وبالنظر الي ما شهدته أوروبا من مواجهات ومحاكم التفتيش للفلاسفة والمصلحين في العصور الوسطى بما سميت بالثورة اللاهوتية الأوروبية، ففي الواقع العربي لا يزال المثقفون في أبراجهم العاجية مكتفين بالتنظير دون التقدم خطوة واحدة إلى الأمام. هناك دعوات لاطلاق مصالحة بين الدين والحداثة لمواكبة العصر والمصالحة التي ننشدها لا تتم بالاكراه لكن تحدث بقناعة ذاتية محضة.
بابا الفاتيكان في العصور الوسطى قال “الإيمان لا يفرض فرضاً علي الإنسان من الخارج.. واذا لم يكن نابعا من الداخل فلا معنى له”، وأحدثت صرخة البابا نقلة هائلة وتحولاً في الذهنية الأوروبية حيث فتحت حوارا مع الآخر المختلف فكريا وثقافيا، وباعتبار أن أمتنا تشهد حوارات الأديان والثقافات فالأولى، بل الأجدى، هو إقامة حوارات داخلية لتوحيد الرؤى.
أوجز المفكر الدكتور محمد جابر الأنصاري بعبارة قصيرة وبليغة رؤيته للوضع العربي اعتقد انها تلخص الواقع بقوله “إننا كمسلمين لدينا أفضل المبادئ لكننا نعيش أسوأ الأوضاع “. ولا مخرج لنا من هذه الوضع المتردي من خلافات فكرية وثقافية ودينية إلا بتشخيص أوضاعنا عبر رؤية موضوعية تتقصي جذور المشكلة، ولا أظن أنها تستعصي على العلاج . إننا كأمة مسكونون بوهم يعشعش في تلافيف ذاكرتنا بأننا “أمة مهزومة وأننا خارج التاريخ “..ولن تقوم لنا قائمة بعد النكسات العسكرية والحضارية حتى بتنا في آخر قاطرة الركب الحضاري ..مما حدا بأحدهم الي إطلاق مقولته “أن العرب أمة منتصرة لكنها تندب حظها العاثر”.
يبدو أن الرؤية التي استند إليها الكاتب تكمن في إعادة الثقة بالنفس وقدرتها علي تجاوز أزماتها أولاً. الروائي الروسي الكبير تولستوي يقول “ليس هناك فرد ضعيف لكن ثمة من يهمل مواطن القوة لديه”، وعندما تتحسس مواقع القوة في عقل الأمة فإنها متوافرة متجددة في الطاقات الفكرية والعلمية عندها يمكن أن نبدأ الانطلاق والجميع مدعو للمشاركة في البناء ولا عذر لمن يتخلف .
ثمة أمر في غاية الأهمية يكمن في مراجعة التاريخ والمراجعة يتوجب أن تكون شاملة والمثال أيضا أوروبا، عندما قيض لها من ينتشلها من سباتها عندما كانت نحوها العقليات البابوية. الانطلاقة بدأت بعصر التنوير أولاً ومن ثم النقلة الكبرى إلى عصر الحداثة وما بعد الحداثة.
يتساءل الكاتب العربي المقيم في فرنسا هاشم صالح: “أين هم المفكرون في دولنا العربية الذين يمكن الرهان عليهم للخروج من هذا الواقع؟ أين هو فولتير العربي؟ وأين هو كانت ؟ وسبنونزا ؟ وهوجو واركون؟”.