المنشور

“الممتنعون” و”المتغيبون”

على كثرة الكلام الذي قيل عن القيود الكثيرة المفروضة على مجلس النواب المنتخب، خاصة من خلال أحكام اللائحة الداخلية للمجلس، فإن الحكومة أظهرت، خاصة خلال السنوات الأخيرة، ضيقها حتى من الحيز المحدود المتاح للمجلس كي يقوم بدوره الرقابي على أداءها، ومارست ما تستطيع من ضغوط لتمرير “تعديلات” على هذه اللائحة لفرض المزيد من القيود على أداء المجلس، والحدّ من فعالية الأدوات الرقابية المتاحة له.
وبعد أن بات استجواب الوزراء في حكم المتعذرداخل المجلس، كما أوضح عضو كتلة “تقدّم” النائب الأول لرئيس المجلس عبدالنبي سلمان في مداخلة أخيرة له، لجأ النواب المخلصون إلى أداة المناقشة العامة، لمناقشة السياسات الحكومية وأداء الوزرات المختلفة، وهي مناقشات لا تصل، بطبيعتها، حدّ إدانة الوزير المعني، ورغم ذلك ضاقت الحكومة ذرعاً بالنقد الذي وجه لبعض أعضاءها وكبار المسؤولين فيها، على ما وجده النواب، وإلى جانبهم ناخبيهم، من أوجه قصور في أداء هؤلاء.
ولم يطل الوقت حتى اقترحت تعديلات على اللائحة الداخلية تفرغ أداة المناقشة العامة من محتواها الفعلي، و”نجحت” في تمريرها عبر المجلس نفسه المعني بمحاسبة الحكومة والرقابة على أداءها حسب الدستور وميثاق العمل الوطني، فكان لها ما أرادت، وتمّ ذلك في مشهد هزلي بالفعل.
إذا استثنينا الموقف المشرف لاثني عشر نائباً، في مقدمتهم رفاقنا في “تقدّم” الذين رفضوا تلك “التعديلات” بوضوح وحزم، فإن المتبقين من أعضاء المجلس، أي ثمانية وعشرين نائباً من مجموع الأربعين عضوا الذين يتكون منهم المجلس، “تفننوا” في أساليب تمكين تعديلات الحكومة من المرور.
بعضهم لم يجد حرجاً في حضور الجلسة التي ناقشت الموضوع والتصويت بنعم كبيرة (!) مع مرور المرسوم بقانون بشأن التعديل المقترح، فيما وجد آخرون من الحاضرين ضالتهم في بدعة “الامتناع عن التصويت”، أما البقية فإما أنهم تغيبوا متعمدين عن حضور الجلسة، فيما اختار بعضهم اغلاق الميكرفون لحظة التصويت، والنتيجة جاءت كما هو مخطط لها: “لم يرفض المرسوم العدد اللازم من الأصوات لعدم تمريره، اي 21 صوتاً”.
يتوهم “الممتنعون” و”المتغيبون” إن حسبوا أنفسهم يختلفون في شيء عمن صوتوا بنعم لتمرير المرسوم، وأن هروبهم بهذه الطريقة عن الإفصاح عن موقف واضح تجعلهم مختلفين عنهم، وجلّ ما فعلوه أنهم وضعوا شخوصهم في محل السخرية من الناس، لأنهم، في النهاية، شركاء في التطاول على حق نيابي كفله الدستور، أثبتوا أنهم ليسوا أهلاً لممارسته.