المنشور

منطق الخاشكيرية

يحكى أن في قديم الزمان عامل مهنته التدليك في الحمامات، حيث يجلس الزائر بين يدي المدلك لأكثر من ساعة، ولكي لا يشعر بطول الوقت يأخذ هذا الزائر بالحديث مع المدلك والذي يتسم بخبرة عالية في العديد من مجالات الحرف والفنون. وفي ذات يوم شكا أحد الزبائن للمدلك معاناته من ألم شديد في الظهر حرمه القدرة على النوم ولم ينفع معه أي دواء. قال له عامل الحمام: بالمناسبة لدي علاج بسيط جدا لألم ظهرك، خذ قليلا من الخاشكير ونقّعه في الماء ليلة كاملة وتناوله في الصباح الباكر!
شكر الزبون العامل على هذه الوصفة السريعة، وبعد قليل عاود الزبون الشكوى قائلاً: لا أدري إن كانت هذه من علامات الهرم والشيخوخة أم لا، فإن بصري ضعيف ويقول الطبيب أن عليَّ أن أرتدي نظارة وأنا لا أطيق النظارات ولا أدري ما أفعل، وخصوصاً أني أحب تلاوة القرآن. قاطعه المدلك بالقول: لدي علاج مجرّب لهذه المشكلة أيضاً، إذا عملت هذا ثلاث ليالٍ ستشفى إن شاء الله.
ولا يمرّ وقت طويل إذ بالزبون يجدد شكوى بعد أخرى، والعامل يصف له ذات العلاج. فما كان من الزبون بعد أن سئم من طريقة العامل إلا أن يغير مجرى الحديث، فقال: لقد تبدل نمط الحياة هذه الأيام، فلقد كنت أعيش حياة مرفّهة بأقل من هذه الأجور التي أتقاضاها اليوم، والآن ازدادت الرواتب والأجور، ومع ذلك فقد أصبحت أربط لحيةً بأخرى لأجل تمشية أمور المعاش دون جدوى وتراني أتهرّب ممن لهم عليَّ ديون ولا أكاد أخرج من داري!
قاطعه المدلك كعادته قائلاً: خذ قليلاً من الخاشكير ونقعه في الليل و… . هنا انتفض الزبون بوجه العامل صائحاً: ما هذا الدواء الذي يصلح لعلاج الظهر وضعف البصر وتسديد الديون؟!
في البحرين ابتلينا بفئة تفكر بهذا المنطق الخاشكيري! فئة من الصحفيين والإعلاميين والكتاب اعتادوا على اتهام غيرهم بالعمالة للخارج. فما من أحد البحرينيين يطالب بتحسين الأوضاع المعيشية أو انتقاد سياسة وزارة من الوزارات في سوء خدماتها للمواطنين، أو مطالبات من الشباب البحريني المتعلم بالحصول على وظيفة وعدم تفضيل الأجنبي عليه، أو مناشدات الحقوقيين بمراعاة من هم في مراكز التأهيل والإصلاح من ڤايروس كورونا… مباشرة يتحرك الخاشكيريون ويرجعون سبب كل ذلك إلى أجندات خارجية وعمالة بحرينيين لها.
الوصفة جاهزة فهي تصلح للرد على كل من يخالف آراءهم وتوجهاتهم التي تتصف في حقيقتها بالحقد والأنانية، وهم في الواقع لا يحققون ذواتهم وأهدافهم إلا من خلال الأجواء المسمومة بالكراهية والطائفية.
من المؤسف أن أمثال هؤلاء الكتاب والصحفيين يتم إعطاؤهم مساحة واسعة في أشكال الإعلام المختلفة يسرحون ويمرحون في الإساءة إلى المواطنين أفراداً وجماعات ومؤسسات، من دون أي رقابة ومحاسبة لما ينفثونه من سموم ضد طبيعة المجتمع البحريني المتسامحة والمسالمة. ولا يخفى على أحد اعتماد هذه الفئة في خطابها على الطائفية ومفرداتها التي تدعو في الظاهر إلى الترابط المجتمعي والوحدة الوطنية، ولكن في حقيقتها تدعو إلى الإساءة إلى مكون أساسي في المجتمع البحريني، وإلى الصورة الزاهية للشعب البحريني من المحبة والسلام التي عُرف بها عبر التاريخ القديم والحديث.
إن البحرين في حاجة إلى ما هو نقيض لخطاب الخاشكيريون، إلى خطاب العقلانية والمرونة في إيجاد حلول للمشكلات السياسية والاقتصادية التي تؤدي حتماً إلى تقريب المسافات وتجسير الفجوات وتحقيق المنجزات.